فهرس الكتاب
الصفحة 143 من 161

الله الشرعية؟! حددوا لنا تعريف هذا المفهوم المشوه الهجين"الشرعية الشعبية"الذي تحاكمون به الأفراد والأفعال؟ إذًا فالشريعة لم تعد هي المعيار الأوحد في الحكم على الأفعال والأشخاص لدى هؤلاء. فإنك إن سألت أحدهم: (أنت عندما تعارض جهاد اليهود لأن النظام المنتخب"الشرعي"يمنع من ذلك، فهل تعني بذلك أن جهادهم محرم شرعًا في هذه الحالة؟) ، فلعله يتردد في أن يجيب بـ (نعم) . لكن لو سألته: (هل تعني أن جهادهم خطأ) فلن يتردد وسيقول: نعم خطأ! وسيأتي لك بالأسباب، إذًا أصبح هناك معيار آخر لتصويب وتخطئة الأفعال غير الشريعة، وهذا أمر في غاية الخطورة.

الأثر الثالث من آثار مفهوم سيادة الشعب ترويج العلمانية بعباءة"إسلامية"! فما هي العلمانية؟ أن تعبد الله في أحوالك الشخصية كما تشاء لكن تحتكم في السياسات العامة إلى القوانين التي صيغت بالأغلبية الشعبية، ولا تتحدثَ بعد ذلك عن فرض سلطان الإسلام وتطويع الناس لربهم. جَهِد خفافيش العلمانية في ترويج هذا المبدأ عقودا طويلة كانوا فيها منبوذين تعرفهم في لحن قولهم ونشاز أشكالهم، أذيالاً لأنظمة يمقتها الناس ويمقتون من لف لفيفها. ثم إذا بهذه المبادئ العلمانية تندس إلى بيوت المسلمين بعباءة"إسلامية"وتُضفى عليها مسحة إسلامية بمصطلحات هجينة تخلط بين النصوص الشرعية وسيادة الشعب.

الأثر الرابع من آثار مفهوم سيادة الشعب طمس عقيدة الولاء والبراء، والتسوية بين المسلم والكافر على أساس المواطنة حتى فيما فرق الشرع فيه، بل والتسوية بينهما تسوية قيمية ذاتية. فالمسلم العالم التقي والنصراني والشيوعي الملحد والشاذ جنسيًا، هؤلاء كلهم أفراد من الشعب، ولكل منهم نصيب من السيادة الموزعة حسب الكثرة العددية، أي أن لكل منهم نصيبًا من الربوبية! فقد بينا في الحلقة الماضية أن السيادة التي يتكلمون عنها من خصائص الربوبية. فما عاد مقبولاً ذوقًا أن يُقال عن هذا"الرب الصغير"كافر، أو ضال، أو فاسق. فقد يُحَصل هو وزمرته يومًا ما الأغلبية، وبالتالي الشرعية

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام