اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة: 38] .
وقد كان لمعصية آدم أثرٌ آخر قبل الخروج، وهو ظهور السوءة؛ لأن ظهور السوءة دلالة على المعصية، والستر دلالة على التقوى، بدليل قول الله عز وجل: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} [الأعراف: 26] .
والتقوى هي كمال الدين؛ ولذلك كان تفسير رؤية الثياب الطويلة في المنام هو الدين، بدليل تأويل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك، وعُرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين ) ) [1] .
فالمعصية نقصٌ في الدين، وكشفٌ لستر الإنسان ..
وأهم دلائل هذه الحقيقة هي الحياء من ظهور السوءة مع الحياء من المعصية ..
ودليل الحياء من ظهور السوءة هو قول الله عز وجل: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} [الأعراف: 22] ..
أما دليل الحياء من المعصية فهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس ) ) [2] هذا من حيث أثر الذنب الذي كان من آدم في خروج بنيه من الجنة.
وخروج آدم بمعصية من الجنة راجع إلى استحالة المعصية في الجنة .. لأن الجنة كنعيم مقيم، وكرزق ما له من نفاذ .. لا يتفق مع المعصية؛ ولذلك قال الله في الجنة: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما* إلا قيلا سلاما سلاما} [الواقعة: 25 - 26] .
ولأجل الارتباط بين الرزق وانتفاء المعصية .. كانت الساهرة التي سينتقل إليها الناس للحساب: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} [إبراهيم: 48] .. أرضًا يأكل الناس فيها من تحت أرجلهم .. وكان تعليل ذلك: أنها أرض لم يُعصَ الله عليها.
(1) البخاري (23) .
(2) أخرجه مسلم (4632) .