خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (44)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وكان الدرس الماضي: الأدب مع الكافر وما أتممناه، فهيا بنا نستعرض ما سبق أن درسناه، ثم ندرس البقية الباقية من هذه الآداب المتعلقة بالكافر.
أولاً: علمنا أن كل الأديان باطلة إلا الإسلام، وأقسم بالله ولا أحنث أن لا يهودية، ولا نصرانية، ولا بوذية، ولا مجوسية، ولا أية ديانة، فكلها منسوخة، أوقفها الله وأبطلها وجاء بالدين الجامع الخاتم الذي عليه تسعد البشرية وتكمل في الدنيا والآخرة، وشواهد ذلك: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فلا دين غيره.
ومن هنا فالمؤمن يعتقد أن الكافر مغضوب عليه مسخوط، وأنه من أهل النار، إلا أن يتوب الله عليه فيُسلِم، ومن هنا يبغض المسلم كل كافر، ولا يحب أي كافر ولو كان من كان كأبيه أو أمه: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] فأبوك الكافر تبغضه ولا تحبه، وأمك الكافرة تبغضها ولا تحبها، وليس معنى هذا أن تؤذيه أو أن تضر به أو تمنعه حقه، لا، وإنما هذا المخلوق كرهه الله، فيجب أن تكرهه بكره الله عز وجل له، فأنت ولي الله تحبُ ما يحب الله وتكره ما يكره، وإلا انفصلت الولاية وانقطعت.
دعوته إلى الإسلام وعدم إقراره على الكفر
أولاً: عدم إقراره على الكفر، فلا يحل لمؤمن أبداً أن يقر كافراً على كفره، ويقول: لا بأس وابق على ما أنت عليه، سواء كان نصرانياً أو يهودياً أو بوذياً أو مجوسياً.
بغضه ببغض الله تعالى له
عدم موالاته وموادته
إنصافه والعدل معه
رحمته بالرحمة العامة
عدم أذيته في ماله أو دمه أو عرضه إن كان غير محارب
جواز الإهداء إليه وقبول هديته
عدم إنكاحه المؤمنة وجواز تزوج المسلم بالكتابية
ومن لطائف العلم: أن فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب التآليف والدعوة الإسلامية تغمده الله برحمته، كان أمامه تلميذ فقرأ: (ولا تَنكِحوا المشركين حتى يؤمنوا)، فقال: لا والله ولو آمنوا!!
ففرق بين (تَنْكِحُوا) أي: تتزوجوا، وبين (تُنْكِحُوا) أي: تُزوجوا، فلا يجوز أن نتزوج الرجل مؤمناً كان أو كافراً، فكانت من باب اللطائف في ذاك الدرس [وقوله تعالى في إباحة نكاح المسلم للكتابية: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [المائدة:5]] والأجرة أجرة النكاح أي المهر لا أجرة الزنا [ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5]].
تشميته إذا عطس وحمد الله تعالى
فبما أن الرسول لم يقل: يرحمك الله، وما دعا لهم بالرحمة، فتدعو لهم بما هم في حاجة إليه: يهديكم الله ويصلح بالكم، فنقول: إذا كنا مع مؤمنين فسقة: يهديكم الله أحسن، وإذا كنا مع أتقياء: يرحمكم الله -ولا حرج-، وليس معنى هذا أنني أوصيكم بهذا وأشرّع لكم!
عدم بدئه بالسلام والرد بـ(عليكم) إذا بدأ
اضطراره عند المرور إلى أضيق الطريق
مخالفته وعدم التشبه به فيما ليس بضروري
وهنا لطيفة: أيام الاستعمار الفرنسي في الديار الجزائرية، قال أحد الفرنسيين لأحد المسلمين: لماذا نحن نسمح لكم أن تلبسوا لباسنا وعمر بن الخطاب خليفة الإسلام كان يمنع الذميين أن يتزيوا بزي المسلمين؟ وقد كان عمر كذلك لا يسمح في الدولة الإسلامية أن يلبس اليهودي أو النصراني لباس المسلم، أي: لا بد له من هيئة تميزه، فألهم الله عز وجل المسلم وقال له: يا هذا! أنت غافل ما تشعر، فالمسلمون على عهد عمر كلهم جند الله، عسكريون -وهو والله كذلك- فهل أنتم تسمحون للمواطنين أن يلبسوا لباس العسكر؟ طبعاً ممنوع بلا خلاف، فالمدني غير عسكري، وعمر أدخل المسلمين في ثكنة الإسلام والجهاد طول العام فلا يسمح للذميين أن يلبسوا لباس العسكريين وهم مدنيون، فأسكته.
فنحن الآن نحافظ على لباسنا ولا نتزيا بزي الكافرين؛ لأننا عسكر الله وجنده، فلا نلبس لباس غير الجنود العسكريين.
ولطيفة أخرى: كان هناك مسيحي صليبي يركب سيارة مع لبناني، فقال المسيحي: أنتم تقولون: الجنة أهلها يأكلون ويشربون وينكحون ولا يبولون ولا يتغوطون؛ وهذا لأن النصارى معتقدهم أن الجنة ليس فيها أكل ولا شرب ولا نكاح وإنما أرواح فقط، فينفون وجود الأبدان في دار السلام، وهذا كفر وضلال، وتكذيب لله ورسوله.
فقال له اللبناني: كيف يأكل الجنين في بطن أمه ويشرب ولا يبول ولا يتغوط؟
فألهم الله ذلك المؤمن العامي وقال له: الطفل الصغير في بطن أمه في الشهر الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع كيف يشرب ويأكل في بطن أمه؟ فأسكته والله.
هل امتلأ بالخراءة والبول؟
لا. بل يتحول ذاك الطعام والشراب إلى دم، كذلك أهل الجنة يتحول الطعام إلى دم في أبدانهم لا بول ولا غائط.
وأزيدكم لطيفة ثالثة: حدثنا بها العالم الرباني الدكتور الهلالي رحمة الله عليه، قال: ركبنا القطار في الهند -وهذه من عجائب ما شاهده في الهند- فتقابلا في الركوب شيعي رافضي وسني، فقال السني للرافضي: ما اسمك؟! وتعني بالهندية: (كينام صاحب)؟ فقال الشيعي: العبد الحقير الذليل تراب أقدام كلب علي ؛ ليطعن فيه، يعني إذا كنتم لا تحبون علياً فأنا كلبه وليس عبده فقط، فما كان من السني إلا أن قال: وأنا العبد الحقير الذليل تراب أقدام خنزير الله!
أي: إذا كنتُ خنزيراً لله فهو أفضل من أن أكون كلباً لـ علي ، فقطعه.
وهذا معقول: فأن أرضى أن أكون خنزيراً لله أفضل من أكون كلباً لإنسان علي كان أو غيره.
هذه لطائف تنفع في الدرس وتخفف.
[وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ومن تشبه بقوم فهو منهم )] وهذا حديث يحفظ، فمن أراد أن يكون مثلهم تزيا بزيهم وهو منهم. وهذه قاعدة عامة، ونحلف بالله أحياناً -بانفعال- أنك لو رأيت عبداً صالحاً وأحببته وأخذت تتشبه به في منطقه ولباسه ومشيته ومعاملته ما لبثت أن تكون مثله، والذي يرى فاجراً أو فاسقاً أو عربيداً أو شيطاناً فيحبه ويتمثله ما يلبث أن يكون مثله شيئاً فشيئاً، وهذه القاعدة لو اجتمع علماء الفلسفة والكون على أن ينقضوها ما نقضوها أبداً؛ لأنها كلمة رسول الله الخالدة: ( من تشبه بقوم فهو منهم )؛ ولهذا نهينا المؤمنات أن يتزيين بزي العواهر في المجلات التي يشاهدنها أو في التلفاز أو في غير ذلك، فلا تلبث أن تصبح عاهرة مثلهن، ولا نسمح للشاب المسلم أن يتزيا بأزياء الكفرة الملاحدة العلمانيين لأنه إذا تزيا بزيهم رغب فيهم وفي ما عندهم وأصبح مثلهم[وقوله صلى الله عليه وسلم: ( خالفوا المشركين )] خالفوهم فيما هو ممكن، فهم يأكلون بالشمال ونأكل باليمين، ويبدءون في الأكل بالماء ونبدأ بالطعام، ويبدءون بخلع النعل اليمنى ونبدأ باليسرى مثلاً .. المهم المخالفة [( خالفوا المشركين، أعفوا اللحى وقصوا الشوارب )]؛ لأنهم كانوا يحلقون لحاهم ويتركون شواربهم طويلة [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم )] اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم أنتم واصبغوا حتى تتميزوا برسالتكم وبمقامكم وذلك بصبغ اللحية أو شعر الرأس بصفرة أو حمرة؛ لأن الصبغ بالسواد قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لما روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( غيروا هذا الشعر الأبيض واجتنبوا السواد ) وهذه الكلمة قالها في مكة عام الفتح، لما انتصر ودخل فاتحاً جاءه أبو بكر بوالده أبي قحافة كالكتلة، رجل كبير السن لعله فوق المائة، شعره كله أبيض، فقال: ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) لأنهم لو صبغوه بالسواد أصبح طفلاً صغيراً وما هو بطفل، لكن لما يغير بالصفرة يفهم أنه كبير السن وشيخ كبير.
فصلوا على الرسول وسلموا، ما أحكمه! غيروا هذا الشعر الأبيض واجتنبوا السواد، ابتعدوا عنه، ولهذا الجمهور من المسلمين على أن الرجل لا يصبغ بالسواد لحيته ولا رأسه، وإن كان في ذلك خلاف.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من تلك الآداب التي ينبغي للمسلم أن يؤديها إزاء الكافر:
أولاً: عدم إقراره على الكفر، فلا يحل لمؤمن أبداً أن يقر كافراً على كفره، ويقول: لا بأس وابق على ما أنت عليه، سواء كان نصرانياً أو يهودياً أو بوذياً أو مجوسياً.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4082 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3834 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3646 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |