والإنفاق، ولما كان الإخلاص سرًّا بين العبد وبين ربه، لا يطلع عليه إلا الله أخبر تعالى بعلمه بجميع الأحوال فقال: { وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا } [1]
أجل! ماذا عليهم؟ ما الذي يخشونه من الإيمان باللّه واليوم الآخر،والإنفاق من رزق اللّه.واللّه عليم بهم بما أنفقوا وبما استقر في قلوبهم من بواعث.واللّه لا يظلم مثقال ذرة فلا خشية من الجهل بإيمانهم وإنفاقهم.ولا خوف من الظلم في جزائهم ..بل هناك الفضل والزيادة،بمضاعفة الحسنات،والزيادة من فضل اللّه بلا حساب؟
إن طريق الإيمان أضمن وأكسب - على كل حال وعلى كل احتمال - وحتى بحساب الربح المادي والخسارة المادية،فإن الإيمان - في هذه الصورة - يبدو هو الأضمن وهو الأربح! فماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر،وأنفقوا مما رزقهم اللّه؟ إنهم لا ينفقون من شيء خلقوه لأنفسهم خلقا إنما هو رزق اللّه لهم.ومع ذلك يضاعف لهم الحسنة ويزيدهم من فضله.وهم من رزقه ينفقون ويعطون! فياله من كرم! ويا له من فيض! ويا لها من صفقة لا يقعد عنها إلا جاهل خسران! [2]
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } [النساء/59]
فَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِإِطَاعَتِهِ تَعَالَى،وَبِالعَمَلِ بِكِتَابِهِ،وَبِإِطَاعَةِ رَسُولِهِ،لأَنَّهُ يُبَيِّنُ لِلْنَّاسِ مَا نَزَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ،وَيُبَلِّغُ عَنِ اللهِ شَرْعَُ وَأَوَامِرَهُ،كَمَا يَأْمُرُ اللهُ بِإِطَاعَةِ أُوْلِي الأمْرِ،مِنْ حُكَّامٍ وَأُمَرَاءٍ وَرُؤَسَاءٍ جُنْدٍ،مِمَّنْ يَرْجِعُ النَّاسُ إلَيْهِمْ فِي الحَاجَاتِ،وَالمَصَالِحِ العَامَّةِ،فَهَؤُلاءِ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَمْرٍ وَجَبَ أنْ يُطَاعُوا فِيهِ،بِشَرْطِ أنْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ،وَأنْ لاَ
(1) - تفسير السعدي - (1 / 178)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 661)