إن ما كان من صفات العباد، وأفعالهم التي بها يقرؤون ويكتبون كلام الله تعالى - كأصواتهم، ومدادهم، فهو مخلوق، لأن العبد وصوته وحركاته وسائر صفاته مخلوق، فالقران الذي يقرأه المسلمون هو كلام الله تعالى حقيقة، والصوت الذي يقرأ به العبد صوت القارىء يقول صلى الله عليه وسلم:"زينوا القرآن باصواتكم" (1) . فبين صلى الله عليه وسلم أن الأصوات التي يقرأ بها القرآن أصواتنا، وهي بلاشك مخلوقه والقرآن كلام الله غير مخلوقة. يقول صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن" (2) .
وفي هذا أن رفع الصوت وتحسينه بالقرآن منسوب إلى فعل العبد ويقول تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (3) وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (4) ففرق سبحانه وتعالى بين المداد الذي تكتب به الكلمات وهو مخلوق، وبين كلمات الله غير المخلوقة.
والقرآن واحد لا يكثر في نفسه بكثرة قراءة القراء، وإنما الذي
(1) انظر تخريج الحديث ص (260) .
(2) انظر صحيح البخاري (4: 214) . وسنن أبي داود (2: 74) . وسُنن الدارمي (1: 349) . و (2: 471) . وسُنن ابن ماجه (1: 424) . ومسند الإمام أحمد (2: 271، 285، 450) .
(3) سورة الكهف: آية (109) .
(4) سورة لقمان: آية (27) .