النوع الثاني: أن يؤول ويفسر بما يخالف الظاهر، تقول: {يَدَاهُ} . بمعنى قوتاه، نعمتاه. فابن قدامة يرد على الطائفتين فلا يُشكل عليك قوله: (ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره) . ليس هذا مراد به أنه يثبت ما يوافق الظاهر لا، وإنما هو لا يثبت ما يوافق الظاهر ويرد على من أثبت ما يوافق الظاهر وعلى من أول تأويلاً يخالف الظاهر، وهذا في حقيقته تناقض منه، هو وغيره، وهذا شأن كل من خالف الحق في باب الأسماء والصفات أنه يناقض بعضه بعضًا في مواضع متعددة يثبت شيء وينقضه، هذا شأن المتكلمين أنهم يتناقضون، وهذا من علامات الباطل، الحق لا يناقض بعضه بعضًا، بل هو متوافق وبعضه مرتبط ببعض، وأما أهل الباطل فحينئذٍ لا بد من التناقض، (ولا نتأوله بتأويلٍ يخالف ظاهره) كذلك يجاب عن هذا بأن النظر يكون في التأصيل، وكل من خالف حينئذٍ ننظر في أصوله، فإن وافقت أصوله أصول أهل السنة والجماعة ومخالفته في بعض الفروع هذا لا نخرجه عن أهل السنة والجماعة، يعني: أثبت الأصول، قد نثبت لله عز وجل ما دل عليه دون التحرير، وجاء ببعض الأمثلة ... إلى آخره، وأَوَّل الصفات، أوَّل حديث الصورة مثلاً، لم يؤمن بالنفس مثلاً كما ذكرنا، هذا يعتبر في القول الآخر مؤول، حينئذٍ وافق في أصل وخالف في فرعٍ، هذا لا نقول بأنه مبتدع ولا نضمه إلى تلك الطائفة، وأما من وافق في أصوله لأهل البدعة فحينئذٍ لا بد وأن يضطرب، فتارةً في الفروع يوافق أصوله وهذا هو الغالب، وتارةً لا يستطيع أن يطبق الأصول على الفروع، فيقول بقولٍ يوافق السلف، وهذا قد وقع فيه ابن قدامة هنا وفي (( ذم التأويل ) )، حينئذٍ يجاب بأحد الجوابين عن هذه الجملة، (ولا نتأوله بتأويلٍ يخالف ظاهره) ، لأنه يريد به الأشاعرة والرد عليهم، أو نقول: هنا وافق الحق لكنه أشبه ما يكون بذلة قلم، بمعنى أنه لم يستطع أن يأتي في هذا المكان إلا بأن يثبت ما أثبته السلف، وأما أصوله فهذه نأخذها من تقريراته في ... (( الروضة ) )وخاصةً في كلامه في المتشابه لأنه يقطع قطعًا عامًا في ... (( الروضة ) )، وفي (( ذم التأويل ) )وهنا بأن آيات الصفات من المتشابه، وينص على أن المتشابه لا يعلمه إلا الله فكيف حينئذٍ نعتذر؟ فهذا لا يمكن الاعتذار عنه البتة، (ولا نشبهه بصفات المخلوقين) ، يعني: بخصائصه، (ولا بسمات المحدثين) ، سمات هيئات جمع سمة، والمحدثين المراد به المخلوقين، (ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير) النظير بمعنى الشبيه ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] ) ، وهذه قاعدة من القواعد العامة، قواعد باب الأسماء والصفات قد يكون نصًا كهذه الآية، {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} [النحل: 60] في باب الإثبات، ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ) كلا الآيتين قاعدة في نفسها، تضمنت هذه الآية، وهذه القاعدة الرد على الممثلة والمعطلة، قول ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ) رد على الممثلة، وقوله: ( {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ) .