(فضل) ، يعني: زيادة، (لو كان فيها) لو كان الكلام في تلك المسائل فيها فضل لكانوا به أحرى، لماذا؟ لأنهم هم السّبَّاقون إلى كل خير، أي: ولو كان فيما حدث بعدهم خير لكانوا به أحرى لو كان الكلام في الصفات والتحرير هو الحق لكان الصحابة ... والنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى به فما دام أنه لم يتكلم بمثل لم يتكلموا به المتأخرون من المحدثات حينئذٍ نقول: هذا هو المنهج الذي ينبغي إتباعه، (فلئن قلتم: حدث بعدهم) ، يعني: العلم ازداد، والبحث في المسائل قد تطورت، والنظر في مسالك الأدلة قد تنوعت، وتكلم المتكلمون، وخاض الخائضون حينئذٍ قيل: (فلئن قلتم: حدث بعدهم) ، من الذي أحدثه؟ قال: (فما أحدثه إلا من خالف هديهم) . لأن هذه المسائل ليست مسائل اجتهادية، العقيدة في الجملة في الأصل في الأصول ليست محلاً للاجتهاد فهي توقيفية، السمة العامة لمعتقد أهل السنة والجماعة التوقيف بأنه محمولٌ على السماع، حينئذٍ إذا أحدث بعدهم حدث لا يُرمى الأولون بنقصهم في العلم، لأن المتأخرين قد علموا وتفقهوا، ولذلك بعضهم يرى أن المتأخرين أكثر علمًا من المتقدمين لأنهم حفظوا في اللغة وحفظوا في أصول الفقه وصنفوا المصنفات وأفردوا كل مسألة، يعني: صنعوا بالعلم ما لم يصنعه المتقدمون. نقول: هذه كلها أصولها التي يستفاد منها في الكتاب والسنة هم أعلم بها منكم ولو كنتم أنتم أكثر تصنيفًا أو تأصيلاً لهذه المسائل، (فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم ورغب عن سنتهم) عن طريقتهم، رغب عن الشيء تركه متعمدًا وزهد فيه، (ولقد وصفوا منه ما يشفي) شفا الله العليل شفاءً أبرأه من المرض والعلة، (وصفوا منه) ، يعني: من العلم، (ما يشفي وتكلموا منه) ، يعني: فيه، (بما يكفي) عن طلب الزيادة، فكل ما يحتاجه المسلم في عقيدته أو في أحكام العبادات فالصحابة والنبي قبلهم - صلى الله عليه وسلم -، قد بينوا ما يحتاجه كل عليل وبينوا كل ما يحتاجه كل صحيح حينئذٍ (فما فوقهم محسر) ، بمعنى أنه عاجز يقال: اسْتَحْسَرَ تعب ومل، (وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا) جفا الشيء جفاءً نبا وبعد، يعني: الذي قصر عنهم لم يسلك مسلكهم نقص عنهم فقد جفا، [ (وتجاوزهم) نعم] (لقد قصر عنهم قوم فجفوا وتجاوزهم آخرون فغلوا) ، الغلو هو الزيادة ومجاوزة الحد، إذًا إما جفاء، وإما غلو، إما جفاء بمعنى النقص وعدم إتمام ما عملوا به قولاً وفعلاً، وزيادة أن يزيد ما فعلوه أو قالوه، (وإنهم) ، أي: القوم، (فيما بين ذلك) بين الجفاء والغلو، (لعلى هدى مستقيم) ، يعني: غير معوج، حينئذٍ السلف الصالح بين الجافي والغالي، وهذه طريقة أهل السنة أنهم وسطٌ بين أرباب البدع، إذًا يؤخذ من هذا النص نص عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه يجب إتباع السلف ويُنهى عن الابتداع، وأن الدين قد كمل بعلمهم وأنه ما من شيءٍ يحتاجه المتأخر إلا وقد تكلم فيه المتقدم وخاصةً في باب المعتقد إذ ليس هذا أو هذه العقيدة محلاً للاجتهاد.