شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين


الحلقة مفرغة

ثم قال رحمه الله تعالى: [ باب: المسح على الخفين.

يجوز المسح على الخفين وما أشبههما ]، المسح على الخفين من الرخص التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وهو من تيسير الله تعالى وتخفيفه على عباده.

مشروعية المسح على الخفين

قال المصنف في المسألة الأولى: (يجوز المسح على الخفين وما أشبههما)، قال الشارح: [من غير خلاف]، أي: أن المسح على الخفين جائز بالإجماع، وهذا ليس بجيد، فإن الخلاف في المسألة معروف عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وعند غيرهم من أهل العلم، وممن اشتهر عنه إنكار المسح على الخفين مطلقاً أو للمقيم الإمام مالك رحمه الله، فإنه قال في كتاب السر: سأقول قولاً لم أقله قبل ذلك علانية، ثم قال كلاماً مؤداه إنكار المسح على الخفين إما مطلقاً وإما للمقيم، ولذلك كان مشهوراً عند المالكية منع المسح على الخفين، أو منعه للمقيم خاصة وإباحته للمسافر، وإن كان كثير منهم ردوا ذلك على الإمام مالك للأدلة.

أما أهل البدع فقولهم في المسح على الخفين معروف.

وعلى كل حال فإن جماهير الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كانوا يقولون بالمسح على الخفين وكذلك التابعون، ولكن الخلاف فيه ثابت، ولهذا لما ألف الإمام أحمد رحمه الله كتابه في الأشربة وقيل له في مسألة التأليف أو الكتابة في المسح على الخفين، قال: هذا الخلاف فيه معروف بين الصحابة.

أدلة مشروعية المسح على الخفين

وإنما المسح على الخفين جائز عند جماهير المسلمين؛ وذلك لأدلة كثيرة مستفيضة أولها القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ في القراءة الثانية، فإن الأرجل حينئذ معطوفة على الرءوس: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، والرجل إنما تمسح إذا كانت مغطاة بالخف أو نحوه، أما إذا كانت مكشوفة ففرضها الغسل كما في القراءة الأخرى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6].

ومن أدلة المسح أيضاً الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مشروعية المسح على الخفين، وهي أحاديث كثيرة من أشهرها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ( أنه توضأ ومسح على خفيه، ثم قال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه )، وحديث جرير متفق عليه، وقد قال إبراهيم النخعي : كان يعجبهم هذا الحديث؛ يعني: حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول سورة المائدة، يعني: التي نزلت فيها آية الوضوء، فكان يعجبهم ذلك؛ لأن إسلام جرير كان متأخراً.

و قال الإمام أحمد : إن المسح على الخفين جاء عن سبع وثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرّج أحاديثهم جمع من الأئمة، ولعل من أكثر الأحاديث شمولاً لها الإمام ابن المنذر فإنه خرّج أحاديث سبع وعشرين من هؤلاء، بل قال الإمام الحسن البصري : سمعت المسح على الخفين من سبعين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك أحاديث علي رضي الله عنه والمغيرة بن شعبة وجرير وعمرو بن أمية الضمري وعمر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

مسألة: هل الأولى المسح على الخفين أم غسل القدمين؟

وقول المصنف رحمه الله تعالى: [ يجوز المسح على الخفين ] مشعر بأن المسح جائز فقط، وهذا فيه مسألة فرعية، وهي: هل الأولى المسح على الخفين أم الأولى غسل القدمين؟ أيهما أفضل أن يمسح على خفيه أو أن يغسل قدميه؟

قال بعض أهل العلم: الأولى أن يمسح على خفيه؛ لأن ذلك رخصة، ( والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ) كما في الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن، وهو حديث صحيح، ولأن في ذلك مخالفة لأهل البدع، وقال آخرون: الأولى غسل القدم؛ لأن ذلك هو الإجماع الثابت، ولأنه هو الذي نطقت به الآية، ولأنه هو الأصل. والصواب من ذلك ألا يتكلف ضد حاله، فإن كان لابساً للخف بشرطه فالأفضل في حقه حينئذ المسح، وإن كان خالعاً للخف فالأفضل في حقه الغسل، فلا يستحب له أن يتكلف خلع الخف ليغسل القدم، كما لا يستحب له أن يلبس الخف حتى يمسح عليه، بل ألا يتكلف ضد حاله التي هو عليها.

حكم المسح على الجوارب

قال: [وما أشبههما]، أي: ويجوز المسح على ما أشبههما [من الجوارب الصفيقة التي تثبت في القدمين]، فأما المسح على الجوارب، فأولاً: لأنه في معنى الخف، فإن الخف يمسح عليه سواء كان من جلد أو من غيره، والجوارب بمعنى ذلك فيمسح عليها.

وقد جاء المسح على الجوارب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث المغيرة بن شعبة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين )، فهذا نص في المسح على الجوارب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح على الجوربين والنعلين )، والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وقال الترمذي -وقد روى الحديث-: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، بل هو صحيح على شرط البخاري، وفيه دليل على جواز المسح على الجوارب كما يمسح على الخفاف.

قال المصنف في المسألة الأولى: (يجوز المسح على الخفين وما أشبههما)، قال الشارح: [من غير خلاف]، أي: أن المسح على الخفين جائز بالإجماع، وهذا ليس بجيد، فإن الخلاف في المسألة معروف عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وعند غيرهم من أهل العلم، وممن اشتهر عنه إنكار المسح على الخفين مطلقاً أو للمقيم الإمام مالك رحمه الله، فإنه قال في كتاب السر: سأقول قولاً لم أقله قبل ذلك علانية، ثم قال كلاماً مؤداه إنكار المسح على الخفين إما مطلقاً وإما للمقيم، ولذلك كان مشهوراً عند المالكية منع المسح على الخفين، أو منعه للمقيم خاصة وإباحته للمسافر، وإن كان كثير منهم ردوا ذلك على الإمام مالك للأدلة.

أما أهل البدع فقولهم في المسح على الخفين معروف.

وعلى كل حال فإن جماهير الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كانوا يقولون بالمسح على الخفين وكذلك التابعون، ولكن الخلاف فيه ثابت، ولهذا لما ألف الإمام أحمد رحمه الله كتابه في الأشربة وقيل له في مسألة التأليف أو الكتابة في المسح على الخفين، قال: هذا الخلاف فيه معروف بين الصحابة.

وإنما المسح على الخفين جائز عند جماهير المسلمين؛ وذلك لأدلة كثيرة مستفيضة أولها القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ في القراءة الثانية، فإن الأرجل حينئذ معطوفة على الرءوس: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، والرجل إنما تمسح إذا كانت مغطاة بالخف أو نحوه، أما إذا كانت مكشوفة ففرضها الغسل كما في القراءة الأخرى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6].

ومن أدلة المسح أيضاً الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مشروعية المسح على الخفين، وهي أحاديث كثيرة من أشهرها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ( أنه توضأ ومسح على خفيه، ثم قال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه )، وحديث جرير متفق عليه، وقد قال إبراهيم النخعي : كان يعجبهم هذا الحديث؛ يعني: حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول سورة المائدة، يعني: التي نزلت فيها آية الوضوء، فكان يعجبهم ذلك؛ لأن إسلام جرير كان متأخراً.

و قال الإمام أحمد : إن المسح على الخفين جاء عن سبع وثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرّج أحاديثهم جمع من الأئمة، ولعل من أكثر الأحاديث شمولاً لها الإمام ابن المنذر فإنه خرّج أحاديث سبع وعشرين من هؤلاء، بل قال الإمام الحسن البصري : سمعت المسح على الخفين من سبعين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك أحاديث علي رضي الله عنه والمغيرة بن شعبة وجرير وعمرو بن أمية الضمري وعمر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

وقول المصنف رحمه الله تعالى: [ يجوز المسح على الخفين ] مشعر بأن المسح جائز فقط، وهذا فيه مسألة فرعية، وهي: هل الأولى المسح على الخفين أم الأولى غسل القدمين؟ أيهما أفضل أن يمسح على خفيه أو أن يغسل قدميه؟

قال بعض أهل العلم: الأولى أن يمسح على خفيه؛ لأن ذلك رخصة، ( والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ) كما في الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن، وهو حديث صحيح، ولأن في ذلك مخالفة لأهل البدع، وقال آخرون: الأولى غسل القدم؛ لأن ذلك هو الإجماع الثابت، ولأنه هو الذي نطقت به الآية، ولأنه هو الأصل. والصواب من ذلك ألا يتكلف ضد حاله، فإن كان لابساً للخف بشرطه فالأفضل في حقه حينئذ المسح، وإن كان خالعاً للخف فالأفضل في حقه الغسل، فلا يستحب له أن يتكلف خلع الخف ليغسل القدم، كما لا يستحب له أن يلبس الخف حتى يمسح عليه، بل ألا يتكلف ضد حاله التي هو عليها.

قال: [وما أشبههما]، أي: ويجوز المسح على ما أشبههما [من الجوارب الصفيقة التي تثبت في القدمين]، فأما المسح على الجوارب، فأولاً: لأنه في معنى الخف، فإن الخف يمسح عليه سواء كان من جلد أو من غيره، والجوارب بمعنى ذلك فيمسح عليها.

وقد جاء المسح على الجوارب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث المغيرة بن شعبة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين )، فهذا نص في المسح على الجوارب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح على الجوربين والنعلين )، والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وقال الترمذي -وقد روى الحديث-: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، بل هو صحيح على شرط البخاري، وفيه دليل على جواز المسح على الجوارب كما يمسح على الخفاف.

قال: [ من الجوارب الصفيقة التي تثبت في القدمين ]، وذلك إشارة إلى شروط المسح على الخف، فإن الفقهاء رحمهم الله تعالى اشترطوا للمسح على الخف شروطاً، منها ما ذكره المصنف ومنها ما لم يذكره ومن الشروط التي ذكرها المصنف هنا:

أولاً: أن تكون الجوارب صفيقة. يعني: لا تكون شفافة.

ثانياً: أن تكون مغطية لموضع الفرض، ولهذا قال: [والجراميق التي تجاوز الكعبين].

ثالثاً: أن تثبت بنفسها على القدمين.

والواقع أنه لا يشترط شيء من ذلك على القول الراجح المعتمد؛ وذلك لأن كل ما سمي خفاً ولبسه الإنسان ومشى به جاز المسح عليه، وذلك لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة في المسح على الخفين مطلقاً، ومن المعلوم أن أحوالهم كانت مستورة آنذاك وكانوا فقراء، فكانوا يلبسون الجوارب والخفاف المخرقة والممزقة ويلفون اللفائف على أقدامهم، ويمسحون عليها، وكل ما سمي بالخف أو الجورب أو الجرموق أو الموق أو نحوها جاز المسح عليه، وكل ما كان بمعناه في أنه يلبس على القدم للبرد أو خوف الحفاء أو ما أشبه ذلك فإن الرخصة جدير وخليق أن تلحق به كما ألحقت بالخف من غير اشتراط شيء، ولذلك جاء في السنة ما يدل على هذا، فجاء في السنة مثلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ثوبان : ( أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين )، كما سوف يأتي، وهو حديث إسناده قوي كما قال الذهبي، وكذلك مسحت أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها على خمارها كما رواه ابن المنذر والخلال وسنده صحيح، وكذلك مسح أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو موسى الأشعري وعمر على القلانس على رءوسهم، ومسحوا على العمائم.. وغير ذلك، بل مسحوا على اللفائف التي يلفونها على أقدماهم، ومن المعلوم أن ذلك كله لا يخلو من خروق وبيان لبعض مواضع الفرض وما أشبه ذلك، فدل على أنه لا أصل لاشتراط هذه الأشياء كلها؛ بل ينبغي أن يتوسع ويتسامح في ذلك لأنه من باب الرخصة، ولو ظهر بعض موضع الفرض؛ لأن حجة الفقهاء أنهم يقولون: إذا ظهر بعض موضع الفرض فإنه حينئذ لابد من غسل الظاهر، فيكون الإنسان جمع بين الغسل والمسح، وهذا لا أصل له، فنقول: لا يوجد دليل على أن ما ظهر يجب غسله، بل ما ظهر لا يلزم غسله، لماذا؟ لأن المسح يجزئ عن الجميع، أرأيت المسح هل يلزم أن يستوعب الإنسان العضو كله بالمسح؟ هل يلزم أن يمسح الإنسان الخف كله مثلاً؟ كلا، بل يمسح ظاهر الخف كما سوف يأتي، ويجزئ المسح عن القدم كله.

إذاً: نقول: المسح ليس فقط عما أخفي، بل يكون المسح عن العضو كله، هذا فيما يتعلق بالشروط التي ذكرها المصنف وغيره في قوله: [ وما أشبههما من الجوارب الصفيقة التي تثبت في القدمين، والجراميق التي تجاوز الكعبين ].

والجراميق جمع جرموق، وهو الموق، الجرموق والموق بمعنى واحد، وقد جاء المسح على الجراميق أيضاً من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ( أنه سأل بلالاً عن وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، ثم أتيته بماء فتوضأ عليه الصلاة والسلام ومسح على عمامته وموقيه )، والموق هو الجرموق، فهما بمعنى واحد، ويقول العلماء: إنه أشبه ما يكون بالخف الصغير، ويقول بعضهم: إن الموق يلبس فوق الخف، وحديث بلال رضي الله عنه رواه أبو داود وأحمد في مسنده وقال الحافظ ابن حجر : إسناده حسن، فهو دليل على جواز المسح على الخفاف والجوارب والموق وما كان في معناها.

قال المصنف رحمه الله في المسألة الثالثة؛ لأن الثانية هي قوله: (والجراميق التي تجاوز الكعبين)، قال: [ في الطهارة الصغرى ]، هذه هي المسألة الثالثة. يعني: أن المسح في الطهارة الصغرى دون الكبرى، في الحدث الأصغر ولا يجوز المسح فيما يتعلق بالحدث الأكبر الجنابة؛ وذلك لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، وحديث صفوان مشهور: ( إلا من جنابة ) وهذا هو الشاهد، حديث صفوان بن عسال قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم )، يعني: أن الغائط والبول والنوم ونحوها من الأحداث الصغرى فإنه يمسح فيها، أما الجنابة فإنه لابد فيها من الغسل، وحديث صفوان أخرجه الخمسة وغيرهم، وهو حديث صحيح.

وأما العلة من حيث المعنى في أن المسح على الخف لا يكون في الجنابة، فلأن الطهارة الصغرى مبناها على التخفيف لكثرة الحاجة إليها، ولهذا اكتفي فيها مثلاً بمسح الرأس، وكذلك لم يجب فيها إيصال الماء إلى باطن اللحية الكثيفة، أما فيما يتعلق بالجنابة فإنها لابد فيها من إيصال الماء إلى كل شيء لا يكون ثمة ضرر بإيصال الماء إليه، ولهذا لابد فيها من تخليل اللحية، ولابد فيها من إيصال الماء إلى باطن الشعر ونحوه مما لا مشقة فيه ولا ضرر، فإيصال الماء إلى القدم وخلع الخف الذي هو ليس أمراً طبعياً، وإنما هو أمر حادث هذا من باب الأولى.

المسألة الرابعة قال رحمه الله: [يوماً وليلة للمقيم وثلاثاً للمسافر]، أي: يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، هذه هي مدة المسح؛ وذلك لحديث صفوان السابق.

قال: [ ( ثلاثة أيام بلياليهن ) ]، وذلك إذا كانوا مسافرين، ومثله أيضاً حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه عن شريح بن هانئ : ( أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين، فقالت: ائت علياً رضي الله عنه فاسأله فإنه أعلم بذلك، فجاء علياً فسأله، فقال له: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوماً وليلة )، فذلك دليل على التوقيت، وهذا هو أحد الأقوال في المذهب وأحد الآراء المشهورة عند الأئمة.

والقول الثاني: أنه لا توقيت، بل يمسح الإنسان ما شاء دون حد أو توقيت.

والقول الثالث: أنه يؤقت يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر إلا لحاجة شديدة أو ضرورة فإن التوقيت حينئذ يسقط ويكون الخف بمثابة الجبيرة التي يمسح عليها أبداً حتى يستغني عنها، وهذا القول الثالث أو المذهب الثالث هو أعدل الأقوال وأولاها؛ أن الأصل التوقيت يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، إلا إذا كان لذلك حاجة شديدة أو ضرورة، مثلما إذا كان هناك برد شديد يتضرر بنزع الخف، أو إذا كان إن نزل وخلع الخف وغسل تأخر عن رفقته وفاتوه وترتب عليه في ذلك ضرر أو خطر أو حبسهم على وجه يشق عليهم مشقة شديدة، ولهذا جاء أن عقبة بن عامر رضي الله عنه: [ لما ركب على البريد من دمشق إلى المدينة ليخبر المسلمين بفتح دمشق، فلقي عمر رضي الله عنه فقال: ما فعلت؟ قال: مسحت على الخف، قال: كم؟ قال: سبعة أيام، قال له عمر رضي الله عنه: أصبت السنة ]، قال ابن تيمية : إسناده صحيح، ولذلك قال ابن تيمية : ولهذا لما ركبت على البريد ورأيت أن نزولي لخلع الخف وغسل القدم يترتب عليه تأخير لرفقة أو فوات الرفقة؛ وذلك يضر ويشق، فغلب على ظني أن ذلك هو المعنى لحديث عقبة بن عامر، قال: ثم وجدته منصوصاً عليه في مغازي ابن عائد، يعني: أن عقبة بن عامر رضي الله عنه قد ركب على البريد، أعني ولذلك ترخص في المسح على الخف أسبوعاً كاملاً دون أن يخلعه، فيحمل ذلك على حال الضرورة أو الحاجة الشديدة، ويكون الخف حينئذ بمثابة الجبيرة، ومسح الخف حينئذ أولى من التيمم، وجاء فيه أحاديث عدة تحمل على هذا المعنى، وأن ذلك -أي: عدم التوقيت- إنما يكون في حال الضرورة أو الحاجة الشديدة، كما لو كان هناك برد شديد، أو خاف فوات الرفقة والتضرر بفواتهم لإضاعة الطريق أو التعرض لقطَّاع الطرق أو نحو ذلك، أو خاف من حبس الرفقة على وجه يضر بهم.

المسألة الخامسة، قال: [ من الحدث إلى مثله ]، وهذا فيه تحديد بداية المدة ونهايتها، أي: أنها تبدأ من أول حدث بعد لبس الخفين، وهذه هي الرواية المشهورة من مذهب الحنابلة؛ وذلك لأن وقت الرخصة يبدأ من الحدث، فمن يوم أحدث بإمكانه أن يتوضأ ويغسل أعضاءه ويمسح على الخف.

والرواية الثانية: أنه منذ لبس الخف.

والرواية الثالثة: أنه من أول مسحة مسحها على الخفين، والرواية الثالثة أنه من أول مسح هي الرواية المعتمدة، فإنه منذ مسح بدأت مدة المسح، والكلام إنما هو في باب المسح على الخفين، والتوقيت الذي وقته النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث علي وصفوان وغيرهما، إنما هو توقيت لماذا؟ وقت النبي صلى الله عليه وسلم للمسح على الخفين.

إذاً: من أول مسح للإنسان كم؟ يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر.

إذاً: الراجح أن المدة تبدأ من أول مسح على الخف؛ لأن هذا هو المعنى الوارد، ولهذا صح عن عمر كما رواه الخلال وابن المنذر وغيرهما أن عمر رضي الله عنه، قال: [ امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت فيها ].

إذاً: قول المصنف رحمه الله: (من الحدث إلى مثله) هذا مرجوح، والراجح أنه من أول مسح مسحه بعد لبس الخف؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يوماً وليلة )، وهذا الحديث رواه مسلم في الطهارة، وكأن المصنف عنى بذلك حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث المغيرة بن شعبة أيضاً بنحوه، وقد خرّجه مسلم في الموضع السابق.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3985 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3924 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3852 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3844 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3623 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3611 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3549 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3513 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3441 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب الوضوء -1 3386 استماع