حقيقةً باتفاق السلف إسناد الفعل إلى الفاعل لا إلى شيءٍ محذوف ولم يدل عليه إلا دليل عقلي وهو القرينة العقلية عندهم، وهذا باطل، فإن جاء شيءٌ يدل عليه ملفوظ حينئذٍ عملنا به ما فيه بأس القاعدة صحيحة، لكن تطبيقها في مقام الصفات نقول: هذا باطل. كما نقول: بأن المجاز ثابت وهو الصحيح أنه ثابت في لسان العرب وثابت في القرآن وفي السنة، لكن في مقام الصفات نقول: ممتنع. لماذا؟ لأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته، ولا يجوز حمله على مجازه إلا عند عدم إمكان حمل اللفظ على أصله، وهنا أمكن حمله على حقيقته، فلا نقول: إنه مجاز. ولذلك هم قرروا هذا، ولذلك صاحب (( المراقي ) )يقول: وحيثما استحال الأصل ينتقل إلى المجاز، أنتم قررتم المجاز وقررتم بأنه لا يحمل اللفظ على مجازه دون حقيقته إلا عند الاستحالة، وحيثما استحال الأصل الذي هو الحقيقة ينتقل إلى المجاز، حينئذٍ ينتقل منه، وهنا نقول: أمكن حمله على حقيقته، وما ادعيتموه من أنه محال باطلٌ إنما هو محال في عقولكم الفاسد، وأما ما دل عليه الكتاب والسنة فهو على ظاهره، إذًا {وَجَاء رَبُّكَ} فيه إثبات المجاز ( {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ} [البقرة: 210] ) يأتي هم هُم ماذا؟ مفعولٌ به {اللهُ} فاعل، ويقال فيه من حيث تقرير الدليل ما قيل في قوله: {وَجَاء رَبُّكَ} . مجيء الله تعالى للفصل بين عباده يوم القيامة فيتولى الحكم بين عباده ثابتٌ بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والكتاب للآيتين السابقتين. ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم: «حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين» . «أتاهم رب» ، «رب» فاعل، كلما مر بك فعل وفاعل حينئذٍ تثبت مدلول الفعل للرب جل وعلا، كل فعل ماضي مثل {وَجَاء} ، أو فعل مضارع مثل يأتيه {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ} «ينزل ربنا» . نقول: يثبت مدلول اللفظ للرب جل وعلا، وهذه قاعدة مطردة متفقٌ عليه في حديثٍ طويل، وأجمع السلف على ثبوت المجيء لله تعالى من غير تحريفٍ ولا تعطيل ومن غير تمثيلٍ ولا تَكْيِيف، بل هو مجيءٌ حقيقي يليق بالله تعالى لا يشبهه مجيء المخلوقين، قوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ} . يعني: يوم القيامة بعد أن تدك الأرض وتسوى ويحشر الناس يأتي الله تعالى للقضاء بين عباده يجيء حقيقةً، وقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ} . الاستفهام هنا نقول: بمعنى النفي.