والآية الأخيرة السادسة وهي قوله سبحانه: ( {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] ) . ولهذا قال المصنف: (وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله) . هذا كقوله: ( {أَنَا رَبُّكَ} ) . لأنه لما نادى موسى في موضع قال له: ( {أَنَا رَبُّكَ} ) . وفي موضع آخر في طه قال: ... ( {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} ) . وهذا كما قال المصنف ... (وغير جائز) ، يعني: لا يجوز شرعًا ولا عقلاً، (أن يقول هذا) اللفظ السابق ( {أَنَا رَبُّكَ} ) ، ( {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} ) ، (أحد غير الله) ، فدل على أن المنادي والمتكلم هو الله عز وجل لا غيره، ودل ذلك على أن قوله: ( {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} ) . كلام الله تعالى الذي سمعه موسى أنه مركب من كلمات، وهذه الكلمات مركبة من حروف، ثم هو نداء لا بد أن يكون بصوت، إذًا كلام الله تعالى يسمع وهو بصوت وحرف، فثبت معتقد أهل السنة والجماعة بنصوص الكتاب والسنة.
ثم أورد المصنف أثر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفًا عليه، (وقال عبد الله بن مسعود) ، وسبق أنه توفي سنة اثنين وثلاثين من الهجرة، (إذا تكلم الله بالوحي) (إذا تكلم) هنا علقه بماذا؟ بـ إذا، وإذا هذه شرطية، والشرط لم يكن ثم كان (إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء) ، كما تقول: إذا خرجتي فأنت طالق. متى يحصل الطلاق؟ إذا خرجت، إذًا دلَّ على، وقت الكلام دل على أنها لم تخرج، إذًا لم يحصل خروج فلم يترتب عليه جواب الشرط، فإن وقع فعل الشرط حينئذٍ ترتب عليه جواب الشرط، فإذًا قوله: (إذا تكلم) . دل على أن هذه الصفة فعلية، لأنها علقت بـ إذا الشرطية، وما كان معلقًا بـ إذا الشرطية فهو معلق بمشيئة الرب جل وعلا فهو صفة فعلية، لكن باعتبار الآحاد لا باعتبار الأصل، يعني: أصل الصفة، لأنها ذاتية، وأما باعتبار الآحاد فهي فعلية، (إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته) هذا إثبات الصوت نصًا واضح بين، (سمع) ، إذًا هو كلام يسمع (صوته أهل السماء) ، أهل السماء هذا فاعل سمع، إذًا هو كلام مسموع، وإذا كان كذلك حينئذٍ يكون بصوت، وقد نص هنا في هذا الحديث أو في هذا الأثر الموقوف على ابن مسعود أنه يكون بـ موقوفًا على أو معلقًا بالمشيئة، وكذلك هو مسموع، وكذلك هو بصوت، وفيه أنه سمعه أهل السماء، دليل على ما ذكره المصنف في أول الفصل في قوله: (يسمعه منه من شاء من خلقه) . قال: (ومن أذن له من ملائكته ورسله) . وهذا الأثر موقوف على ابن مسعود دليل على ذلك، وهذا الأثر وإن كان موقوفًا على ابن مسعود إلا أن إسناده صحيح، وله حكم الرفع، لأن ما قاله الصحابي ولم يكن للعقل فيه مجال له حكم الرفع، يعني: كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قاله، فهو مرفوع حكمًا، يعني: المرفوع إما أن يكون مرفوعًا لفظًا، وإما أن يكون مرفوعًا حكمًا.
ولْيُعْطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوابِ ... نَحْوُ مِنَ السُّنَّةِ مِنْ صَحَابِي
كَذَا أُمِرْنَا وَكَذَا كُنَّا نَرَى ... فِي عَهْدِهِ
إلى أن قال: