(وقوله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم: «ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك» . وقال للجارية) ، هذه أدلة، وقد ذكرنا أن ابن قدامة رحمه الله تعالى يذكر لكل صفة دليلاً واحدًا، هذا الأصل، حتى أن الاستواء ذكر له دليلاً واحدًا، وأما العلو العام لأنه وقع فيه، والاستواء أيضًا وقع فيه نزاع، والنزاع فيه أكبر من الاستواء، إذ قد أنكر كثير من أهل البدع علو الله تعالى بذاته على خلقه، ولذلك أورد الأدلة وأكثر من ذلك. وقوله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} أي كيف تَأْمَنُونَ الله الذي في السماء فوقكم ومطلع عليكم، وقوله: {فِي السَّمَاء} : فيه إشارة إلى علو الرب جل وعلا، إذا هذه أو الآية أراد بها المصنف الإشارة إلى الصفة الرابعة عشرة وهي العلو والفوقية، والعلو من صفات الله تعالى الثابتة له في الكتاب والسنة والإجماع، وإذا أطلق الإجماع في هذا المقام المراد به إجماع الصحابة، ومن سار على هديهم، وأما من خالف ولو كثروا هؤلاء لا يلتفت إليهم في الإجماع، لأن الأشاعرة مثلاً أنكروا العلو الذاتي، حينئذ مع كثرتهم في الأمة لا يلتفت إليهم في مسائل المعتقد البتة، لأنهم لم يسيروا على النهج الصحيح في متابعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بل هم مخالفون، وقد ذكر ابن القيم أن علو الله تعالى ثابت بأكثر من ألف دليل، حينئذ إنكارهم هذا محل نظر، قال الله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} ، {الْعَلِيُّ} : اسم من أسمائه جل وعلا، وهو دال على ثبوت صفة العلو بأنواعها الثلاث:
علو الذات وهو المهم والمراد هنا.
وعلو القهر.
وعلو المعنى أو الصفات.
وقوله لعيسى عليه السلام: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} الرفع إنما يكون من سُفْلٍ إلى عُلو، وهذا نص صريح.
وكما جاء في الآية التي معنا {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، وكان النبي ع يقول في صلاته والسجود: «سبحان ربي الأعلى» . إذًا أعلى بذاته، هذا هو الأصل. رواة مسلم واجمع السلف على ذلك.
إذًا العلو المراد به على جهة الأولية علو الذات ثابت بدلالة الكتاب والسنة وأجماع السلف. والعلو قسمان: معنوي، وذاتي. معنوي نسبة إلى المعنى، وذاتي نسبة إلى الذات، أما العلو المعنوي فهو ثابت لله بإجماع أهل القبلة، ومراد بإجماع أهل القبلة هنا يشمل أهل البدعة، لأنه ما من محرِف إلا وهو قد حرف بحجة التنزيه فهو معظم لله عز وجل، حينئذٍ هو قد أعتقد لأن الله تعالى عالٍ على خلقه معنىً من حيث الصفات، وجب تنزيهه عن كل عيبٍ ونقص، وهذا أمر مسلم بين كل مخالف، ما من جهميّ ومعتزليّ وأشعريّ وما تريديّ إلا وهو يقر بذلك.