رواه الحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط الشيخين، وأهل السنة والجماعة على إثبات ذلك، فأهل السنة والجماعة يثبتون استواء الله تعالى على عرشه، استواء يليق بجلاله، ولا يماثل استواء المخلوقين البتة، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ومعنى الاستواء: العلو والاستقرار، وذلك إذا تعدَّى بـ (على) ، هذا الذي جرى عليه في لسان العرب، وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معانٍ: عَلا، وارتفع، وصعد، واستقر. يعني إذا أردت أن تفسر هذه الآية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} حينئذٍ لا تأتي بأي لفظ من عندك، وإنما تفسره بما فسره به السلف، فقالوا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أي علا، وقالوا: ارتفع، وقالوا: صعد، وقالوا: استقر، علا وارتفع وصعد بمعنىً واحد، وأما استقر فهذه مخالفة لها في المعنى، ففيها زيادة على ما مضى، والحجة في ذلك اللغة العربية، يعني ما الدليل؟
نقول: لسان العرب، لأنه كما سبق معنا أن الله تعالى خاطبنا بلسان عربي مبين، حينئذ ما ذكره سبحانه وتعالى في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من صفاته أو أسمائه فإنما نفهمها بما جرى عليه عادة العرب في ذلك، ونحملها على المعاني المشهورة، دون المعاني الغريبة، لأن في لسان العرب ما هو وحشي، بمعنى أنه لا يكثر استعماله وله معنى يخصه، لكنه قد يكون فصيحاً لكنه يُقابل بما هو أفصح منه، حينئذ لا نحمل آيات الصفات والأسماء إلا على ما اشتهر وشاع وذاع في لسان العرب، وأما المعاني التي تكون هي أقل من شيوعها، أقل من ذلك حينئذ لا تحمل عليها البتة، وهذا أمر متفق عليه عند أهل التفسير، والأمر مستوٍ في باب العقائد وفي باب الأحكام، ولذلك بعض الأحناف وغيرهم قد يفسر بعض النصوص بمعاني هل لغوية ثابتة، لكنها وحشية، بمعنى أنها ليست هي الفصيحة، ولذلك يرد عليهم بأن هذا تأويل، ويسميه بعض المفسرين بأنه لعب، إذا كان التأويل لا يدل عليه دليل وحُمل عليه اللفظ ولو كان في لسان العرب، نقول: هذا يعتبر من اللعب. إذًا {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فيها إثبات الاستواء، وهنا انظر كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في اختيار اسم الرحمن، اختار الله عز وجل هذا الاسم، وجاء في سياق العلو، لأن هذه فيها إثبات العلو العام وفيها إثبات العلو الخاص، فثَمَّ علوان:
علو عام على جميع المخلوقات.
وعلو خاص، وهو العلو على العرش، [نعم] {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .