الصفة الرابعة: صفة المجيء والإتيان، قال المصنف: (وقوله سبحانه: {وَجَاء رَبُّكَ} [الفجر: 22] . وقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ} [البقرة: 210] ) . ذكر المصنف آيتين، وهما قوله: ... ( {وَجَاء رَبُّكَ} ) . فيه إثبات المجيء لله عز وجل، ووجهه إسناد الفعل إلى الفاعل، {جَاء رَبُّكَ} فهذا فيه وصف الرب جل وعلا بالمجيء، لماذا؟ لأن المسند هنا {جَاء} ، والمسند إليه {رَبُّكَ} ، والمسند وَالمسند إليه من باب الصفة والموصوف، بمعنى أنه لا يسمى صفةً موصوفةً لغةً في اصطلاح النحاة، لكن في المعنى إذا قلت مثلاً: زيدٌ قائمٌ. مبتدأ وخبر، زيدٌ مبتدأ وهو محكومٌ عليه وهو مسندٌ إليه، وقائمٌ خبر وهو محكومٌ به وهو مسندٌ، سميته بذا أو بذاك المعنى أن زيد متصف بالقيام، زيدٌ قائمٌ، وصفت زيد بالقيام، فالمعنى يدل ويقتضي أن زيدًا موصوف وأن صفته القيام، إذا قلت: قام زيدٌ. بدلت كانت جملة اسمية صار جملة فعلية، تقول: قام زيد. زيدٌ فاعل، وقام فعلٌ، مدلول هذا اللفظ وهذا التركيب وصف زيدٍ بالقيام، لكن في الزمن الماضي، ولذلك عند النحاة قاطبة أن الأفعال فعل الماضي والمضارع هي في المعنى أوصاف، ولذلك صح أن يقع الفعل حالاً، والحال في الأصل أن يكون له وصفًا، الحال وصفٌ فضلةٌ منتصب، حينئذٍ جاء زيدٌ ضاحكًا، ضاحكًا هذا وصف، جاء زيدٌ يضحكُ يؤول بالمشتق، لأن يضحكُ هذا فعلٌ أسند إلى الفاعل، حينئذٍ إذا أسند الفعل إلى فاعله دل على أنه موصوفٌ بما اشتق منه الفعل وهو الضحك، إذا قلت: {جَاء رَبُّكَ} . حينئذٍ الرب موصوفٌ بالمجيء، ما وجه الاستدلال؟ تقول هنا: أسند ... {جَاء} إلى {رَبُّكَ} وهو فاعل والفاعل المراد به أنه موصوفٌ بما دل عليه الفعل، ولذلك نأخذ من جميع الأفعال أنها أوصاف، قام زيدٌ، زيدٌ قائمٌ، ضحك زيدٌ، زيدٌ ضاحك، سافر عمرٌ، عمرٌ مسافر، وهكذا فكل فعلٍ أسند إلى فاعله فهو موصوفٌ، يعني الفاعل موصوفٌ بما دل عليه الفعل وهو المصدر الذي اشتق منه الفعل، إذًا وجه الاستدلال هنا {جَاء رَبُّكَ} نقول: أثبت المجيء لله عز وجل، وأما قول النحاة {وَجَاء رَبُّكَ} أنه على حذف مضاف، ويجوز حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه نقول: قاعدة صحيحة. يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه، لكن هذا فيما إذا لم يأتي دليل يدل على امتناعه، وهنا ممتنع، فالأصل في حمل اللفظ هنا {جَاء رَبُّكَ} على حقيقته، وهو إثبات المجيء لله عز وجل، وتقدير مضاف إليه محذوف هذا إحالةٌ على المجاز، وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: الأصل حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه، لأنه يحتاج إلى قرينة، وهنا القرينة عندهم قرينة عقلية، ولكنها باطلة، لماذا قرينة عقلية؟ قالوا: لإحالة قيام صفات الاختيارية بذات الرب جل وعلا، لأن الصفات الفعلية الاختيارية حادثة، وكل حادث فهو مخلوق، حينئذٍ قام بالخالق ما هو مخلوق، وهو باطل، وقولهم باطلٌ من أصله، فحينئذٍ نقول: {جَاء رَبُّكَ} .