فهرس الكتاب
الصفحة 211 من 401

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام) . وهذا غريب، المصنف رحمه الله تعالى يؤلف مختصرًا في معتقد أهل السنة والجماعة، والأصل أن لا يؤتى فيه بآثار إسرائيلية ولا غيرها، وإنما يذكر فيه الوحي، لأن العقيدة توقيفية، فإذا كان كذلك فالأصل فيها أن لا يأتي إلا بنص من كتاب أو سنة أو ما أجمع عليه سلف الأمة، وأما الآثار فيما نقل ونحو ذلك فالأصل أن لا تدرس في مثل هذه المتون، ثم ذكر أثر موسى وهو أثر إسرائيلي ضعيف لا يؤخذ به، قد أورد هذا الجزء من قصة موسى السيوطي في (( الدر المنثور ) )في تفسير سورة طه، وقد أخرجه أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن وهب ابن منبه، وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه: القصة الذي ذكرها المؤلف عن موسى عليه السلام ليلة رأى النار ليس لها سند ثابت، ويظهر بطلانها لأنه لم يرد في النصوص الصحيحة وصف الله تعالى بأنه عن اليمين والشمال. والله أعلم.

إذًا هذه القصة من أصلها باطلة ولا تثبت، ولو قيل بأنها إسرائيلية فالأصل أنه موقوف لا يصدق ولا يكذب، لكن ورد فيه نوع نكارة من حيث الألفاظ، (وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته ففزع منها) من النار لما دنى (فناداه ربه: يا موسى) ناداه ربه يا موسى، إذًا فيه إثبات صفة النداء، وما دام أن الآيات السابقة نصت على النداء يكفي لا نحتاج إلى مثل هذه النقول التي لم تثبت (فناداه ربه: يا موسى. فأجاب) ، يعني موسى، (سريعًا استئناسًا بالصوت، فقال: لبيك لَبيك) ، يعني استجابة بعد استجابة، (أسمع صوتك ولا أرى مكانك) إنما سمع الصوت ولم يرى ربه، لأنه ممكن أن يسمع الصوت ولكن الرؤيا ممتنعة في الدنيا، (فأين أنت) ؟ هذا سؤال بـ أين، والسؤال بالـ أين نقول: هذا جائز لوروده في قصة الجارية السابقة وهي في صحيح مسلم وهي ثابتة ولا نأخذها من هذا الموضع، (فأين أنت؟ فقال) يعني الله عز وجل ( «أنا فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك» ) ، وهذا اللفظ الذي أشار إليه ابن عثيمين رحمه الله تعالى بأن فيه نكارة، لم يرد في النصوص بأن الله تعالى أمام، أَمام جاء في الصلاة وحسب، ( «وعن يمينك وعن شمالك» ) ويمكن أن يقال بأنه أراد به المعية العامة، بمعنى أن الله تعالى مع العبد، وأنه بعلمه جل وعلا أمامه وخلفه وفوقه وإلى آخره، تذكير بقربه ولا ينافي العلو، فالمراد القرب والمعية، (فعلم) موسى (أن هذه الصفة) فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك ليست في صفة المخلوق (فعلم) موسى (أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: كذلك أنت يا إلهي) ، (قال: كذلك أنت) يعني: موسى، (أفكلامك أسمع) يعني: أفأسمع كلامك؟ يعني: لا كلام غيرك قدم المفعول به هنا لإفادة الحصر، كقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ... [الفاتحة: 5] . يعني: لا غيرك، أفأسمع كلامك لا كلام غيرك؟ (أم كلام رسولك؟ قال: «بل كلامي يا موسى» ) ، أراد الله عز وجل أن يبين له أن هذا الصوت الذي سمعه موسى من النداء بأنه من الله عز وجل، والآيات السابقة والنصوص أدل على المقصود من هذا الذي معنا.

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (القرآن كلام الله) . وفي بعض النسخ: فصل. يعني: فصل هذا الكلام عن سابقه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام