ومن سنن الله في إنزاله العقوبات أن كثيراً من الشعوب تكون شعوباً مسلمة مؤمنة متعلقة بالله، ولكن يسلط الله جل وعلا عليها جباراً يبغي عليها ويحكم بغير ما أراده الله سبحانه وتعالى، فيظلم ويزداد ظلمه، ويتعدى إلى غيره، فيقتل ويهتك الأعراض، ويكشف العورات، ويحل الحرام ويحرم الحلال، وغير ذلك على كره من عامة المسلمين، فالعقوبة حينئذٍ تنزل بأولئك الأفراد، بخلاف إذا كان أولئك قد انساقوا إليه تبعاً، فإن العقوبة تأتي تامة كحال فرعون وقومه؛ فإن الله جل وعلا دمر ما يصنع فرعون وقومه، وكذلك خسف الله جل وعلا بقارون وبداره الأرض، فالعقوبة تكون متعدية للإنسان ومن معه؛ ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان هذا الأمر، وأن العبرة في ذلك في الأغلب في نزول العقاب، فإذا كان الأغلب من المجتمعات التي يسلط عليها البغي تؤيد الباغي في بغيه تعدى الأمر أيضاً إلى العام ويشمل معه الخاص؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح: (بينما جيش أراد أن يغزو الكعبة إذ كانوا ببيداء من الأرض، إذ أمر الله جل وعلا فخسف بهم، قالت عائشة: يا رسول الله! إن فيهم أسواقهم -يعني: الذين يبيعون ويشترون وكذلك أيضاً الرعاة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يبعثون على نياتهم) ، يعني: أن هؤلاء الأسواق ليسوا هم السادة، وليسوا هم السواد، وليسوا هم الجمهور ولا الجماعة، وإنما هؤلاء أفراد فيشمل ذلك العقاب جميع الناس. لهذا منازعة الله سبحانه وتعالى في أمره هي شاملة للأفراد وللجماعات، فربما تنزل بسلطان وباغٍ، ويسلم الله جل وعلا المجتمعات؛ وذلك لعلة علمها الله جل وعلا بأولئك الأفراد، وهذا له سنن وأمثلة كثيرة، ولا أظهر من ذلك كما ظهر في الأسابيع الماضية في تونس وفي مصر سلم الله جل وعلا مجتمعات المسلمين بإهلاك أفراد معينين.