الوجه الثاني في رد كونه اسمًا من أسماء الله تعالى: فلأن أسماء الله تعالى كلها حسنى يعني: بالغة في الحسن منتهاه، يعني: لا يثبت لله عز وجل إلا ما دل عليه النص، ثم هو من حيث المعنى دال على معنى حسن، ولذلك جاء في النص مثلاً: «أنا الدهر» . أنا الدهر مبتدأ وخبر. قد ظن ابن حزم وغيره بأنه اسم من أسماء الله عز وجل، حينئذٍ هنا دل الدليل ثبت جاء النص بهذا، لكن لما نظرنا في قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] بمعنى أنه ليس لله عز وجل اسمٌ إلا وهو متضمن لمعنى حَسَن، بل أعلى درجات الحسن والغاية، يعني: بلغ المنتهى في الحسن، فحينئذٍ قوله: (الدهر) ليس له معنى، بل هو جامد، ولذلك جاء تفسيره {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [النور: 44] إذًا ليس الدهر من أسماء الله تعالى وإن دل النص على ثبوته من حيث الخبر لكنه من حيث المعنى انتفى كونه اسمًا من أسماء الرب جل وعلا، كذلك القديم لم يرد لفظًا نصًا في كتاب ولا سنة فسقط من حيث اللفظ، كذلك من حيث المعنى لا يدل على معنًى حسن، وأسماء الله تعالى كلها حسنى أي بالغة في الحسن منتهاه وليس كذلك القديم، فإن القدم معنى اعتباري لا يدل على الأولية، فإن معناه المتقدم على غيره، وإن كان حادثًا ومتأخرًا بالنسبة إلى شيءٍ آخر، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] إذًا هذا قديم، وهذا قديم، وهذا قديم، لكن لا يدل اللفظ على أنه أسبق من غيره، قد يكون قديم وقديم وهو متأخر عن شيءٍ ثالث وهو متقدم على غيره. إذًا المراد المتكلمين بإثبات لفظ القديم أنه الأسبق وأنه المتقدم على غيره، نقول: هذا لا يدل عليه اللفظ، وإنما يُغني عنه قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ} وهو اسم من أسماء الله تعالى وثابت بالإجماع، وبذلك لا يصح إطلاق القديم على الله تعالى اعتبارًا أنه من أسماء الله، وإن كان يصح الإخبار به عنه لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، هذه قاعدة عند المتأخرين: أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وأن باب الإخبار أو الأخبار أوسع من باب الصفات، والإنشاء داخل في الصفات.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (إنما يُطلق عليه سبحانه في باب الأسماء والصفات توقيفي، كل اسمٍ فهو توقيفي، موقوف على السماع، وكل صفةٍ لله عز وجل فهي توقيفية موقوفة على السماع، وما يُطلق عليه من الإخبار لا يجب أن يكون توفيقيًا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. حينئذٍ عند ابن القيم رحمه الله تعالى هذه الألفاظ التي ذكرها أما الشيء فجاء في الكتاب {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ} [الأنعام: 19] إذًا أُطلق لفظ الشيء على الله عز وجل، حينئذٍ إطلاقه لا بأس به، وأما القديم، والقائم بنفسه، والموجود، هذا لم يرد في لسان، في الشرع، لم يرد في الشرع إطلاق هذه الألفاظ، وإنما استعملها العلماء من باب الإخبار عن الله عز وجل، وهذه قاعدة ذُكرت في كتب أهل السنة المتأخرين لكنها لم يذكر لها دليل البتة. والخبر في المعنى هو الصفة والصفة هي الخبر، ولذا قال ابن القيم في النونية:
وهو القديم فلم يزل بصفاته ... متوحدًا بل دائم الإحسان