قال رحمه الله تعالى: (ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم) . الكلام في القرآن هو كالكلام في صفة الكلام، لأنه بعض من كلام الله تعالى، ليس كل كلام الله هو القرآن، وإنما القرآن من كلام الله تعالى، لأن الله تعالى يتكلم بما شاء متى شاء، ومما شاءه أنه تكلم بكلام أسماه قرآنًا، حينئذٍ لا يحصر كلام الله تعالى في القرآن، بل هو أعم من ذلك، ولذلك قال: ... (ومن كلام الله) ، (القرآن العظيم) . إذًا ليس كل كلام الله تعالى هو القرآن، ولذلك نقول: ينزل نزولاً يليق بجلاله كل ليلة في ثلثه الأخير يقول: «هل من سائل فأعطيه سُؤْلَه» . هذا من كلام الله أو لا؟ من كلام الله تعالى، هل هو قرآن؟ ليس بقرآن، ولذلك نقول: بينهما العموم والخصوص المطلق، كل قرآن فهو كلام الله، وليس كل كلام الله فهو قرآن، (ومن) هنا للتبعيض، (ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم) ، والقول في القرآن جزء من القول في كلام الله على العموم، لكن لما وقعت فيه المحنة وصار محك نزاع بين المعتزلة وأهل السنة صار العلماء يفردون القول في القرآن بكلام خاص وإلا الأدلة واحدة، والمصنف هنا ساق الأدلة من الكتاب والسنة على أن القرآن كلام الله، ومذهب أهل السنة والجماعة في القرآن نقول قولاً مجملاً: أن القرآن العظيم من كلام الله تعالى (منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود) ، فهو كلام الله حروفه ومعانيه، كلام الله تعالى حروفه ومعانيه، لا نقول: المعنى دون الحروف، ولا الحروف دون المعنى، بل هما مسمًى للفظ الكلام، فالكلام اسم مسماه اللفظ والمعنى معًا، ليس اللفظ دون المعنى ولا المعنى دون اللفظ، أما دليل كونه من كلام الله تعالى القرآن كونه من كلام الله تعالى فلقوله سبحانه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . يعني القرآن، وهذا محل وفاق بين المفسرين أن المراد {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} ، أي القرآن، وهذا محل وفاق، و {اسْتَجَارَكَ} ، أي: طلب جوارك، والجوار بمعنى الحماية والعصمة، و {حَتَّى} للغاية، والمراد إن استجارك أحد ليسمع كلام الله فأجره حتى يسمع كلام الله، أي القرآن، وهذا متفق عليه كما ذكرناه، وهنا قال: {كَلَامَ اللَّهِ} . يعني في الآية {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} فأضافه إلى نفسه، والقاعدة كما ذكرنا أن ما أضافه الله تعالى إلى نفسه وليس بمخلوق بائن منفصل قائم بنفسه فهو صفة لله تعالى، فأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلام الله، وهذا هو المطلوب، إذًا دليل على أن القرآن من كلام الله هذا النص {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} محل وفاق بين المفسرين أن المراد بكلام الله هنا القرآن، ودليل أنه منزله قوله تعالى: ... {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] ، {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 4] ، الفرقان هذا اسم من أسماء القرآن، لأنه يفرق بين الحق والباطل، أو يفرق بين المسلم والكافر وكلاهما حق، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} [البقرة: 185] .