فشريعة الله عقد ملزم للحاكم كما هو ملزم للمحكوم. أصدر أزهري فتوى فيها تخاليط بين دين سيادة الله ودين سيادة الشعب. فهو يحذر في فتواه من"الخروج"على الرئيس الفلاني، معللاً ذلك بأن الأمة اختارته ببيعة مباشرة متمثلة في الانتخابات الحرة. فاستنتج أن: الرئيس"الشرعي"الآن هو فلان. ثم قال: فهؤلاء -الخارجون عليه- يقومون بـ"الحرابة الكبرى"، وثورتهم هي"ثورة خوارج وردة على الديمقراطية والحرية". ثم استخدم هذا الأزهري نصوصًا شرعية في كيفية التعامل معهم، وتطبيق حد الحرابة عليهم. تناقض وتخبط وتخليط عجيب وتردد بين جعل المرجعية للشريعة وجعلها للشعب!
إما أن تكون الشرعية مُستمدة من شريعة الله، وحينئذ فالرئيس مُلزم بتطبيق الشريعة والشعب مُلزم بطاعته بنص كلام الله وكلام رسوله. أو أن تكون الشرعية عندكم مُستمدة من اختيار الشعب فحسب، وحينئذ فلا تلجئوا إلى قال الله وقال رسوله، بل كونوا منسجمين مع أنفسكم وقولوا: دين الديمقراطية يقول وجان جاك روسو يقول. ثم إن كانت الشرعية مستمدة من اختيار الشعب للرئيس فحسب، فيلزم من ذلك أن الشعب إن اختار رئيسًا علمانيًا فهو رئيس شرعي، وبمنطق هذه الفتوى يحق له أن يطبق حد الحرابة على الخارجين عليه لأنهم ارتدوا عن الحرية والديمقراطية! فمثل هذه الفتاوى يلزم منها لوازم في غاية الفساد.
الأثر الثاني من الآثار المشؤومة لشيوع مفهوم سيادة الشعب أن من الناس من يحكم على فعل بالخطأ لمخالفته أمر الحاكم الذي يتمتع بـ"الشرعية الشعبية"، حتى وإن كان عمله هذا يتمتع بالشرعية الإلهية! فأصبحنا نسمع من يعارض قتال اليهود من خلال الحدود المصرية وتفجير خطوط الغاز لأن ذلك خروج عن سياسات الرئيس الذي يتمتع بالـ"شرعية الشعبية"! نعود فنقول: هل وجه انتقادكم أن هذا ولي أمر شرعي تجب طاعته؟ وهل منعُه من قتال اليهود مستند إلى نصوص شرعية؟ فليظهر هذه النصوص لنا. ثم إن أظهرها فهل هو ملتزم بالشريعة التي يطوِّع الناس بها. أم أن الأدلة الشرعية ليست لغتكم؟ بل ترون أن من أعطاه الشعب الشرعية له الحق أن يعاقب من يقوم بأفعال أعطاها