أرشيف المقالات

علم - وعي - إخلاص

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
علم - وعي - إخلاص

من المبادئ الأساسية التي تلقَّيناها عن أساتذتنا الكِرام في مرحلة الشباب ثلاثة مبادئ تُختَصر في ثلاث كلمات (علم - وعي - إخلاص)، فالشخص المُلتزِم عليه أن يعمل بدَأْب على النَّهل من مَعِين العِلم بكافة جوانبه؛ ليعرف شيئًا عن كل شيء، ويتخصَّص في عِلْم أو أكثر، فيعرف كل شيء عن شيء، ثم يَحرِص على تطبيق ما تعلَّمه؛ فالمعرفة لا تُغني شيئًا إن لم تؤدِّ بصاحبها إلى تطبيق ما تعلَّمه في جوانب حياته، لكن على مُتلقِّي العلم ألا يكون كحاطِب ليلٍ، يأخذ دون وعي ودون تمحيص، فهناك في المكتبة الغثُّ والسمين، وكل أحد يؤخذ منه ويُرَد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تأتي أهمية الوعي في التلقي وفي التطبيق، وكم رأينا من المتعلمين مَن هوى عِلْمهم بهم إلى أسفل الدَّركات! إما من غرورهم بأنفسهم أو لاتباعهم الهوى، وإما لتقليدهم الآخرين وتلقّيهم العلم، عمن هبَّ ودبَّ دون تمحيص، وقد يَهلِكون ويُهلِكون معهم مَن يتْبَعهم ممن هو على شاكِلتهم, وأسوأ ذلك يأتي ممن بلغوا منزلةً عاليةً من الذكاء ومن العلم، ولكن أصابهم الغُرُور وظنُّوا أن ذلك يجعلهم فوق النقد، بل يجعل لهم الحق في نَقْد ما ثبت من النصوص والأصول وتفسيرها على أهوائهم.
 
فإن تلقَّى المرء العلمَ الصحيح وطبَّقه بوعي وإدراك وتمحيص وتواضُع، وجب عليه أن يجمع لذلك الإخلاصَ في العلم والعمل، فبدونه لن يُقبَل منه عِلْم ولا عمل، ويضيع ما قدَّم هباءً منثورًا.
 
فإذا أردنا النقلةَ إلى عصر التواصل والمعلومات الذي نعيشه، وجب أن نكون في ذلك أحرص، فكَمٌّ هائل من المعلومات والبيانات والثقافات يتدفَّق علينا كل يوم ولا ندري أحيانًا مَن يكتب، ومن يَنشُر، وما غايته؟ وكثير من شبابنا يَستَقون ذلك كلَّه ومعه الكثير من المفاسد الفكريَّة والعقدية والأخلاقية، وقد تَجُرهم مواقعُ السوء ومغرياتها مُستغِلَّة دوافعهم الفطرية وتُوقِعهم في حبائل شياطين الإنس، مُقنِعة إياهم أن بإمكانهم أن يكونوا ملتزمين، وأن يدخلوا الجنةَ بسلام مع ممارسة ما تدعوهم إليه من المساوئ والمخازي؛ لذا تجد الكثيرَ من المتناقضات العجيبة تجمعها صفحات التواصل والمنتديات المختلفة، إن كانت للأفراد أو للمجموعات والهيئات، فتجمع الصورة المخزية والفكرة الخبيثة إلى الدعاء الجميل والموضوع القيم في صفحة واحدة لتُميِّع الدينَ والأخلاق، وتقضي على القيم، وكأنها تقول للشباب: ما عليكم من بأس أن تُصَلوا وتصوموا وتدعوا، وأن تكون لكم أحبَّة، وأن تغنوا وترقصوا وتتعرَّوا، فأنتم أحرار فيما تفعلون، ولا يعني التزامكم أن تَحرِموا أنفسكم من مُتَع الدنيا، ويأتون لهم بأدلة تُحشَر في غير موضعها، فيقع في شَرَكهم من قلَّ عِلْمه أو قلَّ وعيُه.
 
فإذا لم نربِّ شبابنا على الوعي في المعرفة والتلقّي، والوعي في العمل والتطبيق، فسنجدهم يومًا ما حريصين على العود والمزمار، وعلى تقليد جورج ومايكل وجستن وفلان وفلانة - ممن نبذهم حتى فضلاء قومهم - مِثْل حرصهم على أداء الصلاة إن لم يكن أكثر، وقد سمعنا الكثيرَ عن شباب نشؤوا على هدى وصلاح، ولكنهم شَبُّوا على قناعات وأفعال ليس للخير فيها نصيب، والمصيبة أنهم مقتنعون أن طريقهم هو طريق الحق، وقد ينظرون إليك على أنك مُتحجِّر العقل، وضيِّق الأفق، فإذا ما توجَّهت إليهم بالنُّصح والإرشاد ضاقوا بك ذَرْعًا.
 
وقبل الختام لا بد أن نُذكِّر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تَبَعًا لما جئتُ به))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما)).
 
هدانا الله وشبابَ المسلمين إلى الاستقامة على طريقه الحق والبُعْد عن مُضِلات الفتن، والحمد لله رب العالمين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١