سلسلة منهاج المسلم - (193)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الجامع للشريعة الإسلامية بكاملها، عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وهو جامع لأهل السنة والجماعة، فلا مذهبية ولا طائفية، بل أنا مسلم أسلمت قلبي ووجهي لربي، فالذي يأمرني به ربي ورسولي أعمله، والذي ينهاني عنه ربي ورسولي أتركه، وهذا هو المفروض على كل مسلم ومسلمة.

وها نحن قد انتهى بنا الدرس إلى [ المادة الثانية: في الصيد: أولاً: تعريفه: الصيد ] هو [ ما يصاد من حيوان بري متوحش، أو حيوان مائي ملازم للبحر ] فالصيد نوعان: بري وبحري، ولا يوجد غيرهما [ ثانياً: حكمه: يباح الصيد لغير المحرم بحج أو عمرة ] هذا الحكم العام [ لقوله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة:2] ] أي: إذا حللتم من الحج أو العمرة، فالمحرم بحج أو عمرة لا يحل له أن يصيد، وهذه كلمة الله عز وجل: وَإِذَا حَلَلْتُمْ [المائدة:2]، أي: من إحرامكم، فَاصْطَادُوا [المائدة:2] [ غير أنه يكره ] ولا يحرم [ إن كان لمجرد اللهو واللعب ] وليس لحاجته للحم والأكل أو أن يبيع وينتفع، وإنما ليلهو ويلعب فقط، وهذا يفعله بعض الأطفال والمجانين، فهذا مكروه، وهو ضياع للوقت.

أنواع الصيد

[ ثالثاً: أنواعه: الصيد نوعان: صيد البحر: وهو كل ما عاش في البحر من سمك وغيره من ] سائر [ الحيوانات البحرية. وحكمه أنه حلال للمحرم وغير المحرم ] فالمحرم يجوز له أن يصيد وهو على الباخرة، أو وهو في جدة ولا حرج [ ولم يكره منه سوى إنسان الماء وخنزير الماء ] فلما كان يسمى إنساناً لا يؤكل، وكذلك خنزير الماء [ لعلة مشاركتهما في التسمية للإنسان، وهو محرم الأكل، والخنزير وهو كذلك ] محرم الأكل. هذا صيد البحر [ وصيد بر، وهو أجناس ] وليس كصيد البحر يمنع منه إنسان وخنزير فقط [ فيباح منه ما أباحه الشارع، ويمنع منه ما منعه ] الشارع.

ذكاة الصيد

[ رابعاً: ذكاة الصيد: ذكاة صيد البحر مجرد موته، بحيث لا يعالج أكله وهو حي فقط ] فصيد البحر بمجرد ما تأخذه وهو ميت فاطعم وكل، ولكن إذا كان حياً فلا تأكله حتى يموت، فذكاة صيد البحر مجرد موته، فإذا مات حل [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أحل لنا ميتتان: الحوت والجراد ) ] واحفظوا هذا الحديث: ( أحل لنا ميتتان: الحوت والجراد ) [ وأما صيد البر فإنه إذا أدرك حياً وجب تذكيته ] بذبحه [ ولا يجوز أكله بدون تذكيته ] أبداً [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وما صدت بكلبك غير المعلم وأدركت ذكاته فكل ) ] وهذا مفهومه: إذا لم تدرك ذكاته ووجدته قد مات فلا تأكله؛ لأنه ليس معلماً، فهو يصيد له لا لصاحبه، وأما الكلب المعلم على الاصطياد فهذا إذا بعثته فإنه يستجيب لك، فهذا لا بأس به، فإذا أدركته ميتاً فليس فيه بأس؛ لأنك لما أرسلته قلت: بسم الله، والله أكبر، لكن إذا كان الكلب غير معلم وأدركت المصيد ميتاً فلا تأكله، فإن أدركته حياً فاذبحه وكل [ وإذا أدركته ميتاً جاز أكله إذا توفرت فيه الشروط التالية ] وهي ثلاثة شروط، وهي:

[ أولاً: أن يكون الصائد ممن تجوز تذكيته ] أي: ذبحه [ ككونه مسلماً عاقلاً مميزاً ] وأما إذا كان كافراً أو مجنوناً أو طفلاً صغيراً فلا يؤكل صيده، بل لا بد أن يكون الصائد ممن تجوز تذكيته، بحيث يجوز تذكيته وذبحه للشاة، وأما المجنون والكافر والطفل فلا.

[ ثانياً: أن يسمي الله تعالى عند الرمي أو إرسال الجارح ] فإذا أطلق الرصاص أو أرسل الكلب الجارح المتعود على هذا، فيقول: بسم الله، والله أكبر [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل ) ] أي: ذكه وكل، وأما إذا أدركته ميتاً فلا تأكل؛ لأنه جيفة؛ لأن الكلب ليس معلماً.

[ ثالثاً: أن تكون آلة الصيد - إن كانت غير جارحة- محددة ] أي: حادة ماضية [ تخرق الجلد، فإن كانت غير محددة كالعصا والحجر فلا يصح أكل ما صيد بها؛ لأنه كالموقوذ ] أي: جيفة، والموقوذ لا يصلح أكله [ اللهم إلا إذا أدرك فيه الروح فذكي ] فإذا ضربته بعصا أو بحجر وأدركته حياً لم يمت فحينئذ ذكه وكله [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن المعراض: ( إذا أصاب بالعرض ) ] أي: لم يصب بشيء حاد [ ( فلا تأكل؛ فإنه وقيذ ). وإن كانت جارحاً من كلب أو باز ] وهو طائر معروف [ أو صقر ] وهو معروف [ وجب أن يكون معلماً ] بالصيد حتى يصيد لصاحبه، فعلم كلبك حتى يصيد لك [ لقوله تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4] ] فلا بد من ذكر اسم الله [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله عليه ثم كل ) ] وأما الكلب غير المعلم إذا أخذ فإن وجدته حياً فسم الله واذبحه، وإن وجدته قد مات فلا يحل أكله.

والآن [ تنبيه ] لطيف: [ علامة الجارح المعلم وخاصة الكلب ] بالذات، وبه يُعرف أنه معلم أو لا [ أن يدعى فيجيب ] فإذا قلت له: تعال يستجب لك، وإذا قلت له: اذهب ذهب [ وأن يُشلى فينشلي ] أي: إذا قلت له: أسرع يسرع [ وأن يزجر فيزدجر، واغتفر الانزجار في غير الكلب إذا كان غير ممكن ] فغير الكلب يمكن أن يقبل الانزجار والطاعة.

[ رابعاً: أن لا يشارك كلب الصيد غيره من الكلاب في إمساك الصيد ] فلا يكونا اثنين يصيدان مع بعضهما البعض [ لأنه لا يدري من الذي أمسكه، المذكور اسم الله عليه عند إرساله أم غيره؟ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل ) ] ذلك الصيد [ ( فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله ) ] كلبك أم الآخر، فكلبك قد سميت عليه اسم الله، وأما غيره فلم تسم عليه، ولا تدري أي الكلبين أمسكه، فمن هنا لا يصح.

[ خامساً: أن لا يأكل الكلب منه شيئاً ] فلا يأكل كلبك الذي يصيد لك شيئاً مما صاده لك، فإذا صاد لك غزالاً وأكل منه شيئاً فلا يصح أكله [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل؛ فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ) ] هو لا لنفسك أنت. والله يقول: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4] ] لا عليهم.

تنبيهات

[ تنبيهات: أولاً: إذا غاب الصيد ] غزالة أو ظبي أو غيرهما [ عن الصائد، ثم وجده وبه أثر سهم ] رماه به [ ولا أثر آخر معه جاز أكله ] لأنه هو الذي ضربه [ ما لم يمض عليه أكثر من ثلاث ليال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث: ( كل ما لم ينتن ) ] فإذا غاب الصيد عن الصائد يوماً أو يومين أو ثلاثة ثم وجده ميتاً فيجوز أكله؛ لأنه صاده وسمى عليه، لكن بعد ثلاث ليال لا يجوز، فقد يكون مات بغير الصيد.

[ ثانياً: إذا صيد الحيوان ثم وقع في ماء فمات ] كأن تصيد أرنباً فوقع في الماء ومات [ لا يحل أكله؛ لأنه قد يكون مات بسبب الماء لا بسبب الرمي ] الذي رميته والصيد.

[ ثالثاً: إذا انفصل عضو من الصيد بفعل الجارح ] كأن يأخذ كلبك نصف الطير مثلاً أو جناحه أو فخذه أو رجله أو غيره [ فإن هذا العضو لا يحل أكله؛ لأنه داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: ( وما قطع من حي فهو ميت ) ] فلا يؤكل، فمادام كلبك الجارح قطعه وهو حي فلا يجوز أكله.

وليس أحد منا يصيد أو يتعلم الاصطياد، ولكن على كل حال طلب العلم فريضة. والله نسأل أن يعلمنا، وننتفع بالعلم.

[ ثالثاً: أنواعه: الصيد نوعان: صيد البحر: وهو كل ما عاش في البحر من سمك وغيره من ] سائر [ الحيوانات البحرية. وحكمه أنه حلال للمحرم وغير المحرم ] فالمحرم يجوز له أن يصيد وهو على الباخرة، أو وهو في جدة ولا حرج [ ولم يكره منه سوى إنسان الماء وخنزير الماء ] فلما كان يسمى إنساناً لا يؤكل، وكذلك خنزير الماء [ لعلة مشاركتهما في التسمية للإنسان، وهو محرم الأكل، والخنزير وهو كذلك ] محرم الأكل. هذا صيد البحر [ وصيد بر، وهو أجناس ] وليس كصيد البحر يمنع منه إنسان وخنزير فقط [ فيباح منه ما أباحه الشارع، ويمنع منه ما منعه ] الشارع.