كله،صورتهم هذه،وموقفهم هذا،وهي صورة رفيعة،وهو موقف كريم.وينظر الإنسان في هذه الصورة وفي هذا الموقف،فيحس كأن كيان الجماعة كله قد تبدل ما بين يوم وليلة.
نضجت.وتناسقت.واطمأنت إلى الأرض التي تقف عليها.وانجلى الغبش عن تصورها.وأخذت الأمر جدا كله.وخلصت من تلك الأرجحة والقلقلة،التي حدثت بالأمس فقط في التصورات والصفوف.فما كانت سوى ليلة واحدة هي التي تفرق بين موقف الجماعة اليوم وموقفها بالأمس ..والفارق هائل والمسافة بعيدة ..
لقد فعلت التجربة المريرة فعلها في النفوس وقد هزتها الحادثة هزا عنيفا.أطار الغبش،وأيقظ القلوب،وثبت الأقدام،وملأ النفوس بالعزم والتصميم ..نعم.وكان فضل اللّه عظيما في الابتلاء المرير ..
وأخيرا يختم هذه الفقرة بالكشف عن علة الخوف والفزع والجزع ..إنه الشيطان يحاول أن يجعل أولياءه مصدر خوف ورعب،وأن يخلع عليهم سمة القوة والهيبة ..ومن ثم ينبغي أن يفطن المؤمنون إلى مكر الشيطان،وأن يبطلوا محاولته.فلا يخافوا أولياءه هؤلاء،ولا يخشوهم.بل يخافوا اللّه وحده.فهو وحده القوي القاهر القادر،الذي ينبغي أن يخاف: «إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ.فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .
إن الشيطان هو الذي يضخم من شأن أوليائه،ويلبسهم لباس القوة والقدرة،ويوقع في القلوب أنهم ذوو حول وطول،وأنهم يملكون النفع والضر ..ذلك ليقضي بهم لباناته وأغراضه،وليحقق بهم الشر في الأرض والفساد،وليخضع لهم الرقاب ويطوع لهم القلوب،فلا يرتفع في وجوههم صوت بالإنكار ولا يفكر أحد في الانتقاض عليهم،ودفعهم عن الشر والفساد.
والشيطان صاحب مصلحة في أن ينتفش الباطل،وأن يتضخم الشر،وأن يتبدى قويا قادرا قاهرا بطاشا جبارا،لا تقف في وجهه معارضة،ولا يصمد له مدافع،ولا يغلبه من المعارضين غالب ..الشيطان صاحب مصلحة في أن يبدو الأمر هكذا.فتحت ستار الخوف والرهبة،وفي ظل الإرهاب والبطش،يفعل أولياؤه في الأرض ما يقر عينه! يقلبون المعروف منكرا،والمنكر معروفا،وينشرون الفساد والباطل والضلال،ويخفتون صوت الحق والرشد