فهرس الكتاب
الصفحة 184 من 401

وهنا اختار اسم الرحمن ليدل على أنه قد علا ربنا جل وعلا على خلقه برحمته، وأن رحمته كما جاء في الحديث السابق «إن رحمتي سبقت غضبي» . فدل على أن الله تعالى بلغت الرحمة عنده الغاية، بحيث ما من مخلوق إلا قد علاه الرب برحمته، وقوله: {عَلَى الْعَرْشِ} ، {الرَّحْمَنُ} هذا مبتدأ، واستوى فعل ماضي والفاعل ضمير مستتر يعود على الرحمن مبتدأ، و {عَلَى الْعَرْشِ} متعلق به، بمعنى أنه معمول لاستوى، وهذا يدل على ثَمّ علوًا خاصًا، لماذا؟ لأن على العرش هذا متعلق بقوله: {اسْتَوَى} ، ومعلوم عند البيانيين أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص والقصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عن ما عداه، حينئذٍ نقول: العلو الخاص إنما هو خاص بالعرش دونما سواه، فليس ثَمَّ علو خاص على غير العرش، ونثبته ونخصه بالعرش، لماذا؟ لتقديم ما حقه التأخير، لأن قوله: {عَلَى الْعَرْشِ} الأصل الرحمن استوى على العرش، الرحمن استوى على العرش، لكن هذا التركيب لا يفيد الاختصاص والقصر، وإنما يفيد الاختصاص القصر إذا قُدم ما حقه التأخير، كقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي نعبدك ولا نعبد سواك، لا نعبد إلا إياك، هذا الأصل، وإذا أُخِّر نعبدك: هذا ليس فيه قصر العبادة على الله عز وجل، لأنه قد يعبد الله ويعبد غيره، نعبدك أي ونعبد غيرك معك، هذا اللفظ لا يمنع، لكن لما أُريد بالاختصاص والقصر: الاختصاص حينئذ قُدِّمَ ما حقه التأخير، إذاً في قوله {عَلَى الْعَرْشِ} فائدة وهي أنه مقدم من تأخير، فدل على القصر والاختصاص، وهو إثبات الحكم بالمذكور ونفيه عن ما عاداه، حينئذ نثبت أن هذا العلو الخاص إنما هو كائن على العرش دونما سواه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام