سلسلة منهاج المسلم - (29)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد انتهينا من كتاب العقيدة، وها نحن مع كتاب الآداب أو الأدب، ومع [ الفصل الثاني: وهو الأدب مع الله عز وجل].

والفصل الأول كان [ الأدب مع النية]، وعرفنا أن النية هي: عزم القلب وتصميم الإنسان على الفعل أو القول، وأن الأعمال منوطة بها صحة وفساداً، فإذا صحت النية صح العمل، وإذا فسدت النية فسد العمل، ودليل ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، فاثنان هاجرا إلى المدينة النبوية أحدهما: يريد نصرة الإسلام والوقوف إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم العلم والعمل به، والثاني: جاء من أجل امرأة يخطبها، فدعته إلى المدينة ليتزوجها، فهل لهذا -صاحب الزوجة- من أجر؟ الجواب: لا. ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، والنية واجبة في كل عمل من الوضوء إلى الحج، من الرباط إلى الجهاد، ما من عمل إلا وتسبقه النية، وهي القصد والعزم في فعل الشيء من أجل طلب رضوان الله عز وجل.

ثم من فوائدها: أن العمل المباح بالنية يصبح عبادة يثاب عليها فاعلها، الأكل والشرب مباحان، فإذا نوى العبد بالأكل أن يتقوى على عبادة الله كان أكله عبادة يثاب عليها، وكذلك الشرب، وقد ينوي العبد ويعزم ويعجز فلا يستطيع أن يفعل فيثاب بالنية.

وقد تقدم أن أناساً تخلفوا عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لهم أجراً كأجر من خرج، وقال: ( حبسهم العذر ).

وأخيراً: نبهنا إلى أن النية مع العمل المحرم لا تنفع ولا تجدي، كأن تغتاب شخصاً وتريد أن ترضي آخر، وتقول: أنا أنوي بهذا أن يرضى فلان، فلا يحل هذا، ولا تثاب عليه؛ لأنك فعلت حراماً، فلا ينقلب الحرام عبادة، لكن المباح بالنية ينقلب عبادة، فالأعمال والأقوال المحرمة النية فيها لا تحلها وتجعلها من العبادات، بل هي محرمة وصاحبها آثم، كأن يحضر حفل رقص وأغاني ومزامير وطبول، ويقول: المراد نيتي أنني أشاهد كذا أو كذا، أو أرى كذا أو كذا، فلا يثاب على هذا أبداً، فلا ينقلب المحرم عبادة بالنية، ولكن ينقلب المباح عبادة بالنية، وأما الواجبات والمفروضات على العبد فلابد من النية حتى تصح، وإلا فلا تصح: ( إنما الأعمال بالنيات ) .

وعلمنا أن النية دائماً محلها القلب وليست باللفظ، ما عندنا إلا في الحج والعمرة، تقول: لبيك اللهم لبيك حجاً، أو لبيك اللهم لبيك عمرة، أو لبيك اللهم لبيك حجاً وعمرة.

أما الصلاة والصيام وغيرها من العبادات فليس هناك ما تتلفظ به فتقول: نويت كذا، وإنما عزمك الباطني من قلبك وأنت تريد أن تفعل الشيء، تلكم هي النية المطلوبة.

والآن مع [ الأدب مع الله عز وجل] كيف نتأدب مع ربنا تبارك وتعالى؟

وجوب شكر الله تعالى على سائر نعمه

قال: [ المسلم ] بحق [ ينظر إلى ما لله تعالى عليه من منن لا تحصى ] والمنن: جمع منة. وهي: العطية [ ونعم لا تعد، اكتنفته تلك النعم والمنن من ساعة علوقه] أين علق؟ [ نطفة في رحم أمه ] نعمة الله ومنته علينا تبتدئ من ساعة علوق تلك النطفة في رحم أمهاتنا [ وتسايره ] وتماشيه تلك النعم [ إلى أن يلقى ربه عز وجل ] وها نحن نعيش في تلك النعم، وتبقى معنا إلى أن نلقى الله عز وجل.

يا غافل! وجودك نعمة. من أوجدك؟ الله فهو المنعم.

يا صاحب العقل! عقلك نعمة. من وهبك عقلك؟ الله. فهي نعمته!

يا صاحب البصر! يا صاحب النطق! يا صاحب المشي! هذه النعم من وهبها لك؟ الله جل جلاله، وعظم سلطانه!

من أوجد لك الليل والنهار والظلام والضياء؟

من أوجد لك الطعام والشراب؟!

كل هذه نعم الله عز وجل ومننه علينا. فكيف نشكرها؟

قال: [ فيشكر الله تعالى عليها بلسانه بحمده والثناء عليه بما هو أهله، وبجوارحه بتسخيرها في طاعته ] هكذا يكون شكر العبد لله على مننه ونعمه، بحمد الله بلسانه: الحمد لله، الحمد لله، ربنا لك الحمد على ما أوليت وأنعمت، والثناء عليه بما هو أهله عز وجل وهو الغفور الرحيم الولي الحميد ذو العرش ذو الجلال والكمال والإكرام، وبجوارحه أيضاً بتسخيرها في طاعته، تسمع من أجله، تبصر من أجله، تأكل وتشرب من أجله، تمشي وتقعد من أجله، تنام وتستيقظ من أجله، تسخر ذلك كله طاعة له سبحانه [ فيكون هذا أدباً من العبد مع الله سبحانه وتعالى، إذ ليس من الأدب في شيء كفران النعم وجحود فضل المنعم والتنكر له ولإحسانه وإنعامه، والله سبحانه وتعالى يقول: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ [النحل:53]] صغرت أو كبرت [ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53]. ويقول سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ [إبراهيم:34] ] على فرض أردتم أن تعدوها نعمة بعد نعمة، والله لا تقدرون على إحصائها، فأنفاسنا التي نرددها، هذه نعم، وأكبر نعمة هي الحياة، كم تعد أنفاسك في اليوم؟ في العام؟ في عمرك؟ لا حد له ولا حصر وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].

[ ويقول سبحانه وتعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] ] فَاذْكُرُونِي [البقرة:152] يقابلنا الله عز وجل بهذا العطاء، اذكره يذكرك، فاذكروني بألسنتكم وقلوبكم أذكركم في الملكوت الأعلى في الطور العلوي. وَاشْكُرُوا لِي [البقرة:152] أي: نعمي عليكم وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] فتجحدوا نعمي. وهذا أمر الله عز وجل، هل لنا نصيب منه؟ هل أطعنا وفعلنا؟ هل نحن نذكر الله ونشكره؟ اللهم يسرنا لذلك، وقونا عليه!

بم يذكر الله عز وجل؟ بأسمائه وصفاته، ويذكر بآلائه وإنعامه، والجزاء هو أن يذكرنا.

مراقبة العبد لربه تعالى ومعرفته باطلاعه على جميع أحواله

[ وينظر المسلم إلى علمه تعالى به ] علم الله تعالى به [ واطلاعه على جميع أحواله فيمتلئ قلبه منه مهابةً، ونفسه وقاراً وتعظيماً ] معشر المستمعين والمستمعات! هل نحن من هذا الصنف من الناس؟ فالله عليم بنا وبكل أحوالنا وفي أي لحظة كنا فيها [ فيخجل من معصيته ] يخجل من معصية ربه [ ويستحي من مخالفته، والخروج عن طاعته، فيكون هذا أدباً منه مع الله تعالى ] الاستحياء من الله والخجل أدب من العبد إذا كان العبد يستحي من ربه، إذا قال الكلمة السيئة، أو نظر النظرة المحرمة، أو فعل شيئاً وخجل ولم يقو على فعله كان هذا متأدباً مع ربه عز وجل [ إذ ليس من الأدب في شيء أن يجاهر العبد سيده بالمعاصي ] افرض أنك عبد ولك سيد، يقودك، ويحكمك تستطيع أن تجاهره بالمعاصي؟ أترد كلامه وقوله وتعصي أمره وتفعل ما يكره؟ ما تستطيع، وأنت أمامه [ أو يقابله بالقبائح والرذائل، وهو يشهده وينظر إليه. قال تعالى: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13] ] أي: تعظيماً وإجلالاً وإكباراً [ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14] ] من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى.. إلى.. [ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [التغابن:4] ] ما نعلنه من قول أو عمل يعلمه، وما نخفيه ونكتمه من قول أو عمل يعلمه، إذ نحن بين يديه، ولا يخفى عليه من أمرنا شيء، فلهذا كيف لا نستحي منه عند المعصية؟ إذا راودتك نفسك أن تعصي الله استح منه وأنت بين يديه؟ كيف تفعل أو تقول ما يكره ولا يحب؟ [ وقال: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ [يونس:61] ] من الشئون في الحياة [ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا [يونس:61] ] أي: حضوراً ونراكم ونعرف ما أنتم عليه [ إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [يونس:61] ] أي: لا يغيب عن الله عز وجل وزن ذرة في السماوات أو في الأرض، فكيف بزنا الزاني؟ وفجور الفاجر؟ وظلم الظالم؟

فرار العبد إلى الله تعالى وانطراحه بين يديه وتوكله عليه

[ وينظر المسلم إليه تعالى وقد قدر عليه وأخذ بناصيته، وأنه لا مفر له ولا مهرب ولا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه، فيفر إليه تعالى، وينطرح بين يديه، ويفوض أمره إليه، ويتوكل عليه، فيكون هذا أدباً منه مع ربه وخالقه ] عز وجل؛ لأننا نتعلم كيف نتأدب مع ربنا [ إذ ليس من الأدب في شيء الفرار ممن لا مفر منه، ولا الاعتماد على من لا قدرة له، ولا الاتكال على من لا حول ولا قوة له، قال تعالى: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [هود:56] ] يقودها كيفما شاء، وحيثما شاء [ وقال عز وجل: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50] . وقال: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23] ] فالذين لا يتوكلون على الله _والله_ ما تأدبوا مع الله أبداً، والذين يفرون إلى غير الله، ويتركون ساحة الله ما تأدبوا مع الله عز وجل.

تضرع العبد إلى ربه ودعاؤه والتوسل إليه بصالح القول والعمل

[ وينظر المسلم إلى ألطاف الله تعالى به في جميع أموره ] هيا نفكر في ألطاف الله فينا وبنا، في أنفاسنا التي نرددها، كيف جئنا من المنزل؟ كيف توضأنا؟ كيف صلينا؟ من جاء معنا كيف اجتمعنا؟ هذه آيات من؟ آيات الله عز وجل، لكن يسعد المتفكرون ويشقى الغافلون [ وإلى رحمته له ولسائر خلقه فيطمع في المزيد من ذلك، فيتضرع له بخالص الضراعة والدعاء، ويتوسل إليه بطيب القول وصالح العمل، فيكون هذا أدباً منه مع الله مولاه؛ إذ ليس من الأدب في شيء اليأس من المزيد من رحمة ] إذ ليس من الأدب في شيء اليأس من المزيد ممن رحمته [ وسعت كل شيء، ولا القنوط من إحسان قد عم البرايا والخلائق كلها، وألطاف قد انتظمت الوجود كله، قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] وقال: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ [الشورى:19]. وقال: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87] . وقال: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53].

تقوى العبد لربه بطاعته وعدم معصيته

[وينظر المسلم إلى شدة بطش ربه، وإلى قوة انتقامه، وإلى سرعة حسابه فيتقيه ] بماذا؟ [ بطاعته، ويتوقاه بعدم معصيته، فيكون هذا أدباً منه مع الله؛ إذ ليس من الأدب عند ذوي الألباب ] والبصائر والعقول [ أن يتعرض بالظلم العبد الضعيف العاجز للرب العزيز القادر والقوي القاهر وهو يقول: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11] ويقول: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12] ويقول: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4]].

تصديق العبد بوعد ربه ووعيده وعمله بمقتضاهما

[ وينظر المسلم إلى الله عز وجل عند معصيته والخروج عن طاعته، وكأن وعيده قد تناوله_ وحل به_ وعذابه قد نزل به، وعقابه قد حل بساحته، كما ينظر إليه تعالى عند طاعته واتباع شرعته، وكأن وعده قد صدقه له، وكأن حلة رضاه قد خلعها عليه، فيكون هذا من المسلم حسن ظن بالله، ومن الأدب حسن الظن بالله؛ إذ ليس من الأدب أن يسيء المرء الظن بالله؛ فيعصيه، ويخرج عن طاعته، ويظن أنه غير مطلع عليه، ولا مؤاخذ له على ذنبه، وهو يقول: وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصلت:22-23] -أهلككم- فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23] .كما أنه ليس من الأدب مع الله أن يتقيه المرء ويطيعه ويظن أنه غير مجازيه بحسن عمله، ولا هو قابل منه طاعته وعبادته وهو عز وجل يقول: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52] . ويقول سبحانه وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

ويقول تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160].

وخلاصة القول: أن شكر المسلم ربه على نعمه وأن حياءه منه تعالى عند الميل إلى معصيته، وصدق الإنابة إليه، والتوكل عليه، ورجاء رحمته، والخوف من نقمته، وحسن الظن به في إنجاز وعده وإنفاذ وعيده فيمن شاء من عباده هو أدبه مع الله، وبقدر تمسكه به، ومحافظته عليه، تعلو درجته، ويرتفع مقامه، وتسمو مكانته، وتعظم كرامته، فيصبح من أهل ولاية الله ورعايته، ومحط رحمته، ومنزل نعمته. وهذا أقصى ما يطلبه المسلم ويتمناه طول الحياة ].

اللهم ارزقنا ولايتك، ولا تحرمنا رعايتك، واجعلنا لديك من المقربين، يا ألله، يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

قال: [ المسلم ] بحق [ ينظر إلى ما لله تعالى عليه من منن لا تحصى ] والمنن: جمع منة. وهي: العطية [ ونعم لا تعد، اكتنفته تلك النعم والمنن من ساعة علوقه] أين علق؟ [ نطفة في رحم أمه ] نعمة الله ومنته علينا تبتدئ من ساعة علوق تلك النطفة في رحم أمهاتنا [ وتسايره ] وتماشيه تلك النعم [ إلى أن يلقى ربه عز وجل ] وها نحن نعيش في تلك النعم، وتبقى معنا إلى أن نلقى الله عز وجل.

يا غافل! وجودك نعمة. من أوجدك؟ الله فهو المنعم.

يا صاحب العقل! عقلك نعمة. من وهبك عقلك؟ الله. فهي نعمته!

يا صاحب البصر! يا صاحب النطق! يا صاحب المشي! هذه النعم من وهبها لك؟ الله جل جلاله، وعظم سلطانه!

من أوجد لك الليل والنهار والظلام والضياء؟

من أوجد لك الطعام والشراب؟!

كل هذه نعم الله عز وجل ومننه علينا. فكيف نشكرها؟

قال: [ فيشكر الله تعالى عليها بلسانه بحمده والثناء عليه بما هو أهله، وبجوارحه بتسخيرها في طاعته ] هكذا يكون شكر العبد لله على مننه ونعمه، بحمد الله بلسانه: الحمد لله، الحمد لله، ربنا لك الحمد على ما أوليت وأنعمت، والثناء عليه بما هو أهله عز وجل وهو الغفور الرحيم الولي الحميد ذو العرش ذو الجلال والكمال والإكرام، وبجوارحه أيضاً بتسخيرها في طاعته، تسمع من أجله، تبصر من أجله، تأكل وتشرب من أجله، تمشي وتقعد من أجله، تنام وتستيقظ من أجله، تسخر ذلك كله طاعة له سبحانه [ فيكون هذا أدباً من العبد مع الله سبحانه وتعالى، إذ ليس من الأدب في شيء كفران النعم وجحود فضل المنعم والتنكر له ولإحسانه وإنعامه، والله سبحانه وتعالى يقول: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ [النحل:53]] صغرت أو كبرت [ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53]. ويقول سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ [إبراهيم:34] ] على فرض أردتم أن تعدوها نعمة بعد نعمة، والله لا تقدرون على إحصائها، فأنفاسنا التي نرددها، هذه نعم، وأكبر نعمة هي الحياة، كم تعد أنفاسك في اليوم؟ في العام؟ في عمرك؟ لا حد له ولا حصر وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].

[ ويقول سبحانه وتعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] ] فَاذْكُرُونِي [البقرة:152] يقابلنا الله عز وجل بهذا العطاء، اذكره يذكرك، فاذكروني بألسنتكم وقلوبكم أذكركم في الملكوت الأعلى في الطور العلوي. وَاشْكُرُوا لِي [البقرة:152] أي: نعمي عليكم وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] فتجحدوا نعمي. وهذا أمر الله عز وجل، هل لنا نصيب منه؟ هل أطعنا وفعلنا؟ هل نحن نذكر الله ونشكره؟ اللهم يسرنا لذلك، وقونا عليه!

بم يذكر الله عز وجل؟ بأسمائه وصفاته، ويذكر بآلائه وإنعامه، والجزاء هو أن يذكرنا.