سلسلة منهاج المسلم - (205)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي -أي: الجامع- للشريعة الإسلامية بكاملها، عقائد .. آداباً .. أخلاقاً .. عبادات .. أحكاماً، ووالله أن الكتاب ما خرج عن كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو طبق هذا الكتاب في بلد من بلاد العالم الإسلامي والله لعزوا وسادوا، وطابوا وطهروا، واتحدت كلمتهم وعقيدتهم وعبادتهم، ووالله لو يطبق هذا الكتاب في إقليم من أقاليم بلاد المسلمين لأصبحوا أعز وأطيب وأطهر أمة؛ لأنه شرع الله الذي أوحى به إلى رسوله، وأنزل به كتابه، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو يجمع المسلمين، فلا فرقة أبداً، ولا مذهبية ولا طائفية أبداً، وإنما مسلمون قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

وها نحن مع [ الفصل الثاني عشر: في أحكام القضاء والشهادات.

وفيه ثلاث مواد:

المادة الأولى: في القضاء:

أولاً: تعريفه: القضاء بيان الأحكام الشرعية وتنفيذها.

ثانياً: حكمه: القضاء من فروض الكفاية، فعلى الإمام ] أي: الحاكم [ أن ينصب في كل بلد من بلاد ولايته قاضياً ينوب عنه في تبيين الأحكام الشرعية ] أي: يلزمه ببيان الأحكام الشرعية [وإلزام الرعية بها] وذلك [لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم ) ] وهؤلاء مسافرون في البر فقط، فلا ينبغي أن يوجد ثلاثة إلا ويؤمروا عليهم أحداً يقودهم، فكيف بإقليم كامل أو دولة كاملة؟

خطورة منصب القضاء

[ ثالثاً: خطر منصب القضاء: منصب القضاء من أخطر المناصب وأعظمها شأناً؛ إذ هو نيابة عن الله تعالى، وخلافة لرسوله صلى الله عليه وسلم ] فالقاضي نائب عن الله، وخليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فلهذا حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبه إلى خطورته بقوله: ( من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق ) ] من كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطبقه [ ( وقضى به ) ] وحكم [ ( ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل ) ] جاهل [ ( قضى للناس على جهل فهو في النار ). وقال لـعبد الرحمن : ( يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة ) ] أي: لا تطلب من إمام المسلمين أن يؤمرك على بلد أو إقليم [ ( فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ) ] أي: أعانك الله عليها [ ( وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ). وقوله صلى الله عليه وسلم ] يخبر عن واقع الأمة في المستقبل: [ ( سيحرصون على الإمارة ) ] كما تشاهدون [ ( وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئس الفاطمة ) ].

لا يولى القضاء من يطلبه

[ رابعاً: لا يولى القضاء من يطلبه ] فإمام المسلمين إذا جاءه من يطلب القضاء لا يوليه، بل هو يبحث عمن هو أهل ذلك ويوليه، و[ لا ينبغي أن يسند منصب القضاء لرجل طلبه، أو لرجل يحرص على الحصول عليه؛ لأن القضاء تبعة ثقيلة، وأمانة عظيمة، لا يطلبها إلا مستخف بشأنها، مستهين بحقها، لا يؤمَن أن يخونها ويعبث بها، وفي ذلك من فساد الدين والبلاد والعباد ما لا يتحمل ولا يطاق، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً يسأله أو أحداً يحرص عليه ) ] وأنتم تولونها بالدكتوراه والشهادات، وتدرسون لها، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إنا لن نستعمل على عملنا من أراده ) ] أبداً، هكذا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم.

شروط تولية القضاء

[ خامساً: شروط تولية القضاء: لا يولى منصب القضاء إلا من توفرت فيه الصفات الآتية: ]

أولاً: [ الإسلام ].

ثانياً: [ العقل ].

ثالثاً: [ البلوغ ].

رابعاً: [ الحرية ].

خامساً: [ العلم بالكتاب والسنة ].

سادساً: [ معرفة ما يقضي به ].

سابعاً: [ العدالة ] أن يكون عادلاً.

ثامناً: [ وأن يكون سميعاً بصيراً متكلماً ] وأهل الفقه يقولون: التكلم ليس بشرط، فلو كان غير متكلم فلا بأس، ويكفي أن يكون يسمع ويبصر، وألا يكون أخرس.

آداب القاضي

[ سادساً: آداب القاضي: على من تولى القضاء أن يلتزم الآداب التالية:

أن يكون قوياً من غير عنف، وليناً من غير ضعف؛ حتى لا يطمع فيه ظالم، ولا يهابه صاحب حق، وأن يكون حليماً في غير مهانة؛ حتى لا يتجرأ عليه سفهاء الخصوم، وأن يكون ذا أناة وروية في غير ما مماطلة ولا إهمال، وأن يكون فطناً ذا بصيرة في غير إعجاب بنفسه، ولا استخفاف بغيره، وأن يكون مجلسه في وسط البلد، فسيحاً يسع الخصوم، ولا يضيق عن الشهود، يعدل بين المتخاصمين في لحظه ونظره ومجلسه والدخول عليه ] كذلك [ فلا يؤثر خصماً دون آخر في شيء من ذلك، وأن يحضر مجلسه الفقهاء، وأهل العلم بالكتاب والسنة، وأن يشاورهم فيما يشكل عليه ].

ما يلزم القاضي تحاشيه

[ سابعاً: ما يلزم القاضي تحاشيه: يلزم القاضي أن يتحاشى أموراً كثيرة ويبعد عنها، وهي:

أولاً: أن يحكم وهو غضبان ] فلا ينبغي أن يحكم وهو غضبان [ أو شاعر بتأثر من مرض ] فلا يحكم وهو مريض [ أو جوع ] فلا يحكم وهو جائع [ أو عطش ] فكذلك لا يحكم، [ أو حر، أو برد، أو سآمة، أو كسل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقضينَّ حاكم بين اثنين وهو غضبان ) ] وكذلك العطشان والجوعان ومن به الحر والبرد والكسل والسآمة.

[ ثانياً: أن يحكم بدون حضور شهود.

ثالثاً: أن يحكم لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته لهم كالولد والوالد والزوجة ] فلا يحكم لهم، بل يحكم قاض غيره.

[ رابعاً: أن يقبل رشوة على حكم ] فهذا ممنوع ولا ينبغي [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم ).

خامساً: أن يقبل هدية ممن لم يكن يهاديه قبل تولية القضاء ] فلا يقبل هدية من شخص لم يكن يهاديه قبل القضاء [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذه بعد ذلك فهو غلول ) ] والعياذ بالله تعالى. هذا ما يتعلق بالقضاء، وسيأتي ما بقي منه فيما بعد.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

[ ثالثاً: خطر منصب القضاء: منصب القضاء من أخطر المناصب وأعظمها شأناً؛ إذ هو نيابة عن الله تعالى، وخلافة لرسوله صلى الله عليه وسلم ] فالقاضي نائب عن الله، وخليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فلهذا حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبه إلى خطورته بقوله: ( من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق ) ] من كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطبقه [ ( وقضى به ) ] وحكم [ ( ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل ) ] جاهل [ ( قضى للناس على جهل فهو في النار ). وقال لـعبد الرحمن : ( يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة ) ] أي: لا تطلب من إمام المسلمين أن يؤمرك على بلد أو إقليم [ ( فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ) ] أي: أعانك الله عليها [ ( وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ). وقوله صلى الله عليه وسلم ] يخبر عن واقع الأمة في المستقبل: [ ( سيحرصون على الإمارة ) ] كما تشاهدون [ ( وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئس الفاطمة ) ].