رد على المعطلة، والمقصود بالنفي إثبات الكمال ضده، يعني: لكماله لا يماثله شيءٌ من مخلوقاته، وهذه آية مهمة ينبغي استحضارها عند كل صفة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} نفى وأثبت {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فيه إثبات صفتين، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} نفي المماثلة عن الله عز وجل في السمع مع كونه مثبت للمخلوق وللخالق، والبصر مع كونه مثبتًا للمخلوق والخالق، فليس كمثله شيء في هاتين الصفتين وفي غيرهما، شيء واضح، (وكل ما تخيل في الذهن) ، (الذهن) هو القوة المُدْرَكَة المُدْرِكَة، (أو خطر بالبال) عطف تسهيل بأن كيف صفةً لله عز وجل، فإن الله تعالى بخلافه، وهذا كقوله فيما سبق (لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير) ، يعني: أنه لا يمكن أن يدرك حقيقة الصفة البتة، فكل من تخيل صفة لله عز وجل في باله في عقله في ذهنه في قلبه فالله بخلافه، لماذا الله بخلافه؟ يعني: الله ليس كذلك، هذا المراد، بأن الله ليس كذلك، لماذا؟ لأنه لا يمكن إدراكه وإذا كان كذلك حينئذٍ كل ما يتصور فليس هو بالله عز وجل، لا ذاتًا ولا صفةً ولا ... .
إذًا (وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه) ، يعني بخلاف ما تخيل ذهنه، فعظمة الله تعالى فوق ما يتصور حيث لا تستطيع الأذهان له تخيلاً ولا تنفيذًا ولا صورةً لأن الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ولأن العلم بالكيف هذا له ثلاث طرق: إما برؤيته.
أو برؤية نظيره.
أو بإخبار الصادق.
يعني: لو قيل لك كيفية شيء ما علمت بشيءٍ ما صفه لنا، لا يمكن أن تصفه إلا إذا رأيته، تقول: رأيت كذا وكذا. أو ترى نظيره فتقيس، أو يخبرك صادقٌ تثق فيه، لأن كيفيته كذا وكذا، وهذه كلها ممتنعة في حق الله عز وجل، أخبرنا بالصفة، وكذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يخبرنا الله عز وجل ولا نبيه بالكيفية، ولم نرى نظيره، ولم نراه جل وعلا، فامتنعت الوجوه الثلاث وحينئذٍ صارت الإحالة في الدنيا لا يمكن أن يرى الله عز وجل ولا يمكن أن يخبر عنه بصفةٍ من صفاته على وجه التكييف، أما على وجه إثبات الألفاظ والمعاني فهذا واضحٌ بين.
ثم قال: (ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ) . إلى آخر ما ذكره، وسيأتي قضية الاستواء قضية العلو، ونقف على هذا، والله أعلم.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.