شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

وهذه ليلة الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة من سنة 1422 للهجرة، وعندنا في هذا اليوم باب صفة الحج، والغالب في أوصاف الحج أنها سهلة؛ لأنها حكاية لما يقع ويجري من الحاج على وفق ما جاءت به سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا تكثر فيها المسائل والآراء.

والمصنف رحمه الله عقد كغيره من الفقهاء هذا الباب وقسمه إلى قسمين:

الأول: صفة الحج.

والثاني: ما يفعله بعد الحل.

سبب التسمية بيوم التروية

قال المصنف رحمه الله: [إذا كان يوم التروية فمن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات ] يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة باتفاق العلماء، وسمي بهذا الاسم إما لأنهم كانوا يروون الماء قبل أن توجد المياه وتنتشر بينهم، أو يروون إبلهم، وهذا هو الأقرب، وقيل غير ذلك، قال بعضهم: سمي يوم التروية؛ لأن إبراهيم عليه السلام أوري ليلة إذ أنه يذبح ابنه، فلما أصبح صار يروي الرؤيا لنفسه أهي رؤيا أم حديث نفس، فلما كان من الليلة الثانية أريه، فلما أصبح عرف أنها حقيقة، فسمي هذا يوم التروية، وسمي ذاك يوم عرفة . وقيل: لأن الإمام يروي لهم أحكام الحج. هذا لا يهم كثيراً؛ المهم أن يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وفي هذا اليوم يحرم الحجاج.

الخروج إلى عرفات مروراً بمنى

قال: [فمن كان حلالاً] يعني: قد أحل من عمرته، كالمتمتع مثلاً، فإنه قد أحرم بالعمرة ثم أداها، ثم حل، وصار حلالاً إلى أن يحرم بالحج في اليوم الثامن، في يوم التروية. أو كان لم يحرم أصلاً كالمكي -مثلاً- المقيم بـمكة، فكل هؤلاء يدخلون تحت قوله: [فمن كان حلالاً أحرم من مكة ].

[وخرج إلى عرفات ] وقد ذكرنا فيما يتعلق بـعرفات أنها سميت بذلك إما لأن إبراهيم عرف، أو لأن جبريل أرى النبي صلى الله عليه وسلم المناسك وعرَّفه إياها، أو لأن آدم عرف حواء، أيضاً أقوال ليس لها كبير أهمية.

إذاً: السنة أن يخرج الناس إلى عرفات يوم التروية على ظاهر كلام المصنف، وليس هذا هو مقصوده، والله أعلم وإنما مقصوده أن يخرجوا من مكة؛ لأنه يتصور أن الحجاج كانوا بمكة، فإذا كان يوم الثامن أحرموا من مكة ثم خرجوا إلى عرفات، لكن في خروجهم إلى عرفات يمرون بمنى، ويمكثون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يصلون كل صلاة في وقتها مقصورة بالنسبة للمسافرين، ثم يدفعون من عرفات من الغد، ولكن أصل انطلاقهم من مكة كأنهم انطلقوا إلى عرفات ؛ ولذلك المصنف قال: [وخرج إلى عرفات ]، وهذا الكلام قد لا يخلو من شيء من الإيهام.

وهذا الذي جاء في حديث جابر المشهور، فإنه قال: ( فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: إلى منى - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث بها حتى طلعت الشمس ثم دفع إلى عرفة )، وهذا دليل على مشروعية ذلك؛ أن يحرم بـمكة يوم التروية .. من كان بـمكة يحرم بها، ومن كان بمنى يحرم بها أيضاً، ثم يصلي بها الأوقات الخمسة، ثم يجلس بها إلى ما بعد طلوع الشمس من يوم عرفة، ثم يدفع إلى عرفة، وهذا أيضاً الذي قاله أنس بن مالك لما سئل عن ماذا عقله من النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أين صلى الظهر يوم التروية؟ فقال رضي الله عنه: صلى عليه الصلاة والسلام بمنى. قيل: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بـالأبطح)، يعني: آخر أيام التشريق.

ثم -كما ذكرنا- من كان مقيماً وهذا فيما يتعلق بالحال، سواء كان متمتعاً حل من عمرته، أو كان مكياً مقيماً بـمكة لم يحرم إلا بالحج.

لكن من كان مقيماً على إحرامه مثل من؟ مثل القارن والمفرد، وأيضاً مثل المتمتع إذا ساق الهدي، فإنه يخرج إلى منى -كما ذكرت- يخرج وهو محرم في الأصل ولا يحتاج إلى تجديد إحرامه.

أما من كان منهم حلالاً فهم المتمتعون وقد ذكرنا حالهم، وأنهم يحرمون في اليوم الثامن، وهو فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة، وقصروا ثم أقيموا حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج )، وهذا الحديث متفق عليه.

إهلال أهل مكة يوم التروية

وأما بالنسبة لأهل مكة فالجمهور أيضاً على أن أمرهم مثل أمر غيرهم، أنهم يهلون يوم التروية. وقيل: إنهم يحرمون قبل ذلك كما جاء عن ابن عمر وغيره أنه كان يقول: (يا أهل مكة! ما للناس يقدمون شعثاً غبراً، وتقدمون أنتم في زينتكم) أو نحو ذلك، وأمرهم أن يحرموا من هلال ذي الحجة -من هلال الشهر-، وهذا قول عن مالك رحمه الله، لكن ما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح؛ أن أهل مكة شأنهم في ذلك شأن من كان أحرم ثم حل، يهلون في اليوم الثامن في يوم التروية.

وهذا الاستحباب -في الإهلال يوم التروية-: لا يفرق فيه بين من وجد الهدي ومن لم يجد الهدي؛ لأننا نعرف أن من لم يجد الهدي ماذا عليه؟ أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. فهل نقول: إن من لم يجد الهدي يقدم الإحرام حتى يصوم الأيام الثلاثة -يعني: يوم عرفة ويومين قبلها السابع والثامن والتاسع مثلاً- يصومها في الحج، ويجعل الباقي إذا رجع إلى أهله، هل نقول: يقدم الإحرام من أجل أن يصوم؟ هذا قال به بعض الفقهاء من الحنابلة والشافعية وغيرهم. لكن الصواب أن ذلك ليس بمشروع، بل بعضهم قال: يقدمه يومين كما ذكر عن أبي الوفاء بن عقيل أو غيره لو صام السابع والسادس -يعني: يحرم- لأنهم قالوا: ينبغي أن يكون صيامه في إحرام، يصوم وهو محرم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة:196]، ولكن هذا القول ليس عليه دليل؛ لأننا نعلم بالقطع واليقين أن كثيراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن معهم هدي وكانوا متمتعين، وعليه فهم سوف يصومون ثلاثة أيام في الحج، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً منهم أن يحرم قبل يوم التروية، فدل ذلك على أن الأمر واسع، وأنه بإمكانهم أن يصوموا حتى ولو كانوا غير محرمين.

الاختلاف في تحديد وقت الإحرام يوم التروية

بالنسبة ليوم التروية؛ ما هو السنة فيه: هل يحرم قبل الزوال أو بعد الزوال؟

هما قولان للعلماء، وروايتان في مذهب الإمام أحمد أصحهما أنه يحرم عقب الزوال، وهذا هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر قال: ( أمرنا عشية عرفة أن نحرم بالحج )، والعشية أو العشي إنما يطلق على ماذا؟ على ما بعد الزوال، وما قبله يسمى الغداة، كما في القرآن الكريم: بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52]، فالغداة ما قبل الزوال، والعشي هو ما بعد الزوال.

إحرام أهل مكة

من أين يحرم؟

قلنا: يحرم من مكة، وهذا هو قول الجمهور، وعندنا دليل يتكرر كثيراً في مشروعية الإحرام من مكة وهو: ( حتى أهل مكة يهلون من مكة ) حديث ابن عمر في ذكر المواقيت، قال في آخره: ( حتى أهل مكة ) يعني: من كان دون ذلك -يعني: دون المواقيت- ( فمهله من حيث أنشأ ) يعني: من حيث نوى أو عقد نية الإحرام.

( حتى أهل مكة يهلون من مكة )، وخرج من هذا ماذا؟ العمرة .. خرجت العمرة في قول غالب العلماء، وحكاه بعضهم إجماعاً؛ أن المعتمر إذا أراد العمرة يحرم من ماذا؟ من الحل، من التنعيم أو الجعرانة أو أي مكان آخر أو من عرفة، المهم يحرم بالعمرة من الحل.

لكن بالنسبة للحج، قالوا: لا، الأصل أنه في الحج يحرم من مكة .

طيب! من أي مكة ؟

قال كثير من الحنابلة والمالكية والشافعية: يحرم من المسجد، والصواب في ذلك أنه يحرم من بيته أو من حيث تيسر؛ لأنه لم يرد في ذلك سنة خاصة، بل حديث جابر : (أنهم لما جعلوا مكة منهم بظهر أحرموا بـالأبطح)، معنى ذلك: أنهم لم يحرموا في المسجد الحرام.

وبناء عليه نقول: يحرم من حيث هو، يحرم في بيته الذي هو فيه أو في فندقه أو في مكانه، أياً كان.

وقال بعضهم أيضاً: إنه إذا أحرم يذهب ليطوف بالبيت، وسموا هذا الطواف طواف الوداع -وداع مكة - وليس وداع الحج، وهذا أيضاً ليس عليه دليل وليس من السنة على الأصح أنه يطوف للوداع إذا أراد الخروج من مكة ؛ ولذلك قال الزبير بن عربي : [ قلت لـابن عمر : يا أبا عبد الرحمن ! من أين أهل يوم التروية ومتى أهل؟ قال: من حيث شئت ومتى شئت ]، يعني: قبل الزوال أو بعده، في بيتك أو في المسجد أو فيما شاء الله تعالى، وهكذا جاء عن جابر كما ذكرنا وابن عباس .

ثم يبيتون بمنى -كما ذكرنا- حتى تطلع الشمس وتشرق؛ ولذلك نقول: لا يشرع لهم ولا يستحب لهم التعجل إلى عرفة، فالذين يذهبون -مثلاً- في الليل إلى عرفة أو يذهبون قبل طلوع الشمس، نقول: خالفوا السنة وليس عليهم شيء.

قال المصنف رحمه الله: [إذا كان يوم التروية فمن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات ] يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة باتفاق العلماء، وسمي بهذا الاسم إما لأنهم كانوا يروون الماء قبل أن توجد المياه وتنتشر بينهم، أو يروون إبلهم، وهذا هو الأقرب، وقيل غير ذلك، قال بعضهم: سمي يوم التروية؛ لأن إبراهيم عليه السلام أوري ليلة إذ أنه يذبح ابنه، فلما أصبح صار يروي الرؤيا لنفسه أهي رؤيا أم حديث نفس، فلما كان من الليلة الثانية أريه، فلما أصبح عرف أنها حقيقة، فسمي هذا يوم التروية، وسمي ذاك يوم عرفة . وقيل: لأن الإمام يروي لهم أحكام الحج. هذا لا يهم كثيراً؛ المهم أن يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وفي هذا اليوم يحرم الحجاج.

قال: [فمن كان حلالاً] يعني: قد أحل من عمرته، كالمتمتع مثلاً، فإنه قد أحرم بالعمرة ثم أداها، ثم حل، وصار حلالاً إلى أن يحرم بالحج في اليوم الثامن، في يوم التروية. أو كان لم يحرم أصلاً كالمكي -مثلاً- المقيم بـمكة، فكل هؤلاء يدخلون تحت قوله: [فمن كان حلالاً أحرم من مكة ].

[وخرج إلى عرفات ] وقد ذكرنا فيما يتعلق بـعرفات أنها سميت بذلك إما لأن إبراهيم عرف، أو لأن جبريل أرى النبي صلى الله عليه وسلم المناسك وعرَّفه إياها، أو لأن آدم عرف حواء، أيضاً أقوال ليس لها كبير أهمية.

إذاً: السنة أن يخرج الناس إلى عرفات يوم التروية على ظاهر كلام المصنف، وليس هذا هو مقصوده، والله أعلم وإنما مقصوده أن يخرجوا من مكة؛ لأنه يتصور أن الحجاج كانوا بمكة، فإذا كان يوم الثامن أحرموا من مكة ثم خرجوا إلى عرفات، لكن في خروجهم إلى عرفات يمرون بمنى، ويمكثون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يصلون كل صلاة في وقتها مقصورة بالنسبة للمسافرين، ثم يدفعون من عرفات من الغد، ولكن أصل انطلاقهم من مكة كأنهم انطلقوا إلى عرفات ؛ ولذلك المصنف قال: [وخرج إلى عرفات ]، وهذا الكلام قد لا يخلو من شيء من الإيهام.

وهذا الذي جاء في حديث جابر المشهور، فإنه قال: ( فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: إلى منى - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث بها حتى طلعت الشمس ثم دفع إلى عرفة )، وهذا دليل على مشروعية ذلك؛ أن يحرم بـمكة يوم التروية .. من كان بـمكة يحرم بها، ومن كان بمنى يحرم بها أيضاً، ثم يصلي بها الأوقات الخمسة، ثم يجلس بها إلى ما بعد طلوع الشمس من يوم عرفة، ثم يدفع إلى عرفة، وهذا أيضاً الذي قاله أنس بن مالك لما سئل عن ماذا عقله من النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أين صلى الظهر يوم التروية؟ فقال رضي الله عنه: صلى عليه الصلاة والسلام بمنى. قيل: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بـالأبطح)، يعني: آخر أيام التشريق.

ثم -كما ذكرنا- من كان مقيماً وهذا فيما يتعلق بالحال، سواء كان متمتعاً حل من عمرته، أو كان مكياً مقيماً بـمكة لم يحرم إلا بالحج.

لكن من كان مقيماً على إحرامه مثل من؟ مثل القارن والمفرد، وأيضاً مثل المتمتع إذا ساق الهدي، فإنه يخرج إلى منى -كما ذكرت- يخرج وهو محرم في الأصل ولا يحتاج إلى تجديد إحرامه.

أما من كان منهم حلالاً فهم المتمتعون وقد ذكرنا حالهم، وأنهم يحرمون في اليوم الثامن، وهو فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة، وقصروا ثم أقيموا حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج )، وهذا الحديث متفق عليه.

وأما بالنسبة لأهل مكة فالجمهور أيضاً على أن أمرهم مثل أمر غيرهم، أنهم يهلون يوم التروية. وقيل: إنهم يحرمون قبل ذلك كما جاء عن ابن عمر وغيره أنه كان يقول: (يا أهل مكة! ما للناس يقدمون شعثاً غبراً، وتقدمون أنتم في زينتكم) أو نحو ذلك، وأمرهم أن يحرموا من هلال ذي الحجة -من هلال الشهر-، وهذا قول عن مالك رحمه الله، لكن ما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح؛ أن أهل مكة شأنهم في ذلك شأن من كان أحرم ثم حل، يهلون في اليوم الثامن في يوم التروية.

وهذا الاستحباب -في الإهلال يوم التروية-: لا يفرق فيه بين من وجد الهدي ومن لم يجد الهدي؛ لأننا نعرف أن من لم يجد الهدي ماذا عليه؟ أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. فهل نقول: إن من لم يجد الهدي يقدم الإحرام حتى يصوم الأيام الثلاثة -يعني: يوم عرفة ويومين قبلها السابع والثامن والتاسع مثلاً- يصومها في الحج، ويجعل الباقي إذا رجع إلى أهله، هل نقول: يقدم الإحرام من أجل أن يصوم؟ هذا قال به بعض الفقهاء من الحنابلة والشافعية وغيرهم. لكن الصواب أن ذلك ليس بمشروع، بل بعضهم قال: يقدمه يومين كما ذكر عن أبي الوفاء بن عقيل أو غيره لو صام السابع والسادس -يعني: يحرم- لأنهم قالوا: ينبغي أن يكون صيامه في إحرام، يصوم وهو محرم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة:196]، ولكن هذا القول ليس عليه دليل؛ لأننا نعلم بالقطع واليقين أن كثيراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن معهم هدي وكانوا متمتعين، وعليه فهم سوف يصومون ثلاثة أيام في الحج، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً منهم أن يحرم قبل يوم التروية، فدل ذلك على أن الأمر واسع، وأنه بإمكانهم أن يصوموا حتى ولو كانوا غير محرمين.

بالنسبة ليوم التروية؛ ما هو السنة فيه: هل يحرم قبل الزوال أو بعد الزوال؟

هما قولان للعلماء، وروايتان في مذهب الإمام أحمد أصحهما أنه يحرم عقب الزوال، وهذا هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر قال: ( أمرنا عشية عرفة أن نحرم بالحج )، والعشية أو العشي إنما يطلق على ماذا؟ على ما بعد الزوال، وما قبله يسمى الغداة، كما في القرآن الكريم: بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52]، فالغداة ما قبل الزوال، والعشي هو ما بعد الزوال.

من أين يحرم؟

قلنا: يحرم من مكة، وهذا هو قول الجمهور، وعندنا دليل يتكرر كثيراً في مشروعية الإحرام من مكة وهو: ( حتى أهل مكة يهلون من مكة ) حديث ابن عمر في ذكر المواقيت، قال في آخره: ( حتى أهل مكة ) يعني: من كان دون ذلك -يعني: دون المواقيت- ( فمهله من حيث أنشأ ) يعني: من حيث نوى أو عقد نية الإحرام.

( حتى أهل مكة يهلون من مكة )، وخرج من هذا ماذا؟ العمرة .. خرجت العمرة في قول غالب العلماء، وحكاه بعضهم إجماعاً؛ أن المعتمر إذا أراد العمرة يحرم من ماذا؟ من الحل، من التنعيم أو الجعرانة أو أي مكان آخر أو من عرفة، المهم يحرم بالعمرة من الحل.

لكن بالنسبة للحج، قالوا: لا، الأصل أنه في الحج يحرم من مكة .

طيب! من أي مكة ؟

قال كثير من الحنابلة والمالكية والشافعية: يحرم من المسجد، والصواب في ذلك أنه يحرم من بيته أو من حيث تيسر؛ لأنه لم يرد في ذلك سنة خاصة، بل حديث جابر : (أنهم لما جعلوا مكة منهم بظهر أحرموا بـالأبطح)، معنى ذلك: أنهم لم يحرموا في المسجد الحرام.

وبناء عليه نقول: يحرم من حيث هو، يحرم في بيته الذي هو فيه أو في فندقه أو في مكانه، أياً كان.

وقال بعضهم أيضاً: إنه إذا أحرم يذهب ليطوف بالبيت، وسموا هذا الطواف طواف الوداع -وداع مكة - وليس وداع الحج، وهذا أيضاً ليس عليه دليل وليس من السنة على الأصح أنه يطوف للوداع إذا أراد الخروج من مكة ؛ ولذلك قال الزبير بن عربي : [ قلت لـابن عمر : يا أبا عبد الرحمن ! من أين أهل يوم التروية ومتى أهل؟ قال: من حيث شئت ومتى شئت ]، يعني: قبل الزوال أو بعده، في بيتك أو في المسجد أو فيما شاء الله تعالى، وهكذا جاء عن جابر كما ذكرنا وابن عباس .

ثم يبيتون بمنى -كما ذكرنا- حتى تطلع الشمس وتشرق؛ ولذلك نقول: لا يشرع لهم ولا يستحب لهم التعجل إلى عرفة، فالذين يذهبون -مثلاً- في الليل إلى عرفة أو يذهبون قبل طلوع الشمس، نقول: خالفوا السنة وليس عليهم شيء.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3985 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3924 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3852 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3843 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3669 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3623 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3611 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3549 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3441 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب الوضوء -1 3386 استماع