مثل خصية العموم: فإذا كانت العقوبة هي الهلاك العام وقع الهلاك على الجميع، وكلٌّ يبعث على نيته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روته أمُّ المؤمنين عائشة: (( يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ) )قلت: يا رسول الله، وكيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: (( يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم ) ) [1] .
وبذلك يجتمع في الذنب معنى العقوبة ومعنى البلاء.
«العقوبة» لمن فعل الذنب ولمن رضي عنه، و «البلاء» لمن أنكر ولم يرضَ.
ومثل خصيصة البقاء .. سواء كان بقاءً طبيعيًّا أو بقاءً قدريًّا ..
فإذا كانت العقوبة أثرًا باقيًا للذنب أصابت من يأتي بعد الفاعل الأصلي للذنب، مثل الصورة الوراثية للأمراض بعد ظهورها بسبب الذنوب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ) ) [2] إذ إن الأمراض التي تنزل .. تبقى لتصيب من يأتي بعدُ فاعل الذنب.
وأما البقاء القدري: فمثل المرور على مواقع المعذبين [3] .
ومن صور البقاء القدري: الولاء الكوني الذي يمتد به أثر الذنب، باعتبار العلاقة الكونية بين الفاعل الأصلي للذنب وامتداده، مثل الأمر بقتل الحيات امتدادًا لعقوبتها على دورها في إغواء آدم [4] .
وهو أن يتعدى أثرُ الذنب الفاعلَ المباشرَ إلى غيره بمعنى «البلاء» ، فيكون الفعلُ ذنبًا، وأثرُه على فاعلِهِ عقوبةً، وعلى غيره بلاء. فتنقطع صلة العقوبة بين الفعل الأصلي «الذنب» وأثرها الممتد «البلاء» .
(1) البخاري (2012) .
(2) سنن ابن ماجه (4019) .
(3) أخرج البخاري (3129، 3130، 4067) ، ومسلم (5293) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال:"لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين؛ أن يصيبكم ما أصابهم".. ثم تقنع بردائه وهو على الرحل.
(4) أخرج البخاري (3054، 3065، 3066، 3713) ، ومسلم (4140، 4141، 4143) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول:"اقتلوا الحيات ...".