منهم، خاصة وأن أحدهم أمضى في الدعوة أكثر من عمر الواحد منا كله، فمن نحن حتى نستدرك عليهم! وهذه الطريقة إخواني هي التي كنا نعيبها على الصوفية الذين يقولون الشيخ حدثه قلبه عن ربه، والذي يؤجرون عقولهم لشيوخهم ويعتقدون بالفتوحات التي تُفتح عليهم، إن كان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- يطلبان من الناس تقويمهما إن أخطئا فعلمائنا أولى. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] ، فجعل سبحانه الطاعة المطلقة لله ورسوله فحسب، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ، ثم لم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم، بل: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، فجعل طاعة أولي الأمر -الذين يدخل فيهم العلماء دخولاً أوليًا- جعلها تابعة لطاعة الله ورسوله.
ثم أكد سبحانه هذا المعنى ووضح ما ينبغي عمله إن تنازعنا مع العلماء أو تنازع العلماء فيما بينهم {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ، فالمطلوب إذًا هو اتباع الدليل، فبهذا نختلف عن اليهود والنصارى الذين {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] ، بأن أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم، ولذلك علق سبحانه الإيمان على هذا الرد لله ورسوله {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] ، وإلا كان مآل أمرنا كمآل أمر اليهود والنصارى، فكيف ونحن نأتي لهؤلاء العلماء بكلام من كلامهم وأخطاءهم هذه ليست محل إجماع بل يشاركنا نظرتنا عدد من العلماء الثقات.
إذًا فليس أمامنا إلا الخيار الثاني وهو أن نقول أن علماءنا أخطئوا بدعمهم من ثبت واقعًا أن ممارساته تلبث على الناس أمر عقيدتهم، ثم بسكوتهم عن هذه الممارسات المستمرة أخطئوا أيضًا، فنحن لنا عيون تبصر وآذان تسمع وعقول تعي الدليل والواقع.