وإما أن يختار طريق الآخرة فيهمل الدنيا من حسابه ولا سبيل إلى الجمع بينهما في تصور ولا واقع ..لأن واقع الأرض والناس وأوضاعهم في هذه الفترة من الزمان توحي بهذا ..
حقيقة:إن أوضاع الحياة الجاهلية الضالة البعيدة عن اللّه،وعن منهجه للحياة،اليوم تباعد بين طريق الدنيا وطريق الآخرة،وتحتم على الذين يريدون البروز في المجتمع،والكسب في مضمار المنافع الدنيوية،أن يتخلوا عن طريق الآخرة وأن يضحوا بالتوجيهات الدينية والمثل الخلقية والتصورات الرفيعة والسلوك النظيف،الذي يحضُّ عليه الدِّين.كما تحتم على الذين يريدون النجاة في الآخرة أن يتجنبوا تيار هذه الحياة وأوضاعها القذرة،والوسائل التي يصل بها الناس في مثل هذه الأوضاع إلى البروز في المجتمع،والكسب في مضمار المنافع،لأنها وسائل لا يمكن أن تكون نظيفة ولا مطابقة للدين والخلق،ولا مرضية للّه سبحانه ..
ولكن ..تراها ضربة لازب! ترى أنه لا مفرَّ من هذا الحال التعيس؟ ولا سبيل إلى اللقاء بين طريق الدنيا وطريق الآخرة؟
كلا ..إنها ليست ضربة لازب!
فالعداء بين الدنيا والآخرة والافتراق بين طريق الدنيا وطريق الآخرة،ليس هو الحقيقة النهائية التي لا تقبل التبديل ..بل إنها ليست من طبيعة هذه الحياة أصلا.إنما هي عارض ناشئ من انحراف طارئ!
إن الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق الآخرة وأن يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا.وأن يكون الإنتاج والنماء والوفرة في عمل الأرض هو ذاته المؤهل لنيل ثواب الآخرة كما أنه هو المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا وأن يكون الإيمان والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الأرض كما أنها هي وسائل الحصول على رضوان اللّه وثوابه الأخروي ..
هذا هو الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية ..ولكن هذا الأصل لا يتحقق إلا حين تقوم الحياة على منهج اللّه الذي رضيه للناس ..فهذا المنهج هو الذي يجعل العمل عبادة،وهو الذي يجعل الخلافة في الأرض وفق شريعة اللّه فريضة.والخلافة عمل وإنتاج،ووفرة