سلسلة منهاج المسلم - (53)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وهو كتاب حاوٍ للشريعة الإسلامية؛ عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات، وها نحن في باب الآداب مع [الفصل الثاني عشر في آداب اللباس]، فالدين الإسلامي احتوى على كل متطلبات الحياة، ولا يخرج شيء عن الدين الإسلامي في هذا الكون.. فكيف تلبس، وما تلبس؟ فاللباس لا تلبس ما تشاء وكيف تشاء، ولكن هناك أنظمة وقوانين يجب أن تلتزم بها في لباسك، وإلا أثمت وسقطت، فهيا بنا نستعرض الأحاديث النبوية المبينة لنا كيف نلبس وماذا نلبس.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين والمؤمنات: [المسلم] والمسلم الحق هو الذي أسلم وجهه وقلبه لله، فوجهه لا ينظر به إلا إلى الله، وقلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ذلكم هو المسلم الحق، وهذا المسلم يعتقد أن اللباس قد أمر الله تعالى به [يرى أن اللباس قد أمر الله تعالى به في قوله: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:31]] والمنادى نحن، أي: يا ذرية آدم ذكوراً وإناثاً [ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]] فلا تصح صلاة عار كاشف لعورته بحال من الأحوال، فإذا دخلت المسجد وهو مكان السجود والصلاة فيجب أن تأخذ زينتك قبل ذلك، فتستر عورتك وتتجمل لتصلي، وهذه آداب إلهية وتعليم رباني [ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ [الأعراف:31]] أي: كلوا مما أحللنا وأبحنا لكم، ولا تأكلوا مما حرمنا عليكم ومنعناكم منه، واشربوا ما أذنا لكم فيه من الماء العذب واللبن وعصير التفاح والبرتقال، ولا تشربوا الخمر [ وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]] والإسراف هو: مجاوزة الحد، فإذا كان يسد جوعتك نصف قرص فلماذا تأخذ قرصاً بكامله؟! وإذا كان يسد ظمأك ويذهب عطشك كأس ماء فلم تشرب كأسين؟![ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]] يكره الله المسرفين، فكيف ترضى بألا يحبك الله؟! يا بني! ويا أُخَي! أترضى أن يسخط الله عليك ولا يحبك؟! والله ما رضي بهذا أحد عرف الله وآمن به.

فالإسراف: مجاوزة الحد الكافي في الشرب واللباس وكل شئون الحياة، وهذا هو نظام الحياة في الإسلام، فلا إسراف ولكن القصد القصد، والاعتدال والاعتدال؛ لأن الإسراف تبذير والتبذير محرم؛ لما فيه من الضرر، وكم من إنسان مرض بسبب أكله وشربه!! كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] اللام هنا لام الناهية، فالإسراف حرام في الطعام والشراب واللباس وكل شئون الحياة، ولا بد من القصد والاعتدال في ذلك: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] اللهم أحبنا ولا تكرهنا يا رب العالمين! واجعلنا غير مسرفين يا حي يا قيوم!

[وامتن به] امتن باللباس منه علينا، فهي نعمة من نعمه [في قوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]]، فالمطر نزل من السماء، وبه نبت القطن، فتشبع الشاة ويكون الصوف، فالكل نزل من السماء باعتبار أصله، قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا [الأعراف:26] ولك أن تقول أيضاً: أنزله على آدم وحواء إذ كانا في الملكوت الأعلى، فأنزل عليهما لباسهما الذي يصلح لهذه الحياة وهما أبونا وأمنا ونحن أتباعهم وأولادهم.

و(يواري) بمعنى: يستر، فالمواراة: الستر.

(سوءاتكم): السوءة هي: ما يقبح النظر إليه، وتخاف أن ينظر إليه.

(وريشاً) لباس فاخر.

(ولباس التقوى ذلك خير) أنزل علينا لباساً ها نحن نلبسه، ومع هذا لباس التقوى خير من اللباس العادي.

ومعنى هذا: رغبكم في التقوى؛ لأن المتقي مستور العورة، والفاجر الفاسق مكشوفها مهما لبس، وقرئ: (ولباسَ التقوى) بالنصب أيضاً -وهما قراءتان سبعيتان- فأنت تلبس التقوى بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما يأمران به وينهيان عنه، فأصبحت تقواك لباساً؛ لأنك مستور محفوظ آمن بها من كل أذى وشر؛ وكذلك اللباس يحفظك من الحر والبرد [وفي قوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [النحل:81]] وهذا امتنان آخر يمتن الله به علينا؛ بأن جعل لنا -هو لا سواه- سرابيل: جمع سربال، وهو الثوب الطويل أو السروال يقينا الحر والبرد.

وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [النحل:81] في الحرب، كالدروع وما إلى ذلك مما تقي المقاتل ضربات العدو.

ولا تقل: كيف جعلها؟ فالحداد والخياط والنساج من خلقهم وحرك أيديهم؟ وقلوبهم من أوجدها؟ كل شيء يعود إلى الله، فهو الذي جعلنا لنا سرابيل تقينا الحر والبرد، وسرابيل تقينا وتحفظنا من بأسنا حال القتال، وهذه نِعمٌ إلهية في اللباس [وفي قوله: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ [الأنبياء:80]] فالحمد لله رب العالمين، ومن قال: الحمد لله في أية نعمة فقد شكرها.

(وعلمناه) أي: داود نبي الله ورسوله، علمه صنعة لبوس، وهي لبوس الدروع فكان يصنعها بيده للوقاية من الحرب.

(لتحصنكم) أي: تحفظكم (من بأسكم).

[وأن رسوله صلى الله عليه وسلم قد أمر به في قوله: ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة )] هذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لنا: كلوا أيها المؤمنون واشربوا مما أحل الله أكله وشربه، والبسوا، أي: مما أذن الله في لباسه في غير إسراف ولا مخيلة؛ لأن الله حرم الإسراف وكره المسرفين، فالرسول يقول:

(كلوا وشربوا)، أي: مما أحل الله لكم ولا تسرفوا.

(في غير إسراف ولا مخيلة)، والمخيلة هي: الاختيال والفخر والمباهاة، وهذه ليست من صفات المؤمنين المتقين.

[كما قد بين صلى الله عليه وسلم ما يجوز منه وما لا يجوز] إذ هو المبين عن الله كتابه [وما يستحب لبسه وما يكره؛ فلهذا كان على المسلم أن يلتزم في لباسه بالآداب التالية] فهيا بنا إلى الآداب التي ينبغي أن نلتزم بها في لباسنا رجالاً ونساء.

الأدب الأول: عدم لبس الذهب والحرير للرجال

[ أولاً: أن لا يلبس الحرير مطلقاً سواء كان في ثوب أو عمامة أو غيرهما] لا في عمامة ولا سروال ولا ثوب ولا قميص ولا غيره] والدليل [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة )] فلا تلبسوا الحرير أيها الفحول! فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومعناه: إن دخل الجنة حرم عليه لبس هذا، وهذا دليل على تحريم لبس الحرير سواء كان عمامة أو سروالاً أو ثوباً أو أياً كان [وقوله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ حريراً فجعله في يمينه، وذهباً فجعله في شماله]وقال إعلاناً وإعلاماً [(إن هذين حرام على ذكور أمتي) ] هل ترون أن من سمع هذا وفهمه عن رسول الله يلبس الحرير والذهب؟! والله لا يلبسه إلا من لم يسمع بهذا أو ما عرفه؛ ولهذا صرفنا العدو عن الاجتماع في بيوت الله ودراسة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لنبقى جهالاً نتخبط في الحياة لا نفرق بين الحلال والحرام، وهذا كيد العدو من أكثر من ستمائة سنة إلا من نجاه الله، وما نستطيع بعد هذا أن نلبس ثوباً من الحرير أبداً لو أعطينا عليه آلاف الريالات.

ومعنى هذا أنه حلال للنساء، فإناث الأمة يجوز لهن ذلك، أما الرجال الفحول فلا، وقوله: (الذكور) شامل لكل ذكر صغيراً كان أو كبيراً، فالصبي لا يلبس الحرير ولا الذهب [وقوله صلى الله عليه وسلم: (حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لنسائهم)] والذي يحرم أو يحلل هو المالك.. صاحب الشيء، والذي يملك اللباس والزينة هو الله، فهو مالكها وخالقها، وقد منع الرجال من أن يلبسوا الحرير والذهب، وأذن للنساء في أن يتحسنَّ ويتجملن به.

ولو سألت عن أسرار ذلك: فالرجل رجل عمل، رجل فلاحة، رجل صناعة، رجل إنتاج، فكيف يلبس الذهب والحرير ويتفاخر به؟!

ولكنه يحسن للنساء الجالسات في القصور كالحور العين لا بيدها مسحاة ولا مرزبة ولا غيرها، وإنما هي في بيتها تعبد ربها، وتصلح شأن أولادها وزوجها، فلا حرج في أن تلبس الحرير والذهب، أما الفحل الذي يقاتل ويجاهد، ويبني ويهدم، ويزرع ويحصد، فلا يلبسه، ولا حق له في ذلك.

أسرار عجيبة في هذه الملة الإسلامية، ومع هذا يسخرون من الإسلام ويستهزئون به؛ لأنهم عميان ما عرفوا الطريق، أموات غير أحياء! فالإسلام تناول الحياة بكاملها، فما ترك صغيرة ولا كبيرة إلا ووضع القوانين الضابطة لها، من أجل إسعاد الناس وإبعادهم عن الشقاء في الدنيا والآخرة؛ فهم عبيده، وهو مالكهم وربهم وسيدهم يريد إسعادهم وإكمالهم.

الأدب الثاني: عدم إطالة الثوب أو السروال أو البرنس أسفل الكعبين

[ثانياً: أن لا يطيل ثوبه أو سرواله أو برنسه أو رداءه إلى أن يتجاوز كعبيه] فصاحب السروال والبرنس والقميص يجب ألا ينزله تحت كعبيه، وما تحت الكعبين إسراف وتبذير يناله من الوسخ ما يناله. إذاً: فأنت فحل مسلم رباني طاهر النفس والثوب، فارفع ثوبك عن كعبيك.

هذا نظام محمد صلى الله عليه وسلم أستاذ الحكمة ومعلم البشرية، لا يخطئ أبداً إذ يتلقى معارفه من الله عز وجل، وعلى من كان ثوبه طويلاً أن يقصره إذا عاد إلى بيته، والبرانس عند أهل المغرب [لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار )] ويدخل مع الإزار السروال وغير السروال، وهذا وعيد شديد، معناه: أنه يدخل النار وتحرق رجليه إلى كعبيه [وقوله: ( الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جر شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )] والإسبال في الإزار إطالته، وفي والعمامة بأن يرسلها على كتفيه طويلة حتى يجرها، فمن جر شيئاً منها خيلاء -بهذا الشرط- من أجل الكبر والتعالي والفخر والمباهاة لم ينظر الله إليه يوم القيامة [وقوله: ( لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء )] ومن لم ينظر إليه الله كرهه وسخط عليه، فكيف ينجو، وكيف يفعل؟! ومعنى الخيلاء: الفخر والمباهاة والتعالي والكبر، وأبو بكر رضي الله عنه كان يحمل ثوبه الطويل بيده حتى لا يجره، إذ قد يوجد شخص ثوبه طويل ولكنه ما استطاع أن يقصره وهو كاره له لا يريد ذلك، فهذا لا يدخل في الوعيد، فلابد وأن يكون مع الخيلاء والكبر والتعالي وحب الفخر والمباهاة، ومع هذا يعمل المسلم ما استطاع أن يكون سرواله إلى كعبيه، وقميصه إلى كعبيه، ورداؤه وبرنسه ومشلحه إلى كعبيه فقط.

الأدب الثالث: إيثار لبس البياض على غيره مع جواز ذلك

[ثالثاً: أن يؤثر لباس الأبيض على غيره] المؤمن يفضل لباس الأبيض على غيره، لا على سبيل الوجوب ولكن على سبيل الندب والاستحباب، فالمؤمن الصادق يفضل أن يكون ثوبه أو مشلحه أو برنسه أبيض [وأن يرى لباس كل لون جائزاً] وهذا هو المسلم الواعي ذو البصيرة والمعرفة، يفضل لباس الأبيض، ويعتقد أن كل لباس غيره جائز، أسود كان أو أحمر أو أخضر، ولكن الأفضل أن يلبس الأبيض، فليس هناك ممنوع أبداً [لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب )] هذه تعاليم الرسول وهذه نداءاته وأوامره: ( البسوا البياض )، سواء كان مشلحاً أو قميصاً أو سروالاً أو غير هذا .. فالثوب الأبيض إذا حصل فيه أدنى وسخ ظهر لك، أما الثوب الأسود فلا يظهر لك، فما هو بأطهر أبداً. ( وأطيب ) أي: للنفس، فلا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ولا تحبه أنت، ولكن أحبب ما يحبه رسولك عليه الصلاة والسلام، وهذا على سبيل الندب والاستحباب لا على الوجوب والإلزام [( وكفنوا فيها موتاكم )] وكفنوا في البياض موتاكم؛ ولهذا أكفان الأموات كلها بيضاء، فالناس معترفون بهذا، فلا تجد أحداً يشتري ثوباً أسوداً ليكفن فيه ميته [ولقول البراء بن عازب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً] أي: ليس طويلاً ولا قصيراً [ولقد رأيته في حلة حمراء] أي: بدلة حمراء [ما رأيت شيئاً قط أحسن منه] ومعنى هذا: أنه لبس الأحمر صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس دائماً، فيجوز لبس ما هو أحمر [ولما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لبس الثوب الأخضر واعتم بالعمامة السوداء] وهذه أدلة الجواز، أما أدلة الأفضلية فقد علمتموها، فالأفضل الأبيض، ويجوز الأحمر والأخضر والأسود بحسب الأحوال والظروف.

الأدب الرابع: إطالة المسلمة لباسها حتى يستر قدميها وإسبالها خمارها ليستر عنقها وصدرها

[رابعاً:] من آداب اللباس المتعلقة بلباس المسلم: [أن تطيل المسلمة لباسها إلى أن يستر قدميها] فالمسلمة غير المسلم، فذاك فحل وهذه أنثى، فالمسلمة تطيل ثيابها حتى تستر قدميها، والفحل يرفع ثيابه إلى كعبيه [وأن تسبل خمارها على رأسها فتستر عنقها ونحرها وصدرها؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59]] ونساء المؤمنين هن أمهاتنا وزوجاتنا [ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]] والجلباب هو والخمار، وما تتخمر به أي تتغطى [وقوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ .. [النور:31]] فحددت الآية الذين تكشف عليهم المرأة وجهها وعنقها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] ومن ذكر تعالى بعد ذلك [ولقول عائشة رضي الله عنها: يرحم الله النساء المهاجرات الأول] أي: اللاتي هاجرن من مكة إلى المدينة من الهاشميات والقرشيات [لما أنزل الله قوله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] شققن أكثف مرطهن فاختمرن بها] والمرط هو: ما تلبسه المرأة، شقته شقين: لبست نصفه، والنصف الثاني وضعته على رأسها [ولقول أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية] ما إن نزلت الآية وخرج نساء الأنصار إلا وعلى كل واحدة خمار أسود على رأسها كأن على رءوسهن الغربان من السواد، فكانوا يبادرون بسرعة عجيبة في الامتثال نساء ورجالاً رضي الله عنهم أجمعين.

الأدب الخامس: عدم التختم بخاتم الذهب للرجال

[خامساً: ألا يتختم بخاتم الذهب] لا يحل للفحل أن يتختم بالذهب [لقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير: ( إن هذين حرام على ذكور أمتي )] قال هذا الإعلان العظيم على المنبر، والحرير في يمينه والذهب في شماله: ( إن هذين حرام على ذكور أمتي ) [وقوله: ( حرام لباس الذهب والحرير على ذكور أمتي وأحل لنسائهم )، وقوله وقد رأى خاتماً من ذهب في يد رجل] نظر إلى أصحابه فوجد رجلاً في يده خاتم من ذهب في أصبعه [فنزعه فطرحه] نزع من الرجل الخاتم وطرحه في الأرض [وقال: ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده؟ ) فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به. فقال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم] وهذه مواقف عجيبة، فلو أنه أخذه لامرأته أو لبنته أو ليبيعه لنساء أخريات لجاز له ذلك، لكنه قال: ما دام طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا آخذه -وهذا كمال- مع أنه لو أخذه وباعه أو ألبسه إحدى نسائه فلا حرج عليه، ولكن كيف يرميه الرسول وأنا آخذه؟!!

هذه مواقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وهكذا كانوا يكملون يوماً بعد يوم، فما مضى ربع قرن عليهم إلا وهم أطهر أهل الأرض وأصفاها وأكملها وأسعدها؛ للامتثال السريع!

وخاتم الخطبة يسمونه إخواننا المصريون الدبلة، ونحن نسميه الزبلة، وهذا حرام حرام ي حرام؛ لأنهم علقوا عليه سعادة الزوجين، فإذا ضاع هذا الخاتم الذي لبسه الزوج يوم الخطبة ما سعد أبداً، والمرأة كذلك إذا ضاع منها لا تسعد، وهذا في الحقيقة من صنع النصارى ورثه المسلمون جهلاً عنهم، فيعطى الزوج الخاتم ليلبسه وهي كذلك، لتتصل القلوب بعضها البعض إلى الموت، وهذا التأثير بيد الله لا بالخواتم، فلهذا لا يصح لبسه بحال وإن كان من حديد، فضلاً على أن يكون ذهباً أو فضة، وهذا من تشريع إبليس.

الأدب السادس: جواز التختم بخاتم الفضة واتخاذه طابعاً

[سادساً: لا بأس للمسلم أن يتختم بخاتم الفضة، أو ينقش في فصه اسمه ويتخذه طابعاً يطبع به رسائله وكتبه ويوقع به الصكوك وغيرها؛ لاتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة نقشهُ: محمد رسول الله، وكان يجعله في الخنصر من يده اليسرى] والخنصر هو الأصبع الصغير [لقول أنس بن مالك رضي الله عنه ( كان خاتم النبي عليه الصلاة والسلام في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى )] إذا اتخذت خاتماً من فضة تنتفع به فاجعله في الخنصر حتى تكون ائتسيت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتؤجر على هذه النية، وإن جعلته في غير الخنصر فلا بأس، ولكن للأجر اجعله في الخنصر، فأنت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفعل كما يفعل وإن لم يأمرك؛ فيزداد حبك فيه.

الأدب السابع: عدم اشتمال الصماء

[سابعاً: ألا يشتمل الصماء] المسلم الفحل لا يشتمل الصماء [وهي أن يلف الثوب على جسمه، ولا يترك مخرجاً منه ليديه] أي: يلف الإزار على جسمه لفاً كاملاً ويبقي يديه داخل ذلك، فإذا أراد أن يخرج يديه انكشفت عورته، فهذا النوع من اللباس حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم [وذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وألا يمشي في نعل واحدة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يمش أحدكم في نعل واحدة، ليحفهما أو لينعلهما جميعاً )] فلا تلبس نعلاً واحداً سواء كان حذاء أو نعل أو ما كان من أنواع ما يلبس في الرجل، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، فإما أن تحفهما معاً أو تلبسهما معاً، أما أنت تلبس واحدة وتحفي الأخرى فما ينبغي لك وأنت سيد الناس، فأنت المسلم الكامل؛ فكيف تنزل هذا النزول؟! وأغلب الناس لا يفعلون هذا، لكن إن فرضنا وجوده فلا يُفعل.

الأدب الثامن: عدم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في اللبس

[ثامناً: أن لا يلبس المسلم لبسة المسلمة] أن لا يلبس المسلم الرجل لبسة المسلمة [ولا المسلمة تلبس لبسة الرجل؛ لتحريم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: ( لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء )] والمخنثين: الذين يريدون أن يكونوا إناثاً في اللباس. والمترجلات: المرأة التي تكون كالرجل في لبسها.

فلا يحل للرجل أن يتزيا بزي المرأة، ولا يحل للمرأة أن تتزيا بزي الرجل، فهذا حرام، وحسبه أن يلعنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو لبست المرأة عمامة أو مشلحاً أو غيره من لبس الرجال فهي معرضة للّعن؛ لأنها تشبهت بالرجال، والرجل كذلك إذا لبس خماراً على رأسه فهو معرض للّعن؛ وهذا ليتميز الرجل عن المرأة، فليس هناك فوضى [ولقوله: ( لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل )] واللعن يدل على أن كل شيء ملعون فاعله فهو حرام، وهذه قاعدة عامة: كل ما ورد فيه لعن فهو محرم وليس مكروهاً فقط [كما لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال] فالكل ملعون في فعله هذا.

والله تعالى نسأل أن يثبت أقدامنا، وأن يقوي إيماننا، وأن يحبسنا على طاعته، حتى نلقاه طاهرين أزكياء، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.