سلسلة منهاج المسلم - (13)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم، ندرس كتاب (منهاج المسلم)، وقد انتهى بنا الدرس إلى الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات ما علمناه وتكرر عندنا، وأصبح من الضرورة لدينا، وهو: أن العقيدة الإسلامية الصحيحة الخالية من الزيادة والنقصان بمثابة الروح، والأبدان تحيا بأرواحها. هل رأيتم ميتاً فيه روح؟

الأبدان تحيا بالأرواح، والأرواح تحيا بالإيمان الصحيح؛ فلهذا المؤمن الصحيح الإيمان السليم العقيدة اعتبروه حياً بينكم، يسمع نداءكم ويجيب، يعطي ويأخذ، يذهب ويجيء؛ وذلك لكمال حياته.

والذي فقد العقيدة الإسلامية، وكان كافراً بها وجاحداً ولا يعرفها فهو بمثابة الميت، يدعى فلا يجيب، ينادى فلا يسمع، يؤمر فلا يطيع؛ وذلك لموته.

والدليل القطعي: هو أن أهل الذمة من اليهود والنصارى إذا كانوا يعيشون معنا في ديارنا الإسلامية، وأعلن عن دخول رمضان، فهل نأمرهم بالصيام؟ الجواب: لا.

إذا حان وقت الزكاة وأعلنا، فهل نأخذ من أهل الذمة زكاة، أو نأمرهم بزكاة؟

إذا نادى منادي الصلاة: أن حي على الصلاة، واليهودي جالس أو النصراني فهل نقول له: قم صلّ. أجب النداء؟ الجواب: لا. ما السر؟

هو أنهم بمنزلة الأموات، روح الإيمان ليست عندهم، فلا يسمعون ولا يبصرون، ولا يجيبون ولا يعطون؛ لأنهم كفار بمعنى: أموات.

إذاً: العقيدة الإسلامية الصحيحة صاحبها -أو صاحبتها- حي يسمع ويجيب؛ ولهذا يقوم بما أوجب الله عليه، وينتهي عما نهاه الله عنه، ويسمع الموعظة والنداء ويجيب؛ وذلك لكمال حياته، وفاقد العقيدة ميت لا يؤمر ولا ينهى، ولا يجاب ولا يسأل.

وإذا كانت العقيدة الإسلامية مخلخلة مهلهلة ليست سليمة، ما تلقاها أصحابها عن وحي الله وهدي رسوله، فيها الزيادة وفيها النقصان؛ فأهلها كالمرضى، فالمريض أحياناً يقوم وأحياناً لا يقوم، أحياناً يجيب إذا دعوته، وأحياناً لا يجيب لمرضه، فضعف العقيدة بعدم فهمها أو بما داخلها من زيادة أو نقصان؛ أصحابها مرضى لا يقوون ولا يقدرون على أن ينهضوا بالواجبات التي أوجب الله، ولا عن أن ينتهوا ويتنحوا عما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وإليكم برهاناً قاطعاً: تشاهد إخوانك في قريتك.. في بلدك؛ فتجد أعلمهم بالله عز وجل وأعرفهم به: أتقى أهل القرية أو المدينة، ومعنى (أتقى): أتقاهم لله، فلا شر منهم يوجد، ولا باطل ولا فساد؛ وذلك لكمال حياتهم.

والله يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، أي: العارفون بالله عز وجل، وبمحابه ومكارهه، العارفون بشرعه وما يحويه من هدى ونور، هؤلاء هم أتقى الناس لله عز وجل، وعلة ذلك: علمهم؛ ولذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.

هذه العقيدة الإسلامية -معشر المستمعين والمستمعات- مبناها الذي تقوم عليه: ستة أركان، فيجب أن تعلم هذه الأركان الستة بالضرورة، فبعد أن تصدق تصديقًا جازماً قاطعاً أنه لا إله إلا الله، اعلم أن أركان العقيدة هي الإيمان بالله، ثم الإيمان بملائكته، ثم الإيمان بكتبه، ثم الإيمان برسله، ثم الإيمان باليوم الآخر، ثم الإيمان بالقضاء والقدر.

هذه ستة أركان، إذا سقط ركن منها انهار البناء وسقط، ولو أن المرء يقول: أنا لا أؤمن فقط بالبعث الآخر لحكم المسلمون بكفره، ولو قال: أنا آمنت بالله ولقائه إلا أنني لا أؤمن بالقضاء والقدر الإلهي حكم المسلمين بكفره وسقط، وليس بالمؤمن.

ولو آمن برسل الله كلهم ثلاثمائة وأربعة عشر، وقال: أستثني عيسى لا أؤمن به، أو محمد بن عبد الله لا أصدق به؛ حكم المسلمون بكفره ولم يكن مؤمناً.. مات.. العقيدة تهلهلت ..سقطت.. أصبح ميتاً.

فلهذا درسنا هذه الأركان، وانتهى بنا الدرس إلى الركن الرابع: الإيمان بالرسل.

وعرفنا موجزاً لذلك، وهو: أن الرسل الذين أرسلهم الله إلى الأمم يحملون رسالة الله لإبلاغها إياهم؛ لأجل هدايتهم وليسعدوا ويكملوا، وهم ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أما الأنبياء فهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ولسنا مأمورين بحفظ أسمائهم أو بيان معرفتها، وإنما الذين ينبغي أن نحفظ أسماءهم وأن تكون معلومة عندنا خمسة وعشرون رسولاً، من بينهم أهل العزم الخمسة، هذه المجموعة من رسل الله جاء منها ثمانية عشر رسولاً في آية من سورة الأنعام: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ .. [الأنعام:83]، تجد ثمانية عشر رسولاً، ويبقى سبعة موزعون في القرآن فاحفظهم واعلمهم.

وأولو العزم خمسة جاء ذكرهم في سورة الأحزاب، إذ قال تعالى: مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]، (منك) هذا الضمير الكاف للمخاطب، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك على الترتيب: نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، فمحمد أفضلهم؛ لأنه ذكر أولهم، وبالترتيب الآتي: مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7].

إذاً: آمنا بالرسل بهذا الإجمال، ثم أخذنا نؤمن برسولنا، ونذكر الأدلة القطعية الدالة على رسالته، وأنه قطعاً رسول الله أرسله إلى الناس كافة.

قال:[الأدلة النقلية] الأدلة التي تقرر الحقائق وتثبتها تكون نقلية وتكون عقلية، فالنقلية: هي المنقولة عن فلان وفلان وفلان، والعقلية: هي التي يقبلها العقل ويقرها، أو لا يثبتها وينفيها.

فالأدلة النقلية: شهادة الله عز وجل وملائكته لمحمد بن عبد الله بأنه رسول الله.. بعد هذا تطلب دليلاً؟!

قال تعالى من سورة النساء: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:166].

وقول الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح:29]، هذا الخبر خبر من؟ خبر الله. أيكذب الله فيقول: (رسول الله) وليس برسول الله؟! حاشا وكلا!!

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29]، وفي آيات كثيرة: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [البقرة:119].

فشهادة القرآن الكريم -وما أعظمها وأجلها- تقرر نبوة محمد ورسالته صلى الله عليه وسلم، ثم التوراة والإنجيل، وقد استمعنا إلى آيات الله في التوراة والإنجيل وهي تقرر النبوة المحمدية وتثبتها، وانتهينا من الأدلة النقلية.

قال: [ الأدلة العقلية] فهيا بنا نستخدم عقولنا وسنجد أن محمداً لا يكون إلا رسول الله، وكل من يكذبه أحمق مجنون لا قيمة له ولا عقل له، فباسم الله:

الدليل الأول: إرسال الله للمرسلين والأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم

[ أولاً: ما المانع من أن يرسل الله محمداً رسولاً ] أي شيء يمنع؟ أرسل رسلاً من قبله لِمَ يمنع؟ عقلاً ما يمنع. فكيف نكذب؟ [ وقد أرسل من قبله مئات المرسلين، وبعث آلاف الأنبياء؟ ] كيف إذاً تنكر رسالة محمد، وينفيها يهودي أو صليبي أو مجوسي؟ بأي حق وبأي منطق؟ [ وإذا كان لا مانع من ذلك عقلاً ولا شرعاً فبأي وجه تنكر رسالته، وتكفر نبوته إلى عموم الناس؟ ] بأي دليل أو بأي وجه؟

الدليل الثاني: أن الظروف التي اكتنفت بعثته كانت تتطلب رسالة سماوية

[ ثانياً: الظروف التي اكتنفت بعثته وأحاطت بها عليه الصلاة والسلام؛ كانت تتطلب رسالة سماوية ورسولاً يجدد للبشرية عهد معرفتها بخالقها عز وجل ] إذ البشرية هبطت.. عمها الشرك والكفر، وما أصبح من يعرف الله إلا القليل النادر، وهذه الحال تقتضي أن يرسل الله رسولاً من جديد.

يا عقلاء! أليس العقل يأمر بهذا؟ فسدت البلاد كلها.. ما تحتاج إلى من يصلح؟ تحتاج بالضرورة، وقد فسدت البشرية عربها وعجمها، واختلط أمر دينها، وأصبحت وثنية وشركاً وباطلاً؛ فاقتضى الحال إذاً إرسال رسول إلى البشرية من جديد. العقل يقول بهذا أم لا؟

الدليل الثالث: انتشار الإسلام بسرعة في أنحاء العالم وقبول الناس له وإيثاره على غيره من الأديان

[ ثالثاً: انتشار الإسلام بسرعة في أنحاء العالم وأقطار شتى في أنحاء المعمورة وقبول الناس له، وإيثاره على غيره من الأديان دليل قاطع على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ] (25) سنة فقط وصل الإسلام إلى ما وراء نهر السند ووصل إلى الأندلس، هات دعوة أنت وانشرها (50) سنة إذا اتبعك الناس، (25) سنة ينتشر، لو لم يكن رسولاً حقاً ودينه ليس ديناً حقاً فلا يقبل أبداً ولا تقبله البشرية. هذا دليل عقلي.

الدليل الرابع: صحة المبادئ التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقها وصلاحيتها

[ رابعاً: صحة المبادئ التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقها وصلاحيتها، وظهور نتائجها طيبة مباركة، هذه تشهد أنها من عند الله تعالى، وأن صاحبها رسول الله ونبيه].

الدليل الخامس: ما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات والخوارق

[ خامساً: ما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات والخوارق التي يحيل العقل صدورها على يد غير نبي ورسول ].

[ أولاً: ما المانع من أن يرسل الله محمداً رسولاً ] أي شيء يمنع؟ أرسل رسلاً من قبله لِمَ يمنع؟ عقلاً ما يمنع. فكيف نكذب؟ [ وقد أرسل من قبله مئات المرسلين، وبعث آلاف الأنبياء؟ ] كيف إذاً تنكر رسالة محمد، وينفيها يهودي أو صليبي أو مجوسي؟ بأي حق وبأي منطق؟ [ وإذا كان لا مانع من ذلك عقلاً ولا شرعاً فبأي وجه تنكر رسالته، وتكفر نبوته إلى عموم الناس؟ ] بأي دليل أو بأي وجه؟

[ ثانياً: الظروف التي اكتنفت بعثته وأحاطت بها عليه الصلاة والسلام؛ كانت تتطلب رسالة سماوية ورسولاً يجدد للبشرية عهد معرفتها بخالقها عز وجل ] إذ البشرية هبطت.. عمها الشرك والكفر، وما أصبح من يعرف الله إلا القليل النادر، وهذه الحال تقتضي أن يرسل الله رسولاً من جديد.

يا عقلاء! أليس العقل يأمر بهذا؟ فسدت البلاد كلها.. ما تحتاج إلى من يصلح؟ تحتاج بالضرورة، وقد فسدت البشرية عربها وعجمها، واختلط أمر دينها، وأصبحت وثنية وشركاً وباطلاً؛ فاقتضى الحال إذاً إرسال رسول إلى البشرية من جديد. العقل يقول بهذا أم لا؟

[ ثالثاً: انتشار الإسلام بسرعة في أنحاء العالم وأقطار شتى في أنحاء المعمورة وقبول الناس له، وإيثاره على غيره من الأديان دليل قاطع على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ] (25) سنة فقط وصل الإسلام إلى ما وراء نهر السند ووصل إلى الأندلس، هات دعوة أنت وانشرها (50) سنة إذا اتبعك الناس، (25) سنة ينتشر، لو لم يكن رسولاً حقاً ودينه ليس ديناً حقاً فلا يقبل أبداً ولا تقبله البشرية. هذا دليل عقلي.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4156 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4082 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3869 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3863 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3834 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3823 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3748 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3646 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3633 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3607 استماع