وللنوع الثاني: هو الاستقراء الناقص، أن يستقرئ مثلاً نصف القرآن أو الثلثين، هل يعتبر حجة أو لا؟ هذا محل خلاف عندهم، ولكن في باب المعتقد هنا الاستقراء كله تام، ليس عندنا استقراء ناقص، حينئذٍ نقول: تنقسم الصفات إلى نوعين: صفات ثبوتية، وصفات سلبية. دليله الاستقراء والتتبع لنصوص الشرع، وجهه أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ومعلوم عند النحاة بإجماع أن الكلام إما جملة اسمية، وإما جملة فعلية، وأن كلاً من النوعين إما مثبت، وإما منفي، وقد جاء القرآن بلسان عربي مبين فمنه ما أثبته الله تعالى لنفسه ومنه ما نفاه، ولذلك {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} ... [الكهف: 49] هذه جملة فعلية منفية [نعم] جملة فعلية منفية {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} تقول: هذه جملة فعلية منفية، ماذا دلت على أي شيء؟ مثل مَا قَامَ زَيْد، فيه نفي الظلم عن الرب جل وعلا، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} جملة اسمية، أليس كذلك؟ مثبتة أو منفية؟ مثبتة {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} دل على إثبات الاستواء للرب جل وعلا، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} جملة فعلية مثبتة أو منفية؟ مثبتة، ما الذي دل على ذلك؟ النظر لغوي هنا لا نحتاج أن يأتي نص فيقول: هذه الآية فيها إثبات صفة البقاء بقاء الوجه لله عز وجل، أو فيها صفة إثبات الوجه لله عز وجل، لا نحتاج بنص خاص لأن هذا مبحثه مبحث لغوي بحت فالنظر فيه حينئذٍ يكون نظر في الكتاب والسنة يكون مبناه على التأصيل اللغوي الذي أصله النحاة، إذًا تنقسم صفات الله تعالى إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية. وكما ذكرت ونبهت على هذا أن بعض المعاصرين يشكك في هذه الجملة بأن الصفات تنقسم إلى ثبوتية وسلبية يقول: لم ينطق السلف بهذا. هو سلفي في المعتقد سلفيلكنه في باب التقعيد قد يفوته بعض الشيء لما ذكرنا سابقًا، فالثبوتية ما أثبتها الله تعالى لنفسه كـ: العلم، والحياة، والإرادة، والقدرة. كلها صفات ثبوتية، وهذه الصفات تحمل معنى الكمال الذي يقوم بالرب جل وعلا، لأن صفات الرب جل وعلا كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالاً ولا تقديرًا، وهذه يجب إثباتها لله تعالى على الوجه اللائق به، لأنه أعلم بنفسه وبصفاته وقد أثبتها لنفسه هو الذي أخبرنا بأنه استوى على العرش {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، هو الذي أخبرنا بأنه يبقى وجهه وأثبت لنفسه صفة الوجه، وهو الذي أخبرنا بأن له يدين {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، وهو أعلم بنفسه، وقد سبق أنه غيب {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] الله تعالى غيب، إذًا لا يمكن الوصول إلى ما يتصف به الرب جل وعلا إلا بالخبر، وهذا الخبر يكون من جهته سبحانه وتعالى بما بينه وأثبته في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه أعلم الخلق بالرب، لأنه يوحى إليه ما أرسل إلا من أجل بيان الشرع، حينئذٍ نقول: هذه الصفة الثبوتية نثبتها لله تعالى، لماذا نثبتها؟ لأنه هو الذي أثبتها لنفسه، نحن ليس عندنا إلا إيمان بما ذكره الله عز وجل، وقد ذكره في كتابه فوجب التسليم وعدم الاعتراض، وهو أعلم بنفسه وبصفاته، وقد أثبتها في كتابه، وكذلك نبيه عليه الصلاة والسلام.