الصفحة 9 من 22

ومن أمثلته: معاقبة الأب بذنبه في ذريته، فتكون للأب «عقوبة»، وتكون للذرية «بلاء».

وبهذا التصور ننتقل إلى خطيئة آدم؛ لنفرق بين قضيتين:

الأولى: خطيئة آدم

وهي التي لا تورث بذاتها وإن امتد أثرها .. فعقوبة معصية آدم هي خروجه من الجنة، ثم انقطعت الصلة بين عقوبة خطيئته وبين ابنًائه، فكان خروجه -له وحده- بمعنى العقوبة، ولابنًائه بمعنى البلاء .. باعتبار تناسله على الأرض.

وتكون صفة العقوبة قد توقفت بنزول آدم إلى الأرض، وانتهت بهذا النزول كل آثار المعصية، فلا يبقى معنى لوجوب الكفارة عن خطيئة آدم بالفداء، بعد وقوع العقوبة عليه بخروجه من الجنة.

بل إن أمر الخطيئة قد انتهى بتوبة آدم أصلاً .. قبل وقوع الكفارة بالخروج.

ولقد كان الترتيب الطبيعي للأحداث هو: خطيئة آدم، ثم استحقاقه للعقوبة، ثم تطبيق العقوبة ..

لكن الله قد رحم الإنسان بأن تاب عليه بعد استحقاقه للعقوبة، ليبدأ حياته على الأرض بتوبة، بدلا من أن يبدأها بعقوبة، فلا تكون البداية لحساب الشيطان [1] .

والله سبحانه تواب رحيم .. لا يعاقب على خطيئة قد تاب على صاحبها ..

وكما رحم الله الإنسان لما أخرج آدم يوم الجمعة .. وهو خير يوم، وعلى ضوء هذه الحقيقة نفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها ) ) [2] .

فرغم أن الخروج من الجنة كان هو الأمر المحذور، لكن الله برحمته قضى بخيرية يوم الخروج؛ رحمة ببني آدم، باعتبار أن النزول إلى الأرض كان بدايةً بكل الاعتبارات، زمانًا ومكانًا وحدثًا.

ولا يبقى بعد ذلك من معنى النزول إلى الأرض لآدم وذريته إلا حقيقة البلاء، وهو المعنى الأساسي الذي يقوم عليه الموقف إلى قيام الساعة، أما ما يؤكد معنى البلاء في نزول بني آدم إلى الأرض فهو رجوعهم إلى الجنة بعد النجاة من هذا البلاء: قلنا

(1) راجع: «عندما ترعى الذئاب الغنم» .

(2) سنن أبي داود (1046) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام