ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) [آل عمران/173-175] .
خَافَتْ قُرَيشٌ أنْ يَجْمَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أهْلَ المَدِينَةِ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَرِكُوا فِي المَعْرَكَةِ،وَيَخْرُجَ وَرَاءَهُمْ،فَأَرْسَلُوا إلَيهِ بَعْضَ نَاقِلِي الأخْبَارِ لِيُهَوِّلُوا عَلَيهِ،لِيَكُفَّ عَنِ اللِّحَاقِ بِهِمْ،وَقَالَ نَاقِلُوا الأَخْبَار لِلْمُسْلِمِينَ:إنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ( النَّاسَ ) قَدْ حَشَدُوا لَكُمْ،وَجَمَعُوا قُوَاهُمْ،فَاحْذَرُوهُمْ،وَاخْشَوْهُمْ،فَلَمْ يَزِدْ هَذَا القَوْلُ هَؤُلاءِ المُؤْمِنِينَ - الذِينَ اسْتَجَابُوا لِلْرَسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ وَخَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُلَبِّينَ دَعْوَتَهُ،رَاغِبِينَ فِي نَيْلِ رِضْوَانِ رَبِّهِمْ وَنَصْرِهِ - إلاَّ إِيمَاناً بِرَبِهِمْ،وَثِقَةً بِوَعْدِهِ وَنَصْرِهِ وَأجْرِهِ،وَرَدُّوا عَلَى مُخَاطِبِيِهِمْ قَائِلِينَ:إِنَّهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ،وَهُوَ حَسْبُهُمْ .
فَلَمَّا تَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ كَفَاهُمُ اللهُ مَا أَهَمَّهُمْ وَأَغَمَّهُمْ،وَرَدَّ عَنْهُمْ بَأسَ النَّاسِ ( الكَافِرِينَ ) ،فَرَجَعُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوْءٌ،وَقَدْ فَازُوا بِرِضْوَانِ اللهِ،وَعَظِيمِ فَضْلِهِ،وَاللهُ وَاسِعُ الفَضْلِ
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ،أنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الذِي يُخَوِّفُكُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ المُشْرِكِينَ،وَيُوهِمُكُمْ أَنَّهُمْ ذَوُو بَأْسٍ وَقُوَّةٍ،وَهُوَ الذِي قَالَ لَكُمْ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ،فَلاَ تَخَافُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ،وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ،وَالْجَؤُوا إِلَيهِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حَقّاً،فَإِنَّهُ كَافِيكُمْ إِيَّاهُمْ،وَنَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ.وَخَافُوهُ هُوَ فَهُوَ القَادِرُ عَلَى النَّصْرِ وَعَلَى الخُذْلاَنِ،وَعَلَى الضَّرِّ وَالنَّفْعِ . [1]
فهنا يردهم إلى السبب الأولى في العطاء:نعمة اللّه وفضله على من يشاء.ومع التنويه بموقفهم الرائع،فإنه يرد الأمر إلى نعمة اللّه وفضله،لأن هذا هو الأصل الكبير،الذي يرجع إليه كل فضل،وما موقفهم ذاك إلا طرف من هذا الفضل الجزيل! «وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» ..بهذا يسجل اللّه لهم في كتابه الخالد،وفي كلامه الذي تتجاوب به جوانب الكون
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 466)