فهرس الكتاب
الصفحة 207 من 401

الآية الرابعة أشار إليها بقوله: (وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ} ) . أسند الفعل إلى الرب جل وعلا، ( {إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [الشورى: 51] ) ، هذه الحالة الثالثة، اشتملت هذه الآية على أنواع الوحي الثلاثة، ( {إِلَّا وَحْياً} ) هذا النوع الأول بأن يلقي الله الوحي في قلب الرسول من غير إرسال ملك ولا مخاطبة منه مباشرة، الذي يسمى النفس في الوضع، ( {أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} ) وهذا الثاني بأن يكلمه مباشرة لكن من وراء حجاب، كما كلم موسى عليه السلام ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج، ( {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} ) يبلغ عن الله كلامه كجبريل.

الآية الخامسة وأشار إليها بقوله: (وقال سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] ) . ( {فَلَمَّا أَتَاهَا} ) لما هنا شرطية، فدل على أنه مقيد بالمشيئة، ولذلك صار الكلام صفةً فعلية باعتبار تعليقه على المشيئة، وسبق أن الضابط في الصفات الفعلية كل صفة علقت بالإرادة والمشيئة فهي صفة فعلية، وهذه إنما يأتي بماذا؟ {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] لما جاء، إذًا قبل مجيئه لم يكلمه، فدل على أنها صفة فعلية، إذًا ( {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] ) ، ( {فَلَمَّا أَتَاهَا} ) الضمير يعود إلى النار، ( {نُودِي} ) هذا مغير الصيغة، يعني: مبني لما لم يسم فاعله، ولا تقل كما يقول النحاة: مبني للمجهول. هنا غلط، ( {نُودِي} ) المنادي هو الله عز وجل، فكيف يكون مجهولاً؟ هو معلوم مغير الصيغة، والفاعل هو الله تعالى بدليل قوله: ( {أَنَا رَبُّكَ} ) . هذا لا يصدر إلا، لا يعقل أن يصدر إلا من الله عز وجل، لا تقول الشجرة: أنا ربك. ولا يقول الملك جبريل: أنا ربك. ولا يقول أحد أنا ربك، فإنما هو خاص بالرب جل وعلا، فهذا اللفظ لا يصح إطلاقه إلا من الله تعالى، فقوله: ( {أَنَا رَبُّكَ} ) . دل على أن قول نودي أن المنادي هو الله عز وجل، والنداء هو الدعاء بياء أو إحدى أخواتها على المشهور عند النحاة، وقد يأتي بالفعل وهو أعم، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات 104] هذا تفسير للنداء، وهو إنما يكون بصوت، ولا يكون نداء بدون صوت البتة، كل ما هو نداء، يعني: رفع صوت، ومنه الندبة، فحينئذٍ لا بد أن يكون بصوت، فإذا لم يكن بصوت لا يكون نداءً، قد خاطبنا الله عز وجل بلسان العرب، وقد نادى موسى، دل على أنه بصوت، إذًا كل نداء دل على أنه بصوت، فإذا لم يكن بصوت لا يسمى نداءً، وقد أثبت الله تعالى لنفسه النداء، فدل على أنه بصوت، وهذه الآية نص صريح في إثبات كلام الله تعالى لموسى، وأن كلامه له إنما هو بصوت وحرف سمعه موسى، والله تعالى هو المتكلم لا غيره بدليل قوله: ( {أَنَا رَبُّكَ} ) . هذا نص واضح بين لا يحتمل التأويل البتة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام