الأولى: قوله جل وعلا: ( {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ) . هذه الآية أجمع السلف على أن المراد بها الرؤية في الدار الآخرة، ( {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} ) ( {وُجُوهٌ} ) ، أي: وجوه المؤمنين، وهذا معلومٌ من السنة، وفيما يأتي من نص القرآن، حينئذٍ يكون التنوين هنا عوضًا عن المضاف إليه، يعني: وجوه المؤمنين يومئذ، التنوين هنا كذلك عن مضافٍ إليه، أي: يوم إذ، والمراد به اليوم الآخر، أي: وجوه المؤمنين في اليوم الآخر {نَّاضِرَةٌ} ، بالضاد، أي: حسنةٌ من النضارة، من النضارة بالضاد لا بالظاء، وهي الحسن والبهاء، ومنه {نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24] . يدل على ذلك قوله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان: 11] . إذًا ( {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} ) ، أي: حسنةٌ بهيةٌ، وهذا إنما يكون لكونهم يرون الله عز وجل وتزداد حينئذٍ بهاءً وحُسْنًا، أي حسنًا في وجوههم وسرورًا في قلوبهم، وروى ابن مردويه بسنده عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ... {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} قال: «من الحسن والبهاء» . {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} «من الحسن والبهاء» ، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: «في وجه الله» . حينئذٍ دل ذلك على أن الرؤية هنا ثابتةٌ على حقيقتها، فقوله: ... {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} . بالظاء من النظر، وهنا عدي النظر بـ إلى، وهذه تفيد الغاية، حينئذٍ لما عد النظر هنا بـ إلى المفيد الحرف هذا للغاية دل على أن النظر هنا بالبصر، لأنه لو كان من التأمل والتفكر لما عدي بـ إلى وهو نظرٌ صادرٌ من الوجوه، وهذا إنما يكون بالعين بخلاف النظر الصادر من القلوب فإنه يكون بالبصيرة والتدبر والتفكر فهنا صدر النظر من الوجوه إلى الرب عز وجل لقوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} . جار ومجرور متعلق بقوله: {نَاظِرَةٌ} . وهو متقدمٌ عليه، يعني: على متعلقة، حينئذٍ ناظرةٌ إلى ربها، والنظر المراد به هنا النظر بالبصر، وليس المراد به النظر بالبصيرة الذي هو التفكر والتأمل، لأنه ينتفي في لسان العرب أن يتعدى النظر الذي يكون مرادًا به التأمل والتدبر والتفكر أن يَتَعَدَّى بـ إلى، فلما عُدِّيَ بـ إلى علمنا أن المراد به النظر بالبصر، فتفيد الآية الكريمة وهي قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} . هنا أضاف النظر إلى الوجوه لأنها محل العين، فتفيد الآية الكريمة أن هذه الوجوه الناضرة الحسنة تنظر إلى ربها فتزداد حينئذٍ حسنًا إلى حسنها، فدلت الآية على أن الله تعالى يرى عيانًا بالأبصار يوم القيامة.