أرشيف المقالات

شرح حديث أبي هريرة: إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
شرح حديث أبي هريرة: إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه
 
عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: إِذَا توَضَّأ العبدُ المسلمُ، أو المؤمنُ، فغسَلَ وجهَه، خرَجَ من وجْهِهِ كلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعَيْنِه مع الماءِ، أو مع آخرِ قَطْرِ الماءِ، فإذا غسَلَ يديه خرَج من يديه كلُّ خطيئةٍ كان بطَشَتْها يداه مع الماءِ، أو مع أخرِ قَطْرِ الماءِ، فإذا غسَل رجْلَيه خرَجتْ كلُّ خطيئةٍ مشَتْها رجلاه مع الماءِ، أو مع أخرِ قَطْرِ الماءِ حتَّى يخرجَ نقيًّا مِنَ الذُّنوبِ.
رواه مسلم.
 
قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -:
ذكر المؤلفُ - رحمه الله - فيما نقله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في فضائل الوضوء الذي أمر الله به في كتابه، في قولِه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6].
 
هذا الوضوء تُطَهَّرُ فيه هذه الأعضاء الأربعة؛ الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان، وهذا التطهير يكون تطهيرًا حسيًّا، ويكون تطهيرًا معنويًّا.
أما كونه تطهيرًا حسيًّا فظاهر؛ لأن الإنسان يغسل وجهه، ويديه، ورجليه، ويمسح الرأس، وكان الرأس بصدد أن يغسل كما تغسل بقية الأعضاء، ولكن الله خفف في الرأس؛ ولأن الرأس يكون فيه الشعر، والرأس هو أعلى البدن، فلو غسل الرأس ولا سيما إذا كان فيه الشعر؛ لكان في هذه مشقة على الناس، ولا سيما في أيام الشتاء، ولكن من رحمة الله - عزَّ وجلَّ - أن جعل فرض الرأس المسح فقط، فإذا توضأ الإنسان لا شك أنه يطهر أعضاء الوضوء تطهيرًا حسيًّا، وهو يدل على كمال الإسلام؛ حيث فرض على معتنقيه أن يطهروا هذه الأعضاء التي هي غالبًا ظاهرة بارزة.
 
أما الطهارة المعنوية، وهي التي ينبغي أن يقصدها المسلم، فهي تطهيره من الذنوب، فإذا غسل وجهه، خرجت كل خطايا نظر إليها بعينه، وذِكْرُ العين - والله أعلم - إنما هو على سبيل التمثيل، وإلا فالأنف قد يخطئ، والفم قد يخطئ؛ فقد يتكلم الإنسان بكلام حرام، وقد يَشَمُّ أشياء ليس له حقٌّ أن يشَمَّها، ولكن ذكر العين؛ لأن أكثر ما يكون الخطأ في النظر.
 
فلذلك إذا غسل الإنسان وجهه بالوضوء خرجت خطايا عينيه، فإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه، فإذا غسل رجليه خرجت خطايا رجليه، حتى يكون نقيًّا من الذنوب.
ولهذا قال الله تعالى حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾، يعني ظاهرًا وباطنًا، حسًّا ومعنى، ﴿ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]، فينبغي للإنسان إذا توضأ أن يستشعر هذا المعنى، أي أن وضوءه يكون تكفيرًا لخطيئاته، حتى يكون بهذا الوضوء محتسبًا الأجر على الله - عزَّ وجلَّ - والله الموفق.
 
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2 /181 - 183)

شارك الخبر

المرئيات-١