(وقوله تعالى: {رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [المائدة: 119] ) هذه الصفة الخامسة وهي صفة الرضا، وذكر المصنف آيةٌ واحدة، وصفة الرضا من الصفات الثابتة لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف، الكتاب كقوله تعالى: {رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ} . {رَّضِيَ اللهُ} ما وجد تقرير؟ نقول: هنا فعلٌ أسند إلى الرب جل وعلا، وهنا إضافة، نسب الفعل إلى الله عز وجل {رَّضِيَ اللهُ} ، كقوله: {جَاء رَبُّكَ} . والأصل في الأفعال أنها صفات لفاعليها من حيث المعنى فالله عز وجل موصوفٌ بكونه يرضى، ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها» . رواه مسلم، وأجمع السلف على إثبات الرضا لله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييفٍ ولا تنزيل، وهي الصفة الفعلية لأنها متعلقةٌ بالمشيئة، ثم رضا الله تعالى يكون عن العمل وقد يكون عن العامل، يعني: يرضى عن العمل ويرضى عن العامل، والثاني لازمٌ له ولأنه لا يرضى عن العامل إلا إذا رضي عمله، ليس منفكًا عن العمل، لكن من حيث ما جاء في الشرع جاء تعليق الرضا بالعمل وجاء تعليق الرضا بالعامل، بمعنى أن رضا الله تعالى متعلقٌ بالعمل وبالعامل، {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] . هذا متعلقٌ بماذا؟ بالعمل، فإن يرضى الشكر لكم رضيت لكم الإسلام دينًا، الإسلام دينًا عملاً، وفي الحديث الصحيح: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا» . «يرضى لكم» . يعني الذي تعملوه؟ إذًا عمل، وأما العامل فقوله: {رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} . فرضا اللهِ صفةٌ ثابتةٌ لله عز وجل وهي في نفسه وليس شيئًا منفصلاً عنه، يعني: قائمٌ به جل وعلا، وهي صفةٌ حقيقية متعلقةٌ بمشيئته وهي من الصفات الفعلية كما سبق، فيرضى الله تعالى عن المؤمنين ولا يرضى عن القوم الكافرين، يرضى ولا يرضى، إذًا يكون في وقتٍ متصفًا بالرضا، وفي وقتٍ آخر متصفًا بغيره، ويرضى عن المتقين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، فيرضى عن أناس ولا يرضى عن آخرين ويرضى أعمالاً ويكره أعمالاً.
(وقوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] ) هذا فيه إثبات الصفة السادسة وهي صفة المحبة، وذكر المصنف لها آيةً واحدة {يُحِبُّهُمْ} هذا فيه إسناد الفعل إلى الرب جل وعلا وهو فعلٌ مضارع، قلنا: الأفعال كلها صفاتٌ في المعنى. والمحبة من صفات الله تعالى ثابتة له بالكتاب والسنة والإجماع، والكتاب كما سبق، والسنة قوله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر: «لأعطين الرايةَ غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» . «يحبه الله» هذا فيه إسناد المحبة إلى الرب جل وعلا فهو موصوفٌ بكونه يحب، متفقٌ عليه، وأجمع السلف على ثبوت المحبة لله يُحِبُّ ويُحَبُّ، فيجب حينئذٍ الإثبات الصفة كذلك من غير تحريفٍ ولا تعطيل ولا تكييفٍ ولا تمثيل.