آيات من سورة الدخان بتفسير الزركشي
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
آيات من سورة الدخان بتفسير الزركشي﴿ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [الدخان: 2].
﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [الدخان: 1، 2].
قال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبدالملكرحمه الله:اعلم أن الله تعالى سمى القرآن بخمسة وخمسين اسمًا، سمَّاه كتابًا فقال: ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [الدخان: 1، 2] [1].
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3].
قوله تعالى في سورتي النمل والقصص: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾ [النمل: 89] [2]، ولم يبين في ليل ولا نهار، وبينه في سورة الدخان بقوله: ﴿ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3] ثم بينها في ليلة القدر بقوله: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1] ، فالمباركة في الزمان هي ليلة القدر في هذه السورة؛ لأن الإنزال واحد وبذلك يرد على من زعم أن المباركة ليلة النصف من شعبان، وعجب كيف غفل عن ذلك.
وقد استنبط بعضهم - هنا - بيانًا آخر، وهو أنها ليلة سبعة عشر من قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾ [الأنفال: 41]، وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، وفي ذلك كلام[3].
﴿ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ [الدخان: 5]
قوله تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الدخان: 4 - 6] [4]، أصل الكلام: "إنا مرسلين رحمة منا" ولكنه وضع الظاهر موضع المضمر؛ للإنذار بأن الربوبية تقتضي الرحمة للمربوبين، للقدرة عليهم، أو لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالذّكر، أو الإشارة إلى أن الكتاب إنما هو إليه دون غيره، ثم التفت بإعادة الضمير إلى الرب الموضوع موضع المضمر، للمعنى المقصود من تتميم المعنى[5].
﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ [الدخان: 12].
قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ [الدخان: 12]، فقيل لهم: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [المؤمنون: 75] [6]، وقيل: بل نزل بعده: ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ ﴾ [الدخان: 15] [7]، والتقدير: إن كشَفْنا العذاب تعودوا [8].
﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ﴾ [الدخان: 13].
قوله تعالى: ﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ﴾ [الدخان: 13]، أي: يستبعد ذلك منهم بعد أن جاءهم الرسول ثم تولوا[9].
﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15].
قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15]، فظاهره خبر، والمعنى: إنا إنْ نكْشف عنكم العذاب تعودوا[10].
وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الله تبارك وتعالى يعلم مالم يكن إذا كان كيف يكون؟؟
﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾ [الدخان: 20].
قوله تعالى: ﴿ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾ [الدخان: 20]، ليس هو الرجم بالحجارة، إنما هو ما يرمونه من بهتانهم[11].
﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الدخان: 25] قوله تعالى: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾[الدخان: 25، 26] [12]، وهذا بيانٌ عجيب يوجب التحذير من الاغترار بالإمهال[13].
﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ﴾ [الدخان: 43].
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ﴾ [الدخان: 43]، مفتوحة التاء، لأنها بمعنى الفعل اللازم، وهو تزقّمها بالأكل، بدليل قوله تعالى: ﴿ الْبُطُونِ ﴾ [الدخان: 45] [14]، فهذه صفة فعل كما في: ﴿ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ﴾ [الواقعة: 52] [15]، وهذا بخلاف قوله: ﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ﴾ [الصافات: 62] [16]، فإن هذه وَصَفها بأنها: ﴿ فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ﴾ [الصافات: 63] [17]، وأنها ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 64] [18]، فهو حلية للاسم، فلذلك قبضت تاؤها[19].
﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 49].
قوله تعالى: ﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 49]، سياقه يدل على أنه الذليل الحقير[20].
نزلت في أبي جهل لأنه قال: "ما بين أخشبيها -أي جبليها يعني مكة- أعز مني ولا أكرم"[21]، وقيل: بل خوطب بذلك استهزاء[22]، وفي الآية إنكار وتبكيت[23].
﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [الدخان: 56].
قوله تعالى: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ﴾ [الدخان: 56]، فإن الناس استشكلوا وجه الاستثناء مع أنهم لا يذوقون فيها الموت مطلقًا، ومقتضى استثنائها من النفي أنهم يذوقونها في الجنة وليس كذلك.
ووجهه الزمخشري[24] بأنه من التوكيد في الدلالة، والموتة الأولى لا يذوقونها أصلاً؛ إذ يستحيل عَود ما وقع، فلا يذوقون فيها الموت أصلاً، أي إن كانوا يذوقون فلا يكون ذلك إلا الموتة الأولى، وإن كان إيقاع الموتة الأولى في الجنة مستحيلاً، فعرّض بالاستثناء إلى استحالة الموت فيها.
هذا إن جعلنا الاستثناء متصلاً فإن كان منقطعًا فالمعنى: "لكن الموتة الأولى قد ذاقوها".
ويحتمل على الاتصال أن يكون المعنى فيها، أي في مقدماتها؛ لأن الذي يرى مقامه في الجنة عند موته ينزَّل منزلة من هو فيها، بتأويل الذوق على معنى المستحيل، فهذه ثلاثة أوجه[25].
[1] المصدر السابق: معرفة أسمائه واشتقاقاتها 1 /192.
[2] سورة: النمل: 89 - القصص: 84.
[3] البرهان: معرفة تفسيره وتأويله - تقسيم القرآن إلى..
2 /120.
[4] سورة الدخان: 4-6.
[5] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - أسباب الالتفات 3 /206.
[6] سورة المؤمنون: 75.
[7] سورة الدخان: 15.
[8] البرهان: معرفة تفسيره وتأويله - تقسيم القرآن إلى..
2 /123.
[9] المصدر السابق: أقسام معنى الكلام - ضروب الاستفهام بمعنى الإنشاء 2 /213.
[10] البرهان: الخبر 2/ 199.
[11] المصدر السابق: علم مرسوم الخط - حذف الياء 1 /278.
[12] سورة الدخان: 25 - 26.
[13] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - الإيجاز 3 /145.
[14] سورة الدخان: 45.
[15] سورة الواقعة: 52.
[16] سورة الصافات: 62.
[17] سورة الصافات: 63.
[18] سورة الصافات: 64.
[19] البرهان: علم مرسوم الخط 1 /286.
[20] المصدر السابق: معرفة تفسيره وتأويله - معرفة الأمور التي تعين على المعنى عند الإشكال 2 /127
[21] تفسير القرطبي 19 /135.
[22] البرهان: الكنايات والتعريض في القرآن - التعريض والتلويح 2 /195 - خطاب التهكم 2 /145.
[23] المصدر السابق: أقسام معنى الكلام - الخبر 2 /199.
[24] الكشاف 5 /478.
[25] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - إبراز الكلام في صورة المستحيل على طريق المبالغة ليدل على بقية الجملة 3/33.