فهرس الكتاب
الصفحة 198 من 401

(قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] ) . {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] هنا في إثبات صفة الكلام للرب جل وعلا، وجه الاستدلال إسناد الفعل إلى الفاعل، والفاعل هو الله عز وجل، كما ذكرنا أن أي فعل سواء كان فعلاً ماضيًا أو مضارعًا أُسند إلى الرب جل وعلا دل على أنه وصفٌ له، كما تقول قام زيدٌ. زيدٌ موصوف بالقيام، تقول {وَكَلَّمَ اللهُ} الله كذلك موصوف بصفة الكلام. هذا وجه الاستدلال هنا بهذه الآية. ثم أكد هذا المعنى بقوله: {تَكْلِيماً} وهو مصدر مؤكِد للمصدر الذي تضمنه قوله: {كَلَّمَ} . إذًا {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} نقول: {تَكْلِيماً} هذا رفع احتمال المجاز. ولا يمكن أن يراد بهذا النص المجاز، كلم الله إذًا المراد به الكلام، والكلام معلوم باتفاق النحاة أنه اللفظ المفيد، كما قال ابن مالك:

كلامنا لفظ مفيد كاستقم

فحينئذٍ مسمى الكلام اللفظ والمعنى معًا، ليس اللفظ دون المعنى، ولا المعنى دون اللفظ، وهذا محل إجماعٍ بين النحاة، اللفظ المفيد، اللفظ هذا باعتبار النطق، والمفيد باعتبار المعنى، إذًا هو مسمى الكلام، فإذا صار الكلام اسمًا له حينئذٍ لا يصح أن يطلق الكلام على أحد الجزأين كما يقال: الإنسان اسمٌ مسماه الجسد والروح معًا، فلا يقال الجسم إنسان فقط دون الروح، ولا يقال الروح دون الجسد، لأنه إنسان، ولذلك رد بعض المحققين من قال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسري به بروحه دون جسده، قال الله عز وجل قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] والعبد كلفظ الإنسان يُطلق على الجسد بروحه، فتخصيص أحد المعنيين دون الآخر يحتاج إلى دليل، ونحمل أن الإسراء كان بماذا؟ بجسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروحه، لأنه قال: {بِعَبْدِهِ} ، والعبد كالإنسان إنما يراد به الجسد والروح معًا، كذلك الكلام لفظٌ مسماه اللفظ والمعنى معًا، بإجماع أهل اللغة الغريب أن كثير من الأشاعرة بعضهم له مدخل في علم النحو، فيقرر هذه المسألة في باب النحو وإذا جاء في باب المعتقد حرف وبدل.

إذًا {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} فيها إثبات صفة الكلام وهو نصٌ واضح بَيِّن، ولو لم يأت إلا هذه الآية في الكتاب لدل على إثبات هذه الصفة للرب جل وعلا. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد أن يوحي بأمره تكلم بالوحي» تكلم هو أي: الله عز وجل، أي: اللهُ عز وجل تكلم بالوحي. أخرج ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم. وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله عز وجل فهو صفة ثابتة لله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهو صفةٌ ذاتيةٌ فعلية باعتبارين كما سبق أن الصفات نوعان:

صفات ذاتية.

وصفات فعلية.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام