سلسلة منهاج المسلم - (14)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب (منهاج المسلم) وها نحن مع الركن الخامس وهو: الإيمان باليوم الآخر.

وأقدم للأبناء والإخوان مقدمة، كثيراً ما رددناها وكررناها، وهي: أن العقيدة الإسلامية الصحيحة التي مصدرها قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، هذه العقيدة بمثابة الروح -أي: كأنها الروح- ولا حياة بدون روح، فمن كانت عقيدته إسلامية صحيحة اعتبر حياً، يسمع، ويأخذ ويعطي، ويقبل ويدبر؛ لكمال حياته، ومن فقدها فهو في عداد الموتى، قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] هذه العقيدة التي مصدرها.. مأخذها من قال الله تعالى في كتابه، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم المبين له، هذه العقيدة الصحيحة السليمة هي كالروح، بمثابة الروح، بمنزلة الروح، من أعطيها أصبح حياً، مره يفعل، انهه يترك، بشره يستبشر، حذره يحذر، علمه يعلم، وذلك لكمال حياته.

ومن فقدها ميت، لا يؤمر بصيام، ولا صلاة، ولا جهاد، ولا رباط، ولا إنفاق، ولا زكاة، ولا دعاء، ميت!

والعقيدة الإسلامية إذا داخلها زيد أو نقص أصبح صاحبها كالمريض، حي ولكنه مريض، يقوى على شيء، ويعجز عن آخر، يعطي كذا ولا يعطي آخر، وذلك لمرضه، أي: لضعف عقيدته، فعليه أن يصححها، فإذا صحت سلم، وأصبح عبد الله الحي الذي يناديه الله عز وجل فيأمره فيفعل، فينهاه فيترك، فيبشره فيستبشر، فينذره فينتذر، فيعلمه فيتعلم.

إذاً: العقيدة الإسلامية التي مصدرها قال الله قال رسوله -أي: مأخوذة من كتاب الله القرآن العظيم، ومن سنة رسول الله سيد الأولين والآخرين- صاحبها حي، يسمع إذا ناديته، يطيعك إذا أمرته أو نهيته لكمال حياته، فإن فقدها فهو ميت، لا يؤمر بعبادة، ولا ينه عن باطل؛ وذلك لموته، فإن داخل العقيدة الإسلامية زيغ، ميل، بعض الفساد أصبح صاحبها كالمريض، وهذا غالب أحوال أمة الإسلام، يفعل واجباً ويترك آخر، ينتهي عن حرام ويفعل الثاني لضعفه؛ لأنه مريض، ما سلمت عقيدته ولا كملت، وإن شئتم حلفت لكم بالله على ما أقول لكم.

ولنضرب المثل دائماً بأهل الذمة: أهل الكتاب إذا كانوا تحت دولتنا الإسلامية، هل نأمرهم بصيام رمضان؟ أيعقل هذا؟ والله ما يؤمرون.

هل يؤمرون بإخراج زكاة؟ والله ما يؤمرون.

هل يؤمرون بالصلاة؟ والله ما يؤمرون.

وهم يعيشون.. يأكلون ويشربون في بلادنا، ونحميهم، وندفع عنهم الأذى والضرر.

أهل ذمتنا لماذا لا يعبدون الله؟ لأنهم أموات، فإذا نفخت فيه الروح، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله حيي. فمره يفعل، اغتسل يغتسل.

فالواجب أن نصحح عقيدتنا، والحمد لله! ما منكم إلا وهو يعتقد عقيدة الإسلام، لكن فيها النقص والزيادة، ولهذا حصل الضعف، وسببه الجهل وعدم العلم، وما تعلمنا ولا سألنا.

واعلموا أن العقيدة الإسلامية تقوم على أركان ستة، عدوها: واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، أركان العقيدة الإسلامية ستة: أول الأركان: الإيمان بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله معبود سواه.

ثانياً: الإيمان بملائكته، بذلك العالم النوراني الذي فوق قدرة العقل البشري أن يدرك حقيقته.

ثالثاً: الإيمان بكتب الله التي أنزلها على رسله، الذين اصطفاهم وأوحى إليهم.

رابعاً: الإيمان بالرسل: جمع رسول، وقد علمنا أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وأما الأنبياء فمائة وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدة قوم طالوت، وعدة أهل بدر، ومنهم أولو العزم خمسة، ذكروا في آية واحدة من سورة الأحزاب، إذ قال تعالى: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7] .

وقال العلماء: الرسل الذين يجب أن يعرفهم كل مؤمن ومؤمنة عددهم خمسة وعشرون رسولاً، ثمانية عشر منهم في آية واحدة من سورة الأنعام، وسبعة مفرقون في القرآن، فيجب أن نعرف هذا.

وخامس الأركان، ما نحن الآن بصدده، ألا وهو: الإيمان بالدار الآخرة، ألا وهو الإيمان بالبعث الآخر، ألا وهو الإيمان بيوم القيامة، ألا وهو الإيمان بدار الجزاء على الكسب في هذه الدنيا.

تقدمت معنا لطيفة علمية رقيقة تساوي خمسين ألف ريال، وتأخذها أنت مجاناً، ونأسف أنك تنشغل عنها وتهملها: ما علة هذه الحياة، وما سر الحياة الثانية؟

اسأل الفلاسفة.. علماء الكون، علماء الطبيعة، علماء الذرة، علماء الطب، قل ما شئت، والله! لا يعرفون الجواب، ولا يجيبونك أبداً، يقولون: هاه لا أدري.

علة هذه الحياة الدنيا هي: أن يذكر الله تعالى فيها ويشكر. سله: لم خلقت هذه الحياة يا رب؟! يجيبك من أجل أن أذكر، وأشكر، وليس وراء ذلك شيء.

وإن قيل: ما البرهان؟ ما الدليل؟ فقل له: أما قال الله عز وجل في كتابه من سورة (والذاريات): وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]؟ فسر خلقه لهم أن يعبدوه. بماذا؟ بذكره وشكره، والذكر بالقلب واللسان، والشكر بالجوارح والأركان.

سل: علة هذه الحياة ما هي؟ أن يذكر الله ويشكر، الذكر والشكر، فلهذا من ذكر وشكر أكرمه وأسعده، ومن كفر ونسي أهلكه وأخزاه وأذله.

وما سر الحياة الثانية؟ لم وجدت؟ هذه وجدت من أجل أن يذكر الله فيها ويشكر، وتلك لم أوجدها؟ ما السر في وجودها، نريد أن نعرف؟ سر وجودها أن يجازي الله الذاكرين الشاكرين بالإنعام المقيم في دار السلام، ويجزي الكافرين الجاحدين الناسين بالعذاب المبين في دار البوار.. في النار، والله لهو هذا السر.

معشر المستمعين والمستمعات! هل هناك رغبة في أن نفهم هذا ونحتفظ به كعلم؟

ماذا تقولون؟ والله! لو ينشرح صدرك، ويقال لك: إن عالماً بجزر واق واق، أو بجبال تبت يعرف علة هذه الحياة وسر الدار الآخرة؛ لركبت دابتك إلى تلك الجبال لتعلم هذا!

والآن تعطاه بين يديك بدون رغبة، إذا خرجت من الدرس نسأل أحدكم: ما علة الحياة؟ يقول: ما أدري. أما كنت حاضراً؟ فيقول: كنت مشغولاً بذهني.

إذاً: علة هذه الحياة وهذا الوجود من أجل أن يذكر الله ويشكر، وهي العبادة بقوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .

وعلة الحياة الآخرة من أجل أن يجزي أهل هذه الدنيا، فالذاكرون الشاكرون يجزيهم بالنعيم المقيم في دار السلام، والتاركون الكافرون الناسون يجزيهم بالنار دار البوار والخزي والعار. والله! كما علمتم، إن شاء الله ما ننسى هذا، والذي عرف هذا يتهيأ لأن يذكر الله حقاً ويشكره، وهو فرح مسرور بما يلقاه في دار السلام من جزاء كريم من رب رحيم.

الإيمان بالدار الآخرة: هو الركن الخامس من أركان الإيمان الستة، فألفت النظر إلى أن أعظم الأركان تأثيراً في النفس الإيمان بالله وبالدار الآخرة، أما الإيمان بالملائكة، بالكتب، بالرسل، بالقضاء والقدر فليس بالقوة التي في الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، فلا يقوى على أن يشق طريقه إلى دار السلام فيفعل الأوامر وينتهي عن النواهي إلا من آمن حق الإيمان بالله، وآمن بالدار الآخرة، وأيقن أن الجزاء فيها. والدليل: كثيراً ما يقول تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النور:2] يأمر وينهى ويقول: افعلوا هذا أو اتركوا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر.

وأحياناً يقول: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، وحتى النساء في قضية الحيض والولادة يقول: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228].

فعلمنا أن أركان العقيدة الستة من بينها الركن الأول والخامس، هذان الركنان هما الطاقة الدافعة للعبد، إذا آمن حق الإيمان سهل عليه أن ينهض بكل الواجبات، وأن ينتهي عن كل المحرمات، الإيمان بالله واليوم الآخر.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ الفصل العاشر: الإيمان باليوم الآخر.

قال: يؤمن المسلم ] عرفتم المسلم من هو؟ نحن، كيف عرفنا أننا مسلمون؟ أسلمنا وجوهنا لله، فلا نرى إلا الله، وقلوبنا له فلا تتقلب أبداً إلا في طلب رضاه، أسلمنا لله أعز ما نملك: الوجه والقلب: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125] فالمسلم الحق الذي أسلم وجهه لله، فلا يرى إلهاً إلا الله، ولا يرهب ولا يخاف إلا الله، ولا يطمع ولا يرجو ولا يرغب إلا في الله، وأسلم قلبه لله، كلما تقلب القلب هو طالب لرضا الله عز وجل بفعل واجب أو بترك حرام، هذا هو المسلم.

[ يؤمن المسلم بأن لهذه الحياة الدنيا ساعة أخيرة تنتهي فيها ] والله العظيم! هذه الحياة الدنيا لها ساعة أخيرة تنتهي فيها. أما سبقها زمن لم تكن موجودة ؟ بلى. إذاً: فسوف تنتهي [ ويوماً آخر ليس بعده من يوم ] هو يوم القيامة، يوم واحد، ليس بعده يوم ثان، لا ينقضي أبداً، وحسبنا أن بعضه في عرصات القيامة مدته خمسون ألف سنة، واقرءوا من سورة (سأل سائل) قول الله تعالى فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج:4-5] إذ يوم القيامة لا ينتهي، فليس بعده فناء، بل حياة أبدية. فالدنيا كانت للعمل فقط، وليست للجزاء، فتنتهي ليعطي العاملون أجورهم جزاء بما كانوا يعملون [ ثم تأتي الحياة الثانية، واليوم الآخر للدار الآخرة، فيبعث الله سبحانه الخلائق بعثاً، ويحشرهم إليه جميعاً حشراً ليحاسبهم، فيجزي الأبرار بالنعيم المقيم في الجنة، ويجزي الفجار بالعذاب المهين في النار ] إذ هذا هو الجزاء [ وأنه يسبق هذا أشراط الساعة وأماراتها ] يؤمن المسلم بأنه يسبق هذا اليوم الأخير.. اليوم الآتي.. يوم القيامة تسبقه أشراط وعلامات تدل على قربه [ كخروج المسيح الدجال ] هذا الدجال الأعور يبتلي الله به البشرية للتمحيص والتحقيق، لتمييز الإيمان الصحيح والإيمان المزيف الكاذب، يبتلي الله به. فيقول لكم: أنزل لكم المطر فينزل، يحيي الميت فيحيا، وهذا ابتلاء. ونحن مأمورون بأن نستعيذ بالله من فتنته في كل صلاة: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) لأن فتنته لا فتنة أعظم منها [ ويأجوج ومأجوج ] وهذا عالم آخر، إذا تدفق على الأرض شرب ماءها والعياذ بالله [ ونزول عيسى عليه السلام ] من الملكوت الأعلى إلى الملكوت الأسفل. [ وخروج الدابة ] الدابة التي تخرج من صدع من جبل الصفا، كما أخبر بهذا رسول الله، وجبل الصفا كان صخوراً عالية، فكيف يخرج منها هذا المخلوق؟ والآن وجد الصدع، وتدخل الدابة وتخرج والسيارة أيضاً، فلا إله إلا الله! بيننا وبين الرسول ألف وأربعمائة سنة عندما قال: ( الدابة تخرج من صدع من جبل الصفا ) ومضت القرون وجبل الصفا جبل، من يستطيع أن يثقبه، والآن اخترق، وأصبح طريقاً من الصفا إلى نهاية مكة. إذاً: هذه آيات النبوة، الدابة تأتي من هناك.

وفتنة الدابة أنها تمتحن، قال تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] أي: لا توجد إلا في وقت يعم الكفر والعياذ بالله ، أما أهل الصلاح فكلهم يموتون [ وطلوع الشمس من مغربها ] تغرب الشمس من حيث تطلع.

وكثيراً ما أقرب المعنى للمستمعين والمستمعات، فأقول: طلوع الشمس من مغربها، الشمس دائرة في فلكها منذ أن خلقها الله عز وجل بنظام، باللحظة، تخرج من المشرق، وتغرب من المغرب، وتعود هكذا، فلما يختل نظامها تنعكس.. تخرج من الغرب؛ إيذاناً بقرب الهلاك والفناء.

ونضرب مثلاً: الدراجة التي يركبها الأولاد، إذا أدرتها بقوة تدور وتدور، فلما تتركها تتراجع إلى الوراء.. تفشل، فلما تفشل ترجع إلى الوراء، كذلك الشمس في فلكها. ومعنى هذا: إعلام بأن نهاية الحياة أوشكت، وإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، فالمؤمن مؤمن، والكافر كافر، البار بار، والفاجر فاجر، واقرءوا قول الله تعالى من سورة الأنعام: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] حتى يؤمنوا أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] هذه الآية أو العلامة إذا ظهرت انتهى كل شيء، فالمؤمن مؤمن، والكافر كافر، فلا توبة ولا تقبل التوبة [ وغير ذلك من الآيات ].

قال: [ثم ينفخ في الصور نفخة الفناء والصعق ] من الذي ينفخ؟ ملك اسمه: إسرافيل، موكل بأربع نفخات.

ما الصور؟ بوق. تعرفون أبواقاً قديمة للسيارات، وعند الذين يعلنون عن الأشياء في السوق بالبوق، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الزمر:68] إذ قالوا فيه الصور.

فينفخ في الصور نفخة الفناء التي يفنى فيها كل شيء في هذه الحياة الدنيا، فتتبخر الدنيا، وتصبح كلها سديماً وبخاراً، الكواكب، النجوم، الأفلاك، البحار، الكون كله سديماً وبخاراً. أي: كما كان قبل أن يوجده الله عز وجل. فهذه نفخة الفناء والموت والهلاك [ ثم نفخة البعث والنشور ] نفخة أخرى، وسيأتي بيان هذا مفصلاً إن شاء الله. نفخة البعث كما بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: لما يهدأ كل شيء، وتستقر الكائنات كلها، وتصبح الأرض بيضاء كخبز نقي، ينزل الله تبارك وتعالى من السماء ماء على تلك الأرض التي أصبحت أرضاً واحدة بيضاء نقية، فتنبت الخليقة كما ينبت البقل.. الثوم والبصل، والله العظيم ننبت! وما هي البذرة التي ننبت منها؟ إنها عجب الذنب، وهو عُظَيْم صغير يوجد في آخر خرزات الظهر، هذا العُظَيْم لا يفنى، تتبخر الحياة وهو في الهواء ويستقر، ومنه يركب الله تعالى الخلق من جديد، وننبت كما ينبت البقل.

ثم ينفخ نفخة البعث فتنزل الأرواح وتدخل كل روح في جسمها، ولا تخطئ أبداً، فننبت كما ينبت البقل، تمتد أجزاؤنا.. عظامنا أرجلنا حتى يستوي خلقنا على صورة واحدة، فلما يتم ذلك الخلق تنزل الأرواح في نفخة إسرافيل فتدخل كل روح في جسمها، والله ما تخطئه أبداً -قولوا: آمنا بالله- فينفخ إسرافيل فإذا بنا قيام واقفون، ثم نحشر إلى ساحة فصل القضاء للحساب والجزاء [ والقيام لرب العالمين ] يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] يقومون من قبورهم.. من الأرض التي نبتوا فيها [ ثم تعطى الكتب، فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله، ويوضع الميزان، ويجري الحساب، وينصب الصراط، وينتهي الموقف الأعظم باستقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وذلك للأدلة النقلية والعقلية الآتية ].

[الأدلة النقلية]

أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في كتابه الكريم

[ أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في قوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27] ] هذا دليل الفناء، ونهاية الخليقة كُلُّ [الرحمن:26] من إنسان أو حيوان أو جان مَنْ عَلَيْهَا [الرحمن:26] أي: على الأرض فَانٍ [الرحمن:26] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27].

[ وفي قوله: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:34-35] ] وامتحاناً [ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ] للحساب والجزاء.

وقوله: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء:34] الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا توفاه الله أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] ] لا أبداً.

[ وفي قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن:7] ] والزعم معروف كزعامة الزعماء، القول الكاذب.[ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] ] ما هو بالصعب أبداً. [ وفي قوله: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6] ] يقومون له لماذا؟ ليحاسبهم ويجزيهم على عملهم في هذه الدنيا.

[ وفي قوله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ] والسعير أي: النار، لماذا فريق الجنة دخل الجنة؟ لأنه آمن وعمل صالحاً في الدنيا، والثاني كفر وعمل الشر والفساد في النار، عدل الله عز وجل [ وفي قوله تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] ] تعرفون الزلزال؟ فيه صور صغيرة في الدنيا، شاهدها الناس، البلاد تنقلب على رأسها. [ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:2-4] ] بنفسها [ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:5-8] ] لطيفة علمية خذوها: قبل هذه الصناعات والآلات والاختراعات كان أهل القرآن يفهمون: لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6] ليروا جزاء أعمالهم، لكن الآن دلت على أنك إن كنت تصلي حول المحراب ترى نفسك أمامك تصلي في المحراب، وإذا مددت يدك لتخون مؤمناً وتستخرج نقوده من جيبه، والله ترى نفسك هكذا. لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6] الخير والشر. فهمتهم هذه؟ الآن قد يأخذ صورة لمجلسنا هذا، ويعرضها في التلفاز في لندن يشاهدونكم، أليس كذلك؟ فسبحان الله! ليرى الإنسان عمله حتى ما ينكر بعينك انظر، ما أنت هو؟ وأنت راكع، أو ساجد، أو سارق، أو كاذب. [ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ يره [الزلزلة:7] ] وزن مثقال ذرة من خير [ يره [الزلزلة:7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8] ] ويجزى به إما بالنعيم المقيم، وإما بالعذاب الأليم. [ وفي قوله لا إله إلا هو: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] . وفي قوله جل جلاله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] ] هذا شاهد الدابة. [ وفي قوله: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:96-97] . وفي قوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزخرف:57-60] ] ( وإنه لَعَلَمٌ للساعة ) هذه الآية الطويلة فيها شاهد أن عيسى من علامات الساعة، إذا نزل عيسى احلف بالله قد قامت القيامة. [ وإنه لَعَلَمٌ للساعة فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:61]. وقوله سبحانه وتعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:68-70] . وفي قوله عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]. وفي قوله سبحانه وتعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:13-24] ] هذه. [ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32] ] لماذا؟ [ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الحاقة:33-34]. وفي قوله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:68-72] ] هذه خلاصة آيات القرآن في الإيمان باليوم الآخر، نكتفي بهذا ونؤجل الأحاديث ليتسع الوقت، ونجيب على أسئلة المستمعين.

[ أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في قوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27] ] هذا دليل الفناء، ونهاية الخليقة كُلُّ [الرحمن:26] من إنسان أو حيوان أو جان مَنْ عَلَيْهَا [الرحمن:26] أي: على الأرض فَانٍ [الرحمن:26] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27].

[ وفي قوله: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:34-35] ] وامتحاناً [ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ] للحساب والجزاء.

وقوله: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء:34] الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا توفاه الله أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] ] لا أبداً.

[ وفي قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن:7] ] والزعم معروف كزعامة الزعماء، القول الكاذب.[ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] ] ما هو بالصعب أبداً. [ وفي قوله: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6] ] يقومون له لماذا؟ ليحاسبهم ويجزيهم على عملهم في هذه الدنيا.

[ وفي قوله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ] والسعير أي: النار، لماذا فريق الجنة دخل الجنة؟ لأنه آمن وعمل صالحاً في الدنيا، والثاني كفر وعمل الشر والفساد في النار، عدل الله عز وجل [ وفي قوله تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] ] تعرفون الزلزال؟ فيه صور صغيرة في الدنيا، شاهدها الناس، البلاد تنقلب على رأسها. [ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:2-4] ] بنفسها [ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:5-8] ] لطيفة علمية خذوها: قبل هذه الصناعات والآلات والاختراعات كان أهل القرآن يفهمون: لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6] ليروا جزاء أعمالهم، لكن الآن دلت على أنك إن كنت تصلي حول المحراب ترى نفسك أمامك تصلي في المحراب، وإذا مددت يدك لتخون مؤمناً وتستخرج نقوده من جيبه، والله ترى نفسك هكذا. لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6] الخير والشر. فهمتهم هذه؟ الآن قد يأخذ صورة لمجلسنا هذا، ويعرضها في التلفاز في لندن يشاهدونكم، أليس كذلك؟ فسبحان الله! ليرى الإنسان عمله حتى ما ينكر بعينك انظر، ما أنت هو؟ وأنت راكع، أو ساجد، أو سارق، أو كاذب. [ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ يره [الزلزلة:7] ] وزن مثقال ذرة من خير [ يره [الزلزلة:7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8] ] ويجزى به إما بالنعيم المقيم، وإما بالعذاب الأليم. [ وفي قوله لا إله إلا هو: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] . وفي قوله جل جلاله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] ] هذا شاهد الدابة. [ وفي قوله: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:96-97] . وفي قوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزخرف:57-60] ] ( وإنه لَعَلَمٌ للساعة ) هذه الآية الطويلة فيها شاهد أن عيسى من علامات الساعة، إذا نزل عيسى احلف بالله قد قامت القيامة. [ وإنه لَعَلَمٌ للساعة فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:61]. وقوله سبحانه وتعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:68-70] . وفي قوله عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]. وفي قوله سبحانه وتعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:13-24] ] هذه. [ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32] ] لماذا؟ [ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الحاقة:33-34]. وفي قوله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:68-72] ] هذه خلاصة آيات القرآن في الإيمان باليوم الآخر، نكتفي بهذا ونؤجل الأحاديث ليتسع الوقت، ونجيب على أسئلة المستمعين.