شرع لنا ما لم يخالف شريعة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ، وإضافة إلى ذلك أن ذلك الحديث خرج مخرج الإخبار وليس الإنشاء [1] .
من أعظم الآفات التي أصيبت بها هذه الأمة منذ وقت مبكر التحزب المذموم لغير الله قال سبحانه -محذرا هذه الأمة على الخصوص _ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) . الروم .
ففي القرون المفضلة لم يكن هناك تمييز يذكر بين عالم في فقه أعمال القلوب وعالم في فقه الشريعة ، ولم يظهر حينها مصطلح أهل المعرفة في مقابلة أهل الفقه ، وكان الفقيه عالم قلوب أيضا كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم كثير، ثم مع انتشار التمذهب الفقهي والتصوف والتدريس لهما ، صار يطلق على من يطلب العلم عند الفقهاء بالمتفقهة، ويطلق على من يطلب العلم عند المتصوفة بالمريدين ،وصار المتفقهة وغالب الفقهاء يهتمون بالإعمال الظاهرة والمتصوفة بالإعمال الباطنة - أعمال لقلوب -، ثم عجب كل فريق بما لديه فزهد كل فريق فيما عند الآخر، وحصلت بينهم عداوة وبغضاء .
ومن الملفت أن نرى الفقهاء عندما يتحدثون عن أعمال القلوب ينقلون [2] عن أئمة المتصوفة [3] ،وخصوصا في الإخلاص ، والإخلاص ودقائق الإخلاص ينبغي أن يعلمها كل مسلم ولا يدخل تحت عموم التخصص .
رابعا: صرخات أهل العلم على هذا الانحراف
هناك أقوال [4] لأهل العلم ينبغي العناية بها حيث كانت وكأنها صرخات إيمانية لتدارك ذلك الانحراف قبل أن يزداد شرره وضرره . ولعل المولى سبحانه يحدث أمرا إن علم صدق نياتنا في التغيير والإصلاح
(1) ) كلام الشارع ينقسم إلى قسمين: إنشاء: ومنه يتم استنباط تكاليف الأحكام الخمسة _ الواجب ،المحرم ،المستحب، المكروه والمباح _ ، وقسم إخبار: لا يستنبط منه أحكام مثل ما جاء عن عذاب النار ونعيم الجنة .
(2) ) وهذا الأمر يدركه طلبة العلم فلا حاجة إلى الأمثلة .
(3) ) المتصوفة الأوائل كانوا أهل زهد وورع وعلم وأكثر إتباعا للسنة من الذين جاءوا من بعدهم .وإن حصل منهم مبالغة في فهم الإخلاص .
(4) ) وقد تم نقلها بطولها لأهمية الإخلاص وصعوبة تحقيقه وخفاء الشرك الخفي وخطر هذا الانحراف؛ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) . الأنفال .