فهرس الكتاب
الصفحة 113 من 188

وهم يؤدونها كذلك قلقا وحيرة وشقاء قلب وبلبلة خاطر،إذا هم حاولوا الاحتفاظ بعقيدة في اللّه،وحاولوا معها مزاولة الحياة في هذا المجتمع العالمي الذي يقوم نظامه كله وتقوم أوضاعه وتقوم تصوراته،وتقوم وسائل الكسب فيه ووسائل النجاح على غير منهج اللّه،وتتصادم فيه العقيدة الدينية والخلق الديني،والسلوك الديني،مع الأوضاع والقوانين والقيم والموازين السائدة في هذا المجتمع المنكود.

وتعاني البشرية كلها ذلك الشقاء،سواء اتبعت المذاهب المادية الإلحادية،أو المذاهب المادية التي تحاول استبقاء الدين عقيدة بعيدة عن نظام الحياة العملية ..وتتصور - أو يصور لها أعداء البشرية - أن الدين للّه،وأن الحياة للناس!

وأن الدين عقيدة وشعور وعبادة وخلق،والحياة نظام وقانون وإنتاج وعمل! وتؤدي البشرية هذه الضريبة الفادحة ..ضريبة الشقاء والقلق والحيرة والخواء ..لأنها لا تهتدي إلى منهج اللّه الذي لا يفصل بين الدنيا والآخرة بل يجمع ولا يقيم التناقض والتعارض بين الرخاء في الدنيا والرخاء في الآخرة،بل ينسق ..

ولا يجوز أن تخدعنا ظواهر كاذبة،في فترة موقوتة،إذ نرى أمما لا تؤمن ولا تتقي،ولا تقيم منهج اللّه في حياتها،وهي موفورة الخيرات،كثيرة الإنتاج عظيمة الرخاء ...

إنه رخاء موقوت،حتى تفعل السنن الثابتة فعلها الثابت.وحتى تظهر كل آثار الفصام النكد بين الإبداع المادي والمنهج الرباني ..والآن تظهر بعض هذه الآثار في صور شتى:

تظهر في سوء التوزيع في هذه الأمم،مما يجعل المجتمع حافلا بالشقاء،وحافلا بالأحقاد،وحافلا بالمخاوف من الانقلابات المتوقعة نتيجة هذه الأحقاد الكظيمة ..وهو بلاء على رغم الرخاء! ..

وتظهر في الكبت والقمع والخوف في الأمم التي أرادت أن تضمن نوعا من عدالة التوزيع واتخذت طريق التحطيم والقمع والإرهاب ونشر الخوف والذعر،لإقرار الإجراءات التي تأخذ بها لإعادة التوزيع ..وهو بلاء لا يأمن الإنسان فيه على نفسه ولا يطمئن ولا يبيت ليلة في سلام! وتظهر في الانحلال النفسي والخلقي الذي يؤدي بدوره - إن عاجلا أو آجلا - إلى تدمير الحياة المادية ذاتها.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام