الرفق في القرآن والسنة
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الرفق في القرآن والسنةالرفق: لِين الجانب، ولطافة الفعل، وحسن الانقياد لما يؤدي إلى الجميل[1]، وهو مبدأ عظيم من مبادئ التربية الإسلامية السلوكية، وهو سبيل كل خير وفلاح.
الرفق واللين في القرآن الكريم:
لقد حثَّ الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم، على الرفق واللين، والتلطف في توضيح الحق؛ قال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
فأنعم الله عز وجل على الناس بأن جعل رسوله صلى الله عليه وسلم رحيمًا بهم، لينًا معهم، ولم يجعله فظًّا غليظ القلب، فتألفت حوله القلوب، وتجمعت حوله المشاعر؛ قال تعالى مخبرًا عن موسى وهارون عليهما السلام؛ قال الله تعالى: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]، فأخبر القرآن عن فرعون أنه طغى؛ أي: تمرد وعتا، وتجبر على الله وعصاه، ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾، هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين" [2].
فحضَّ القرآن الكريم على مكارم الأخلاق، فينبغي على صاحب القدوة أن يكون قوله لينًا، ووجهه منبسطًا طلقًا مع الصالح والطالح، فالناس ينصرفون عن صاحب الخلق القاسي، جاف الكلام، غليظ القلب مهما كان قدره ومنزلته، فالإسلام لم يقدم الرفق بوصفه خلقًا إنسانيًّا إيمانيًّا متميزًا فحسب, بل قدمه طريقةً تتناول الحياة بأكملها.
الرفق واللين في السنة النبوية:
حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق، وبيَّن أنه سبب كل خير، فعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»[3].
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شيء إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شيء إِلَّا شَانَهُ» [4].
فهذا "من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم، وكمال حلمه، وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس" [5].
فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضرورة "أن يكون الإنسان رفيقًا في جميع شؤونه، رفيقًا في معاملة أهله، وفي معاملة إخوانه، وفي معاملة أصدقائه، وفي معاملة عامة الناس يرفق بهم، فإن الله عز وجل رفيق يحب الرفق، ولهذا فإن الإنسان إذا عامل الناس بالرفق يجد لذة وانشراحًا في صدره، ولم يندم على شيء فعله" [6].
ومن طبيعة البشر "أنهم يحبون من يعطف عليهم، ويتأثرون به، وينفرون ممن يقسو عليهم، ولا يظهر لهم المودة والرحمة" [7].
وقد عظَّم رسول صلى الله عليه وسلم من شأن الرفق وعمَّم استخدامه في جميع الأمور، وأنه زينة في كل حال، وقد وضَّح ذلك بقوله وفعله، فوجَب علينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم، وأن يكون الرفق لنا سلوكًا عمليًّا كما كان له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والداعي للخلْق الآمر لهم، يسلك بذلك طريق الرفق واللين، فيطلب أحدهما؛ لأنه مطلوب في نفسه، وهو سبب للآخر، فإن ذلك أرفق من أن يأمر العبد بهما جميعًا، فقد يثقل ذلك عليه " [8].
فالأمة مطالبة بحماية النشء من القدوة السيئة، وإحسان التعامل معهم، وتوجيههم وفق التربية الإسلامية، وذلك بدراسة سير المربين المسلمين، والاستفادة من أساليب تعاملهم مع تلاميذهم؛ حيث إنهم فهموا وطبقوا النصوص الشرعية في التعامل مع تلاميذهم، وخوفوا من النتائج غير المحمودة لاستخدام الشدة والقسوة.
وقال ابن خلدون: "ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو الخدم، سطا به القهر، وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقًا، وفسدت معاني الإنسانية التي له" [9].
فالمعلِّم أحوج ما يكون لاستخدام مبدأ الرفق في التعامل مع طلابه؛ ليكون لهم قدوة وأسوة حسنة، ونموذجًا يحتذى في أساليب تعامله، ويكون لهم بمثابة الأب العطوف، الذي يحنو عليهم، ويكسب ودهم، ويتألف قلوبهم، وبذلك يؤثر فيهم، وينمي شخصياتهم، ويوثق علاقته بهم، فالقسوة على المتعلمين تضر بهم، والرفق "في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق" [10].
وجملة القول في خلق الرفق واللين:
أن المربي الرفيق هو الذي ينوع الأساليب ويحسن استثمار الأوقات والمناسبات، ويعالج الأخطاء بحكمة ورفق ورحمة، ويحفز ويواسي ويعين، وهو كاظم للغيظ، ولين الجانب، لطيف القول والفعل، ومما ينبغي على صاحب القدوة أن يكون أسوة حسنة، في العبادة والمعاملة الطيبة، وعنده أخلاق يدعو الناس بها، ويصبر على أذى الناس، ويرفق بهم، فالقدوة تتطلب من صاحبها الرفق والصبر في سبيل ما يلقاه من نصح الناس؛ ذلك لأن الناس أعداء ما جهلوا، فالإنسان عندما يتصدى لتوجيه الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بد أن يعترضه أهل الشر، ويناله منهم أذى، ومما يشجع صاحب القدوة على الرفق والصبر، هو ما ينتظره من حسن الجزاء من الله تعالى.
[1] انظر: [تاج العروس من جواهر القاموس: مرتضى الزَّبيدي: ج25، ص 346].
[2] تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، ج5، ص260.
[3] صحيح البخاري، كتاب: الأدب، باب: الرفق في الأمر كله، ج18، ص477، رقم ح5565، وفي صحيح مسلم، كتاب: السلام، باب: النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، ج7، ص4، رقم ح5784.
[4] صحيح مسلم، كتاب: البر والصلة والأدب، باب: فضل الرفق، ج8، ص22، رقم ح6767.
[5] شرح صحيح مسلم: النووي، ج7، ص 299.
[6] شرح رياض الصالحين: محمد بن صالح بن محمد العثيمين، ج3، ص 578.
[7] القدوة الحسنة ودورها في تربية النشء: بريكان بركي القرشي، ص 105.
[8] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية الحراني، ج15، ص245.
[9] مقدمة ابن خلدون: عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، ج2، ص356؛ تحقيق: عبدالله محمد الدرويش، دار يعرب - دمشق، ط1، 2004م.
[10] إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي، ج3، ص 185.