خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (92)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وهو كتاب حاوٍ للعقيدة الإسلامية والآداب والأخلاق الإسلامية والعبادات والأحكام الشرعية، وها نحن مع هذه المادة: [ شروط الإمام ].
وأذكركم ونفسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من يردِ الله به خيراً يفقهه في الدين )، فطلب الفقه فريضة على كل مؤمن ومؤمنة؛ إذ بذلك يعبدون الله عبادة تزكي أنفسهم، وتؤهلهم لرضوان ربهم ومجاورته.
طلب العلم فريضة، العلم المفروض هو: أن نعرف ما يحب الله وما يكرهه من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات والذوات، وأن نعرف كيف نؤدي ذلك المحبوب، ونعرف كيف نتجنب ذلك المكروه، ولهذا يجب على المؤمنين والمؤمنات أن لا يبتعدوا عن حلق الدرس والعلم وطلبه، وإلا كيف يعرفون؟! وكيف يعلمون؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما العلم بالتعلم )، و( من يردِ الله به خيراً يفقهه في الدين ).
ها نحن مع شروط الإمام، من الإمام الذي يصلي بالناس ويؤمهم.. ويكون أمامنا ونحن وراءه؟ أمَّهُم: إذا تقدمهم وكانوا وراءه، فهو إمامهم في الصلاة.
الأولى: شروط الإمام
أولاً: (أن يكون ذكراً) فلا تؤمنا امرأة قط.
ثانياً: (أن يكون عدلاً) غير فاسق ولا ظالم ولا فاجر.
ثالثاً: (أن يكون فقيهاً) أي: عالماً كيف يصلي، وكيف يتوضأ ويغتسل، وعليماً بمسائل العبادة: واجباتها وأركانها ومستحباتها.
[ فلا تصح إمامة المرأة للرجال ] ولو كانت من كانت في الفقه والعلم والمعرفة والتقوى والصلاح، لا تؤم الرجال امرأة أبداً [ ولا تصح إمامة الفاسق المعروف بالفسق ] الفاسق المتوغل في الفسق، والذي اشتهر به وعرف بين الناس به، فالفاسق: هو الذي يفسق عن طاعة الله ورسوله ويخرج عنها، فيترك الواجبات ويفعل المنهيات والمحرمات، ذلكم هو الفاسق، فلا تصح إمامة الفاسق المعروف بالفسق، وليس بالاتهامات، يتهمه الناس: فلان كذا.. لابد من المعرفة بأنه فاسق، أي: خارج عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بترك بعض الوجبات وفعل بعض المحرمات. هذا هو الفسق [ إلا أن يكون سلطاناً يُخاف منه ] إذا كان السلطان.. الملك.. رئيس الحكومة فاسقاً وصلى بنا ينبغي أن نصلي وراءه وإن كان فاسقاً، ما دام إماماً وسلطاناً نصلي وراءه؛ حفاظاً على وحدة المسلمين وجماعتهم؛ حتى لا تقع الفتن والمحن والعياذ بالله [ يُخاف منه] إذا ما صلينا وراءه يحدث حدثاً يضرنا، أما إذا كان لا يُخاف منه، ولا يبالي بكِ صليت أو لم تصل، فلا [ ولا إمامة الأمِّي الجاهل إلا لمثله ] الأمِّي: منسوب إلى أمه كما ولد، لم يقرأ ولم يكتب ولم يتعلم ولم يتفقه، هذا لا تصح إمامته إلا لمثله. أي: أمِّيٌ يصلي بأمِّيٍ ولا حرج، فإن فرضنا وجدوا.. مجموعة أميون يصلي بهم أمِّيٌ ولا حرج، لكن أمِّيٌ يصلي بالعالمين لا تصح، لابد وأن يكون الإمام -كما عرفتم- فقيهاً عادلاً. [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تؤمنَّ امرأة ولا فاجر مؤمناً ) ] أي: لا تؤم المرأة ولا الفاجر مؤمناً [ ( إلا أن يقهره بسلطان، أو يخاف سوطه أو سيفه ). ] والحديث رواه ابن ماجه وهو ضعيف، غير أن الجمهور على العمل بمقتضاه [ وما ورد من إمامة المرأة فهو مقيد بأهل بيتها من نساء وأولاد ] المرأة تصلي في بيتها وتؤم النساء معها، أو أطفالها الصغار، لا بأس، أما أن تؤم الرجال فلا بلا خلاف، فالحديث كما سمعتم: (لا تؤمنَّ امرأة ولا فاجر مؤمناً) ولا يؤم فاجر رجلاً مؤمناً (إلا أن يقهره بسلطان) ويجبره (أو يخاف سوطه أو سيفه) فيكون مضطراً، فيصلي وراءه، والحديث كما قلت: رواه ابن ماجه في سننه وهو ضعيف من حيث السند، غير أن الجمهور على العمل بمقتضاه، والجمهور (75%) من أمة الإسلام، وما ورد من إمامة المرأة فهو مقيد بأهل بيتها من نساء وأولاد.. أطفال صغار، فلا تؤم زوجها، لكن أطفالها الصغار، أخواتها، جدتها.. لا بأس [ كما أن ما ورد من إمامة الفاسق مقيد بالأحوال الاضطرارية ] الإمام أو الحاكم عين إماماً فلا نستطيع أن نقول له: لا نصلي وراءه، فلهذا نقول للمؤمنين: إذا أَمَّكم يا أهل الحيّ أو يا أهل القرية إمامٌ غير صالحٍ للإمامة، ارفعوا الأمر إلى المسئولين كوزارة الأوقاف والشئون الدينية، يذهب جماعة منكم ويقولون: هذا لا يؤمنا؛ لأنه غير صالح ولا تصح إمامته، فإن استجابوا عينتم غيره، فإن لم يستجب الحاكم صلوا وراءه.
فإذا عين الوزير إماماً لكم، انظروا بأدب واحترام وصدق ووفاء، فإن وجدتموه فاسقاً يشرب الخمر، أو يتعاطى الزنا، أو يأكل الربا، أو أياً من هذه الكبائر فارفعوا أمره إلى المسئول وقولوا: نحن لا نصلي وراء فاسق، ولا تجوز صلاتنا خلفه، وعينوا غيره وهو يعين، وإن قال: لا، صلوا؛ حينئذٍ نصلي ولا حرج، نتم صلاتنا في القراءة والركوع والسجود ونية الصلاة، وصلاتنا إن شاء الله صحيحة، أما أن نكون جماعة بدون إمام رسمي معين، ونريد أن نصلي فلا يصح أبداً أن نقدم فاسقاً يصلي بنا، لابد وأن نقدم عدلاً يصلي بنا.
هناك فرقٌ بين أن يعيِّن الحاكم إماماً، وبين أن نعيِّنه نحن، إذا كان الأمر للحاكم فنشتكي إليه لعله يستجيب لنا، فإن لم يستجب فندع هذا الإمام يصلي بنا وإن كان فاسقاً ولا حرج، أو نكون في جماعة، في مسجد، في منزل، في الطريق، في كذا.. وأردنا أن نصلي جماعة، هنا لا يحل أن نقدم إلا من كان أهلاً لإمامتنا كما يأتي شروط الإمامة: أكبر سناً، أفقه منا وغيرها من الشروط حتى يصلي بنا، أما أن نقدم فاسقاً يصلي بنا فلا تصح صلاتنا.
الثانية: الأولى بالإمامة
إذاً: علمنا أن للإمامة شروطاً، لابد من توفرها:
الأول: أن يكون ذكراً عدلاً فقيهاً.
الثاني: أن يكون أقرأنا لكتاب الله، أو أفقهنا في دين الله، أو أكثرنا تقوى، أو أكبر سناً، أو أقدمنا هجرة، بآداب لابد منها: ما لم يكن هناك الإمام السلطان أو صاحب المنزل، فحينئذٍ هو أحق أن يصلي بنا.
الثالثة: إمامة الصبي
إذاً: قول الجمهور هو الذي نعمل به، إذا اختلف نأخذ بقول الأكثرية، مع أن الحديث ضعفوه أيضاً، لكن النافلة لا بأس، يصلي بك ولدك النافلة ولا حرج.
خلاصة الأمر: تصح إمامة الصبي في النافلة دون الفريضة؛ إذ المفترض لا يصلي وراء المتنفل، والصبي صلاته نافلة؛ لأنها ما فرضت عليه الصلاة حتى يبلغ، فلا تصح إمامته في الفرض ولكن تصح في النفل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تختلفوا على إمامكم ) فكونه يصلي فريضة وأنت تصلي نافلة اختلفتم، كونه يصلي نافلة وأنت فريضة اختلفت معه، والرسول الكريم يقول: ( لا تختلفوا على إمامكم )، ومن هنا أيضاً إذا كنت ما صليت الظهر، ودخلت المسجد والناس يصلون العصر، ينبغي أن تدخل معهم تصلي العصر نافلة، ثم تسلم ويسلم الإمام وتسلم وراءه، وتقوم تصلي الظهر وتعيد العصر. أفضل ما يكون هذه القضية؛ عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تختلفوا على إمامكم ) هو يصلي في العصر وأنت تصلي في الظهر، هذا خلاف واضح، الإمام يصلي بمن ورائه العصر، أنت لم تصل الظهر ودخلت المسجد، إما أن تعتزل وتصلي الظهر أو تدخل معهم، فإن دخلت معهم فتصلي معهم العصر نافلة لك، حتى لا تختلف مع الإمام هو في العصر وأنت في الظهر، ثم تقوم تصلي الظهر الذي فاتك وتصلي العصر بعده؛ لأن الترتيب بين الصلاتين واجب، الصلوات الخمس مرتبة في القرآن، لا يجوز أن تصلي العشاء قبل المغرب أبداً، ولا العصر قبل الظهر، كما هي في القرآن مرتبة: الظهر، العصر، المغرب، العشاء، الصبح.
( لا تختلفوا على إمامكم ) ومن الاختلاف ووجوهه أن يصلي مفترض وراء متنفل، قلت: وخالف الجمهور في هذه المسألة الإمام الشافعي رحمه الله، فقد قال بجواز إمامة الصبي في الفروض مستشهداً برواية عمرو بن سلمة والتي جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومه: ( يؤمكم أقرؤكم )، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا ونحن نقوله: يؤمنا أقرؤنا، هو لم يقل: يؤمكم الصبي، إنما قال: ( يؤمكم أقرؤكم ) قال: فكنت أنا أؤمهم أخذاً بهذا الحديث وأنا ابن سبع سنين.
ولهذا الذي نقوله: لا يؤمنا صبيٌ في الفريضة، في النافلة لا بأس، كم من صبي يصلي التراويح بأهل القرية ولا حرج، فعلنا هذا أيام الصبا، لكن الفريضة لا، لا يصلي الصغير الذي ما بلغ مبلغ الكبار البالغين؛ لأنه اختلاف بينهم.
الرابعة: إمامة المرأة
هذه السيدة أم ورقة بنت نوفل اتخذت مؤذناً لها يؤذن في بيتها؛ من أجل أن تصلي هي بأهل بيتها، فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تصلي بالأطفال والنساء.. أهل البيت.
الخامسة: إمامة الأعمى
السادسة: إمامة المفضول
السابعة: إمامة المتيمم
إذاً: يا عباد الله! تصح إمامة المتيمم بالمتوضئ، أرأيتم لو كان إمامنا في القرية جرح ولا يتوضأ، فله أن يصلي بنا ولا حرج، إذ صلى عمرو بن العاص رضي الله عنه بسرية من سرايا المسلمين وهو متيم ومن معه متوضئون، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه، لم يقل له: أعد صلاتك، أو أعيدوا صلاتكم.
الثامنة: إمامة المسافر
والدليل [ إذ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة وهو مسافر، وقال لهم: ( يا أهل مكة! أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفر ) ] فأنت كذلك عندما تصلي بمقيمين تسلم: السلام عليكم، ثم تقول: يا إخواننا! أتموا صلاتكم فإني مسافر؛ ليتموا صلاتهم.
[ وإن صلى مسافر وراء مقيم أتم معه؛ إذ سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الإتمام وراء المقيم؟ فقال: (سنة أبي القاسم) ] رواه أحمد وأصله في مسلم أيضاً، فلهذا لا نلتفت إلى الخلاف وإلى من يقول: لا، الصحيح: أن المسافر يصلي وراء المقيم، وإذا سلم المسافر يتم المقيم صلاته، وإن صلى مسافر وراء مقيم يتم معه ولا يخالفه؛ إذ قال عليه الصلاة والسلام: ( لا تختلفوا على إمامكم ) فهذه القاعدة لا ننساها.
وإذا صلى المسافر أربع ركعات فصلاته صحيحة، يكون بذلك خالف الهدي والسنة لكن صلاته صحيحة وليست باطلة؛ بدليل أنه يصلي وراء المقيم فيتم، هذا الذي عليه جمهور الأمة.
التاسعة: وقوف المأموم مع الإمام
تأملوا هذا الحديث: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها -القريبة من النساء- آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها ) القريبة من الرجال. فهل هذا يدل على جواز تجمع النساء مع الرجال في مجلس واحد، في صالة واحدة كما يقولون؟! والله لا يجوز.
في الصلاة وهم منقطعون عن الدنيا مقبلون على الله عز وجل لا تصلي المرأة أبداً مع الرجل ولا أمامه، بل تصلي وراءه، فكيف وهم خارجون عن الصلاة يضحكون ويتكلمون، قف وانظر الحلقة هل فيها نساء؟ ليس بها نساء، لو كان يجوز والله لاجتمعنا معاً، لكنهم وراء الستارة يبلغهم الصوت.
[ ولفعله صلى الله عليه وسلم فقد وقف مرة في غزوة يصلي فجاء جابر فوقف عن يساره فأداره حتى أقامه عن يمينه ] في غزوة من الغزوات قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي نافلة، فجاء جابر يصلي معه ووقف عن يسار الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده وجعله عن يمينه [ ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يساره فأخذهما بيديه جميعاً فأقامهما خلفه ] أولاً جابر وقف عن اليمين، ثم جاء جبار بن صخر ووقف عن اليسار، الرسول صلى الله عليه وسلم ردهما إلى خلفه، فأخذهما صلى الله عليه وسلم بيديه جميعاً فأقامهما خلفه، والحديث رواه كذلك مسلم .
[ ولقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه ) ] أنس بن مالك في بيته قال: الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بي وبأمي [ ( فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا ) ] في بيت أنس بن مالك جاء صلى الله عليه وسلم ليصلي بهم نافلة للبركة، فـأنس جعله عن يمنيه، والمرأة أمه خلفهم.
[ وقوله أيضاً: ( صففت أنا واليتيم وراء الرسول صلى الله عليه وسلم، والعجوز من ورائنا ) ] كالأول تماماً.
العاشرة: سترة الإمام سترة لمن خلفه
ومن هنا إذا كنا نصلي والصلاة قائمة ونحن وراء الإمام له أن يمر بين يديك ليتم الصف ولا حرج؛ لأنه ما مر بينك وبين السترة، السترة للإمام.
الآن إذا كنا صفوفاً نصلي وجاء شخص يريد أن يدخل بيننا يمشي بين الصفوف ولا حرج، لا ترده، ترده إذا مر بينك وبين سترتك، لكن ليس لك سترة، سترة الإمام هي سترتك.
والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بالعلم، وأن يجعلنا من فقهاء هذه الأمة، اللهم! آمين، اللهم! آمين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4082 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3834 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3646 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |