فهرس الكتاب
الصفحة 114 من 510

في ذلك نشر للعلم والمعرفة في الأندلس - وإن لم يكن كل ذلك إيجابيًا - وقد كان أبو محمد ابن حزم ممن خرج من قرطبة وتجول في مدن الأندلس وقراها - فلم تقترن تلك الاضطرابات بانحلال فكري بل لقد شهدت بلاد الأندلس حتى في عهد الطوائف نهضة علمية كبرى نتيجة للتنافس الشديد بين الدويلات الصغيرة في مضمار العلوم والآداب فما كان أعظم مباهاتهم إلا قول العالم الفلاني عند الملك الفلاني والشاعر الفلاني مختص بالملك الفلاني وليس منهم إلا من بذل وسعه في المكارم. (1) وأقبل المفكرون في هذا الأثناء على وضع المؤلفات القيمة في كل فن وكان من ذلك أن كتب ابن حزم في تاريخ الأديان وعلم النفس متقدمًا في ذلك على مفكري أوروبا وغيرهم بقرون كثيرة. (2) وكتب أبو مروان ابن حيان والحميدي في تاريخ الأندلس وغيرهم كثير كتبوا في كل فن وإن رسالة ابن حزم في علماء الأندلس تعطي صورة وافية عن العلماء الذين كانوا في بلاد الأندلس وأنهم ليسوا بأقل من العلماء الموجودين في الشرق مرتبة وقد وازن بين بعض المشهورين من العلماء في المشرق والمغرب ويقرر أنه لا يوجد رجل يعد من مفاخر الشرق إلا كان له نظير من مفاخر الأندلس. (3)

فالحاصل أن العلم لم يضعف بضعف السياسة، ولم يأفل نجم العلماء كما أفل نجم السياسيين، ولا شك أن لاحتكاك المسلمين بالنصارى في الأندلس والاحتكاك بين العناصر والسلالات الأخرى والصراع بين أصحاب الفرق والمذاهب المختلفة أثرًا في تنشيط

(1) انظر نفح الطيب جـ 4 ص 179، 180.

(2) انظر ابن حزم الأندلسى للدكتور عبد الكريم خليفة ص 135.

(3) انظر نفح الطيب جـ 4 ص 154 - 171. وانظر ابن حزم الأندلسى للدكتور زكريا إبراهيم ص 26.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام