شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نحمد الله ونثني عليه الخير كله, ونصلي ونسلم على عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

سبق أن تحدثنا عن المقصود بالأصول والثمار، وأن الأكثرين -وإن كان النووي ضعف هذا الاتجاه- يقصدون بالأصول والثمار مثل الشجر، وقد يقصد بها أيضاً البيت أو الأرض أو نحوها مما هي أشياء ثابتة، أو الدار، فهذا هو المقصود بالأصول، وأما الثمار فأمرها واضح, وهو معروف.

والمقصود بهذا الباب -كما سبق- أمران:

الأمر الأول: ما يتعلق بما يتبع المبيع وما لا يتبعه، فهل -مثلاً- الثمرة تتبع البيع أو لا تتبعه؟ إذا واحد باع -مثلاً- نخلة وعليها طلع هل يكون هذا تابعاً للمبيع فيملكه, أو يكون للمشتري, أو يكون فيه تفصيل؟ هذا جانب: ما يتبع المبيع وما لا يتبعه.

الجانب الثاني مما يتعلق بهذه المسألة: هو ما يتعلق بشروط بيع الأصول والثمار؛ لأن شروط البيع أنواع، منها شروط عامة, وسبق أن ذكرناها وفصلنا فيها، ومنها شروط متعلقة بالربا، وهذه -أيضاً- فصلناها في باب الربا والصرف الذي أخذنا فيه دروساً لا بأس بها، وأعتبر أنها كافية، ومرت علينا في الدورة أيضاً.

القسم الثالث من الشروط: ما يتعلق بالشروط في بيع الأصول والثمار، وهو ما أفرد له هذا الباب، فهذا سبب من أسباب إفراد المسألة بالبحث.

طبعاً: (ما يتبع المبيع وما لا يتبعه) هذه المسألة التي ذكرناها في أشياء، فيما يتعلق بالثمار -طبعاً- باتفاق العلماء أنه يجوز بيع الثمر منفرداً عن الشجر، يعني: يجوز أن يبيع الإنسان -مثلاً- ثمر هذا الشجر أو ثمر البستان المعروف الذي ليس فيه غرر منفصلاً عن الشجر، ويجوز بيعه تبعاً لأصله.

وفيما يتعلق ببيع الشجر فإنه إذا باع الشجرة -نخلة- مثلاً -أو شجرة الرمان أو الموز أو أي شجرة أخرى- فبالتأكيد أن أغصان الشجرة وأن ورق الشجرة وأن جذع الشجرة وسائر أجزائها تدخل في المبيع.

لكن الخلاف في الثمر الذي يطلع في الطلع، هل يدخل في المبيع أو لا يدخل؟

وهذه مسألة -تقريباً- فيها ثلاثة مذاهب أو ثلاثة أقوال. ولما نقول: ثلاثة أقوال خلاص ما هناك إمكانية أكثر من ثلاثة أقوال تقريباً.

الآن الخلاف: هل يتبع الثمر الأصل إذا بيع الأصل، بعت عليك -مثلاً- هذه -شجرة الجوز أو النخلة الموجودة في فناء المنزل -مثلاً- أو في هذه الحديقة- الطلع الموجود الآن هل يكون تابعاً للمبيع ويدخل في البيع، أم يستثنى ويظل ملكاً لي؟ هذه فيها ثلاثة أقوال: إما أن يتبع، أو لا يتبع، الثالث: التفصيل.

إذاً: هناك ثلاثة أقوال:

القول الأول -وهو مذهب الجمهور- هو القول بالتفصيل، يعني: مثلاً: النخل، الجمهور يفصلون, فيقولون: إذا كانت النخلة مؤبرة, يعني: ملقحة تشقق الطلع فيها وظهر، طبعاً التلقيح معروف، وضع المادة، سواء وضعها إنسان أو بفعل الريح أو غيره.

المهم أنه هنا إذا كان مؤبراً ملقحاً فهو من نصيب البائع صاحب الأصل، نعم. وإذا كان غير ملقح فهو من نصيب المشتري.

حجتهم في هذا: أولاً: الحديث المعروف: ( من باع نخلاً ), حديث ابن عمر، متفق عليه: ( من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ).

فهذا الحديث حجة في التفصيل والفرق بين المؤبر وغيره؛ لأن منطوقه على أنها إذا كانت قد أبرت فهي للبائع المالك صاحب الأصل، ومفهومه: أنها إذا كانت ما زالت في أكمامها لم تتفتق ولم تتفتح فهي تكون من نصيب المشتري، هذا مفهوم الحديث.

وبهذا المفهوم قال جمهور أهل العلم كالحنابلة -بطبيعة الحال- والشافعية والمالكية والليث بن سعد وغيرهم، فقالوا بالتفصيل، أولاً: للحديث المذكور، أنه فرق بين الملقح وغير الملقح، المؤبر وغير المؤبر. هذا الأول.

الدليل الثاني: أنهم قالوا: إنه بالنسبة للطلع أو للثمرة إذا كانت مؤبرة تفتقت عن أغصانها ولقحت فهي في الحالة هذه لها نوع استقلال عن الأصل، ولذلك تصبح في ملك المالك الأصلي، لا تدخل في البيع إلا بالنص عليها، بينما إذا كانت لم تلقح فهي ما زالت ليس لها الاستقلال الذي يعطيها حكماً خاصاً، فتكون تابعة للأصل.

أظن أنه واضح المعنى هنا، تلاحظ أن النقل والعقل كلاهما مما يستدل به على هذا التفصيل بين الملقح وغير الملقح. طيب. هذا هو القول الأول.

القول الثاني: هو قول أبي حنيفة والأوزاعي، قالا: إن هذه الثمرة هي تكون للبائع بكل حال من الأحوال، فسواء أبرت أو لم تؤبر فهي في ملك البائع.

وحجتهم: أن هذا الطلع في النخل أو نحوه هو نماء منفصل فلم يتبع أصله في البيع، يعني: هم يرون أنه منفصل حتى ولو كان ما أبر بعد ولا لقح ولا تفتقت عنه أكمامه، فيرون أنه منفصل، وبالتالي فهو للبائع، للمالك الأصلي.

طبعاً: يحتج عليهم أولاً بالحديث.

وثانياً: بالتفريق بين المؤبر والملقح وغير الملقح.

القول الثالث: وهو لـابن أبي ليلى , وهو قول -وإن كان ذكره الأئمة كصاحب المغني وغيره- إلا أنه قول ضعيف, وهو: أن الطلع للمشتري في الحالين، سواء لقح أو لم يلقح.

وحجته: أنه متصل بالأصل اتصال خلقة, فهو في حكم الأصل.

وتلاحظون هنا أن الحنفية نظروا إلى الطلع باعتباره منفصلاً بكل حال, ولهذا أعطوه حكماً خاصاً لا يلحق الأصل، بينما ابن أبي ليلى نظر إلى الطلع باعتباره متصلاً, فأعطاه حكم الأصل بكل حال.

الجمهور ذهبوا إلى التفصيل، فجعلوا الثمر مرة يكون للبائع ومرة يكون للمشتري بحسب قوة انفصاله أو قوة اتصاله.

وطبعاً: نحن نرجح القول الأول الذي هو مذهب الجمهور، وهو التفريق بين الملقح وغيره؛ للأحاديث التي ذكرناها, وأيضاً للمعنى الذي أشرنا إليه.

كذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً، هذا أشار إليه المصنف, يعني: أن الحكم ليس خاصاً بالنخل، النخل واضح أمره، لكن هناك أشياء كثيرة جداً يتعلق بها هذا الحكم، من التفاح .. البرتقال .. الرمان وغيرها.

أيضاً عندنا ما يتعلق ببيع الأرض ضمن الأصول والثمار.

النووي رحمه الله يرى أنه إذا قيل: الأصول والثمار أنه يقصد بهذا الشجر فقط، لكن كثير من الفقهاء يدل صنيعهم على أنهم يقصدون بالأصول الشجر وغيره، كالأرض -مثلاً- والدور والعقار ونحوها.

ففيما يتعلق ببيع الأرض إذا باع الإنسان أرضاً فإن ما يكون على هذه الأرض الأصل أنه تابع لها، مثلاً: لو كان فيها غرس يكون الغرس تابعاً للمبيع أو لا يكون تابعاً؟ الأصل أنه تابع إلا إذا استثناه، وكذلك لو كان فيها بناء، باع عليه هذه الأرض وفيها بناء, فالبناء يعتبر تابعاً للمبيع، هذا مذهب الجمهور.

أيضاً الأشياء المخلوقة فيها، مثلما لو كان فيها حجارة، أو فيها -مثلاً- معادن موجودة في أصلها ومخلوقة فيها في حدود الأمر المعتاد تعتبر تابعة لها، ولما أقول: (في حدود المعتاد) أقصد أن نخرج الأشياء ذات القيمة العالية جداً التي ربما يكون إدخالها فيه نوع من المخالفة للعدل؛ لأن الشريعة قامت على العدل.

مثلاً: لو وجدنا في الأرض بئر نفط هل نقول: إنه -والله- البئر هذا تابع للأرض؟! صعب أن يقال: إنه تابع للأرض, خصوصاً أنه قد نقول: إنه أصلاً ملكية مثل هذا المعدن ما هي بخاصة لا لمالك الأرض ولا لغيره، وإنما يفترض أنها ملكية عامة للمسلمين جميعاً، وبالتالي لا يدخل فيها عملية بيع أو عملية شراء، ومثله لو وجدنا فيها منجماً، منجم ذهب أو نحوه من المعادن الغالية النفيسة.

ففي الحالة هذه -والله أعلم- مقتضى العدل ألا ندخل هذه الأشياء في المبيع، وإنما هذه لها حكم خاص، بينما لو وجدت أشياء تزيد من قيمة الأرض ولكن ليست بهذا الحجم مما هو في ملك صاحب الأرض أصلاً فإنه يتبع المبيع.

طيب, لو كان صاحب الأرض دفن في هذه الأرض كنزاً ويمكن أنه نسيه، هل نقول: إن هذا الكنز تابع للمبيع؟! افرض أنه دفن فيه -مثلاً- ذهباً، كان في حالة خوف وقلق وترقب وحرب وقام وحوَّل جميع الأموال التي عنده في البنوك إلى سبائك من الذهب، ثم أودعها في هذه الأرض ونسيها، هل يتبع هذا البيع؟ لا يتبعه، لماذا؟

أولاً: أنه ليس من أصل الأرض, وإنما هو أمر طارئ عليها، فلا يتبعها بلا إشكال، وهذا كأنه لا خلاف فيه.

الأمر الثاني أيضاً الذي يقتضي ألا يتبعها: أن هذا ذهب, وخصوصاً لما يكون سبائك، معناه: أنه ذهب خالص، فلا يجوز في هذه الحالة بيعه إلا وفق شروط الصرف المعروفة.

طيب. لكن إذا كان في الأرض -مثلاً- زرع، فهل الزرع نقول: إنه تابع للبائع أو تابع للمشتري؟

الفقهاء الحنابلة وغيرهم يفرقون بين نوعين من الزرع:

النوع الأول: الذي يحصد مرة واحدة، يعني: هناك زرع ما ينبت إلا مرة واحدة, كالبر والشعير والرز ونحوها والدخن والذرة، فهذه يقول لك: إذا كان الزرع لا يحصد إلا مرة واحدة فهو للبائع إطلاقاً.

النوع الثاني: الزرع الذي ينبت مرة بعد مرة، مثل البرسيم والبصل .. الكراث. والقت هو البرسيم، نحن نسميه القت، ونسميه أيضاً البرسيم، وله اسم مشهور عند الفقهاء وعند أهل الطب الذين يتكلمون في الطب الشعبي، لا أجزم، لكن يغلب على الظن أنهم يسمونه الرطبة، فكأن الأوصاف التي يقصدونها بها تنطبق على ما نسميه نحن بالقت أو العلف.

المهم هذه الأشياء التي كلما جزت نبتت مرة أخرى، يعني: مرة بعد مرة، هذه الأشياء هل تكون للبائع أو تكون للمشتري؟

الجذة الأولى الموجودة الآن التي هي الطالعة الظاهرة هذه تكون للبائع، مثل الأول الذي لا يطلع إلا مرة واحدة في السنة، فالجذة الموجودة نقول: هذه تبع البائع، لكن التي بعدها طبيعي أنها تصبح في ملك المشتري. طيب.

أيضاً عندنا مسألة بيع الدار، لو باعه فلة أو عمارة أو بيتاً أو قصراً، أو وقفه أو رهنه، أو أي لون من ألوان التصرفات، فما الذي يدخل وما الذي لا يدخل في ملكيته؟

طبعاً لا شك أن البناء والشجر المغروس يدخل، وكذلك السلالم، لو كان هناك سلالم مركبة في المنزل من حديد أو من غيره فهذه أشياء داخلة أيضاً.

بالنسبة للرفوف والدواليب المسمرة في الجدران هذه تدخل باعتبار أنها ملتصقة وملتحقة بالأصل، الأبواب, وإلا ترى أنه يبيعه وبعد ذلك ينزع الأبواب والنوافذ ويقول: هذه ما هي بداخلة في البيع، هل يتصور هذا؟! لا، هي داخلة.

أيضاً بالنسبة للفرش، إن كانت الفرش مثبتة -مثل هذه الفرشة مثلاً- فيفترض أنها داخلة في المبيع، لكن بالنسبة للفرش التي تنقل هذه يتفاوت الأمر فيها بين عرف الناس واعتبارهم.

وهناك أشياء لا تدخل, مثل ما لو كان البيت فيه مكاتب للمالك، فيه مكتبة مليئة بالكتب أيضاً، فيه سرر، فيه أشياء معينة، أجهزة مثل الثلاجات والغسالات والأفران والعربات ونحوها، فهذه الأشياء الأقرب أنها لا تدخل؛ لأن لها استقلالاً، والغالب في عرف الناس أنها غير داخلة في المبيع.

بعض الأشياء قد يقع فيها تردد, هل تدخل أو لا تدخل؟ وهنا العادة أو العرف يحكم هذه المسألة، مثل: المكيفات، مثل المطابخ، المطابخ ثابتة, لكن أحياناً قيمتها عالية جداً، قد تكون قيمة المطبخ بثلاثين، أربعين ألف ريال مثلاً، والناس يتفاوتون في مثل هذه الأمور.

كذلك ما يتعلق ببيع الحيوان، ومثله أيضاً بيع المركوب مثل بيع السيارة .. بيع الطيارة .. بيع السفينة أو الباخرة، بيع الأشياء هذه مثلاً، ففيما يتعلق ببيع الحيوان مما يجوز بيعه من الحيوانات -طبعاً- يتبعه ما جرى العرف بتبعيته له, مثل السرج الذي يوضع على ظهره، ومثل اللجام الذي يقاد به ونحوهما.

بالنسبة للسيارة -طبعاً- يتبعها مثل العجلة الاحتياطية، ومثل العدة -المفاتيح- التي تصلح بها السيارة، ومثل آلة الرفع التي نسميها نحن بالعفريتة، هذه تابعة لها، كذلك الفرش التي تكون تحت الأقدام ونحوها, فهي تابعة، طبعاً كذلك جهاز التسجيل، جهاز الراديو الموجود في السيارة يفترض أنه تابع للبيع، لكن لو كان في السيارة -مثلاً- أشرطة هل هي تابعة؟ لا، لها استقلال, وهي لا تدخل في المبيع؛ لأنها عبارة عن أغراض خاصة.

طيب. هذا فيما يتعلق بما يتبع وما لا يتبع، ومثل ذلك يقال في كل الأشياء التي تباع، أن الأشياء التي من صميم هذه الأمور أو من مصالحها أو تشتد الحاجة إليها فهي داخلة في المبيع، والأشياء التي ليس لها تعلق بها وإنما هي قد يحتاجها الراكب -مثلما ذكرنا في بعض الأجهزة ونحوها- فهذه ليست داخلة، والعرف له مدخل في تحديد هذه الأمور إذا وقع الاختلاف حولها.

ويتجه أن يقال: إنه في حالة حصول خلاف جدي ومتفاوت بين البائع والمشتري هنا يمكن يكون المشتري له الخيار إذا كان لما يقوله وجه، أن يقول: أنا اشتريت بناءً على أن هذه الأشياء تابعة للمبيع، والكلام هذا كله فيما إذا لم يقع تشارط بينهما, وإلا فالشرط بينهما ينهي الخصومة.

النقطة الثانية المتعلقة بشروط بيع الثمر، طبعاً: خص هذا الباب لما فيه من الشروط الخاصة به في بيع الثمر.

طبعاً: بيع الثمر إذا كان مستقلاً عن الشجر له شروط، منها: أن يبدو صلاح ثمره، والنبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك, بأنه لا يبيع -مثلاً- النخل ولا العنب ولا غيره حتى يبدو صلاحه، حتى يطيب -على اختلاف الألفاظ في الأحاديث- ويأمن العاهة، حتى يحمر أو يصفر أو يشقح، كل هذه ألفاظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح تدل على أنه لا يجوز بيع الثمر حتى يبدو صلاحه.

المراد ببدو صلاح الثمرة

لكن بدو الصلاح ما المقصود به؟ هنا اختلفوا في تكييف ما هو المقصود ببدو الصلاح.

فالجمهور يرون أن بدو الصلاح معناه: النضج، والحلاوة في الثمرة, وأنها تطيب وتصبح قابلة للأكل منها.

الأحناف يرون أن المقصود بالحديث ليس بالضرورة هو أن الثمرة نفسها تطيب وتؤكل بقدر ما هو أن يأمن العاهة والفساد، طبعاً هم لاحظوا المعنى، لاحظوا مقصد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم (كانوا يتبايعون فكانوا يبيعون الثمر, فربما أصابه قشام, أو أصابه دمان, أو أصابه مراض -وهذه ألوان من الآفات التي تصيب الثمر، فيقع بينهم اختلاف- فلما كثرت خصومتهم قال النبي صلى الله عليه وسلم كالمشورة يشير بها عليهم: أما لا -يعني: إذا كنتم لا تتركون الخصومات والاختلاف- فلا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها)، فكأنه حينئذ أشار عليهم بأمر من أجل إنهاء الخصومة. والحديث في الصحيح.

فأخذ الحنفية من ذلك أن المقصود هو أمن العاهة بأي وسيلة تمت، بينما الجمهور أخذوا بهذا المعنى وربطوه بالعلامة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم, وهي ظهور النضج والصلاح في الثمرة.

هذان القولان في المسألة في تحديد وتوصيف ما المقصود ببدو الصلاح.

وطبعاً ورد في بعض الأحاديث -حديث أبي هريرة - أنه: ( إذا طلع النجم صباحاً رفعت العاهة عن كل بلد )، والمقصود بالنجم هو الثريا.

وكذلك أيضاً في حديث آخر عن ابن عمر عند الإمام أحمد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة -وهذا مما احتج به الحنفية- قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟! قال: حين تطلع -أو حتى تطلع- الثريا ). والعراقي قال عن هذا الحديث: إن سنده صحيح.

فالأمر قريب، ولا شك أن قول الجمهور أضبط وأوضح.

إذا قلنا بأن المقصود النضج وأن يطيب الثمر؛ فهل المقصود أن تطيب كل ثمرة, أو شجرة من البستان, أو شجرة في المدينة؟

كل هذه أقوال، فقيل: يكفي في بدو الصلاح أن يظهر في جنس الثمر، حتى لو أنه ظهر في بستان واحد جاز بيع البساتين في البلد كلها.

وقيل: لابد أن يظهر في البستان، فإذا ظهر في شجرة واحدة من هذا البستان جاز بيع الباقي.

وقيل: إنه لابد أن يظهر في كل جنس على حدة مثلاً، وهذا في نظري أنه جيد؛ لأنه تختلف مواسم النضج أحياناً وتتفاوت، بل نحن نجد حتى في الجنس الواحد، مثلاً: النخل، التمر لا يظهر نضجه كله على حدة, وإن كان هذا هو الغالب، لكن هناك ألوان من النخيل تتقدم وهناك ألوان تتأخر.

أذكر أننا زرنا مرة الأحساء مبكرين جداً, فقدموا لنا نوعاً من التمر ليس بالجيد، ولكنهم يقولون: هذا تمر يبكر جداً، ولهذا يعتبر فاكهة يستطرفه الناس؛ لأنه يأتي قبل أن يأتي غيره.

فانظر: هذا فضل السبق أحياناً، أن الواحد إذا سبق ولو كان أقل لكن يجعل الله فيه خيراً.

فهذا التمر من الطرائف التي يتداولونها فيما بينهم يقولون: هذا أوله للأمير وآخره للحمير. نعم؛ لأنه ليس بجيد، لكن أوله كشيء طريف، أول الثمرة, وكانوا يأتون بها للنبي صلى الله عليه وسلم فيعطيها أصغر واحد في المجلس.

وبعض النخل يتأخر جداً، هناك عندنا نوع من النخل إذا انتهت جميع الألوان -الرطب والبسر- انتهت بالمرة ظهر هذا اللون من النخل، اسمه الخصاب، وهو لون من التمر الأحمر، أيضاً جربته أنا، هذا التمر لو جاء في وقت الموسم ربما لا يستلذه الناس؛ لأنه فيه لون من العسر والشدة، قاس قليلاً، ولكن لأنه يأتي متأخراً فهو يعتبر فاكهة لذيذة في وقته.

فإذاً: قضية أن كل جنس على حدة هذه قضية صحيحة.

حكم بيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط القطع

أيضاً في مسألة البيع قبل بدو الصلاح هناك مسألة يحتاج الطالب إلى معرفتها, وهي: هل يجوز البيع؟

الآن اتفقنا على أنه لا يجوز بيع الثمر إلا بعد بدو صلاحه, سواء كان بدو الصلاح بالنضج أو كان بدو الصلاح بأمن العاهة. طيب. هل يجوز بيع الثمر قبل بدو الصلاح بشرط أن يقطعه الآن؟

نعم يجوز بيعه، وهذا قول الجمهور والأئمة الأربعة، وحكاه بعضهم إجماعاً كما ذكره النووي والشوكاني وغيرهم، وأيضاً شارح العمدة نقله إجماعاً، لكن الواقع أن المسألة فيها خلاف عند سفيان الثوري وابن أبي ليلى وبعض الظاهرية أنهم قالوا بالمنع، ولكن الصواب الجواز.

يعني: لو بعتك العنب الذي لم ينضج بعد ويسمى الحصرم، لو بعت الحصرم بشرط أنك تقطعه الآن يقولون: يجوز في الحالة هذه وإن كان ما بدا صلاحه، لماذا؟ يستفاد منه، لأن العلة منتفية الآن، إذا كنت ستقطعه الآن هل سيكون إشكال بحيث إنه ممكن تأتي عاهة أو قشام أو مراض أو دمان, أو يصاب بحيث يقع هناك خصومة بيني وبينك؟ لن يقع إشكال؛ لأنك سوف تقطعه الآن، وأما لماذا تقطعه؟ فهنا يأتي الجواب: أنه يستفاد منه؛ لأنه قد يستفاد منه بطريقة أخرى مثلاً، ما هو بالضروري أن يؤكل كما هو مثلاً، فيستفاد منه بحاله التي هو عليها، فهذا قول وجيه وجيد وإن كان لم يتعرض الحديث للنص عليه, ولكن واضح من العلة، والمقصد أنه جائز.

حكم بيع الثمر قبل بدو صلاحه بغير شرط القطع

أيضاً لو باع الثمر قبل بدو الصلاح ولم يشترط القطع، نحن قلنا الآن: إنه إذا اشترط القطع جاز على القول الراجح.

طيب. افترض أنه باعه ولم يشترط القطع، بمعنى: أنه باعه وسكت، ما شرط القطع ولا شرط عدم القطع، فما حكم البيع حينئذ؟

طبعاً الجمهور يرون أن البيع محرم وباطل، ويحتجون بالأحاديث التي ذكرناها, كحديث أنس رضي الله عنه: ( نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي )، وحديث أبي هريرة : (لا تبيعوا الثمار حتى يبدو صلاحها)، فيرون أن البيع مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو لنهيه، فهو بيع محرم وباطل، وهذا قول الجمهور كما ذكرنا.

أما أبو حنيفة فيرى أن البيع صحيح، وإن كان خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما ذكرناه.

وأما مالك فله في المسألة قولان: الجواز وعدمه.

ويجيبون عن الحديث الوارد في النهي بأحد جوابين, القائلون بصحة البيع إما أن يقولوا: إن المقصود النهي عن بيع الثمار قبل أن توجد، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث (نهى عن بيع السنين)، وقالوا: بيع السنين أنك تبيع ثمرة هذا البستان سنتين أو ثلاثاً, يعني: قبل أن تخلق، وهذا يعتبر بيع معدوم, وفيه غرر واضح، فقد يكون هذا من المقاصد.

طبعاً: هذا ليس فيه قوة، ضعيف هذا المحمل.

المحمل الثاني -وهو أحسن من الأول-: أنهم قالوا: إن النهي ليس للتحريم، وإنما هو على سبيل التنزيه والأدب ورفع الخصومة بينهم, كما ورد قبل قليل في الحديث.

ولا شك أيضاً أن الذي يترجح في هذه المسألة هو مذهب الجمهور: أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بدو الصلاح، وأنه يكون فاسداً حينئذ. وأشد منه في الوضوح: لو باع الثمر قبل بدو الصلاح بشرط عدم القطع، بشرط التبقية، فهذا يكون أوضح في المنع أيضاً.

لكن بدو الصلاح ما المقصود به؟ هنا اختلفوا في تكييف ما هو المقصود ببدو الصلاح.

فالجمهور يرون أن بدو الصلاح معناه: النضج، والحلاوة في الثمرة, وأنها تطيب وتصبح قابلة للأكل منها.

الأحناف يرون أن المقصود بالحديث ليس بالضرورة هو أن الثمرة نفسها تطيب وتؤكل بقدر ما هو أن يأمن العاهة والفساد، طبعاً هم لاحظوا المعنى، لاحظوا مقصد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم (كانوا يتبايعون فكانوا يبيعون الثمر, فربما أصابه قشام, أو أصابه دمان, أو أصابه مراض -وهذه ألوان من الآفات التي تصيب الثمر، فيقع بينهم اختلاف- فلما كثرت خصومتهم قال النبي صلى الله عليه وسلم كالمشورة يشير بها عليهم: أما لا -يعني: إذا كنتم لا تتركون الخصومات والاختلاف- فلا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها)، فكأنه حينئذ أشار عليهم بأمر من أجل إنهاء الخصومة. والحديث في الصحيح.

فأخذ الحنفية من ذلك أن المقصود هو أمن العاهة بأي وسيلة تمت، بينما الجمهور أخذوا بهذا المعنى وربطوه بالعلامة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم, وهي ظهور النضج والصلاح في الثمرة.

هذان القولان في المسألة في تحديد وتوصيف ما المقصود ببدو الصلاح.

وطبعاً ورد في بعض الأحاديث -حديث أبي هريرة - أنه: ( إذا طلع النجم صباحاً رفعت العاهة عن كل بلد )، والمقصود بالنجم هو الثريا.

وكذلك أيضاً في حديث آخر عن ابن عمر عند الإمام أحمد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة -وهذا مما احتج به الحنفية- قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟! قال: حين تطلع -أو حتى تطلع- الثريا ). والعراقي قال عن هذا الحديث: إن سنده صحيح.

فالأمر قريب، ولا شك أن قول الجمهور أضبط وأوضح.

إذا قلنا بأن المقصود النضج وأن يطيب الثمر؛ فهل المقصود أن تطيب كل ثمرة, أو شجرة من البستان, أو شجرة في المدينة؟

كل هذه أقوال، فقيل: يكفي في بدو الصلاح أن يظهر في جنس الثمر، حتى لو أنه ظهر في بستان واحد جاز بيع البساتين في البلد كلها.

وقيل: لابد أن يظهر في البستان، فإذا ظهر في شجرة واحدة من هذا البستان جاز بيع الباقي.

وقيل: إنه لابد أن يظهر في كل جنس على حدة مثلاً، وهذا في نظري أنه جيد؛ لأنه تختلف مواسم النضج أحياناً وتتفاوت، بل نحن نجد حتى في الجنس الواحد، مثلاً: النخل، التمر لا يظهر نضجه كله على حدة, وإن كان هذا هو الغالب، لكن هناك ألوان من النخيل تتقدم وهناك ألوان تتأخر.

أذكر أننا زرنا مرة الأحساء مبكرين جداً, فقدموا لنا نوعاً من التمر ليس بالجيد، ولكنهم يقولون: هذا تمر يبكر جداً، ولهذا يعتبر فاكهة يستطرفه الناس؛ لأنه يأتي قبل أن يأتي غيره.

فانظر: هذا فضل السبق أحياناً، أن الواحد إذا سبق ولو كان أقل لكن يجعل الله فيه خيراً.

فهذا التمر من الطرائف التي يتداولونها فيما بينهم يقولون: هذا أوله للأمير وآخره للحمير. نعم؛ لأنه ليس بجيد، لكن أوله كشيء طريف، أول الثمرة, وكانوا يأتون بها للنبي صلى الله عليه وسلم فيعطيها أصغر واحد في المجلس.

وبعض النخل يتأخر جداً، هناك عندنا نوع من النخل إذا انتهت جميع الألوان -الرطب والبسر- انتهت بالمرة ظهر هذا اللون من النخل، اسمه الخصاب، وهو لون من التمر الأحمر، أيضاً جربته أنا، هذا التمر لو جاء في وقت الموسم ربما لا يستلذه الناس؛ لأنه فيه لون من العسر والشدة، قاس قليلاً، ولكن لأنه يأتي متأخراً فهو يعتبر فاكهة لذيذة في وقته.

فإذاً: قضية أن كل جنس على حدة هذه قضية صحيحة.

أيضاً في مسألة البيع قبل بدو الصلاح هناك مسألة يحتاج الطالب إلى معرفتها, وهي: هل يجوز البيع؟

الآن اتفقنا على أنه لا يجوز بيع الثمر إلا بعد بدو صلاحه, سواء كان بدو الصلاح بالنضج أو كان بدو الصلاح بأمن العاهة. طيب. هل يجوز بيع الثمر قبل بدو الصلاح بشرط أن يقطعه الآن؟

نعم يجوز بيعه، وهذا قول الجمهور والأئمة الأربعة، وحكاه بعضهم إجماعاً كما ذكره النووي والشوكاني وغيرهم، وأيضاً شارح العمدة نقله إجماعاً، لكن الواقع أن المسألة فيها خلاف عند سفيان الثوري وابن أبي ليلى وبعض الظاهرية أنهم قالوا بالمنع، ولكن الصواب الجواز.

يعني: لو بعتك العنب الذي لم ينضج بعد ويسمى الحصرم، لو بعت الحصرم بشرط أنك تقطعه الآن يقولون: يجوز في الحالة هذه وإن كان ما بدا صلاحه، لماذا؟ يستفاد منه، لأن العلة منتفية الآن، إذا كنت ستقطعه الآن هل سيكون إشكال بحيث إنه ممكن تأتي عاهة أو قشام أو مراض أو دمان, أو يصاب بحيث يقع هناك خصومة بيني وبينك؟ لن يقع إشكال؛ لأنك سوف تقطعه الآن، وأما لماذا تقطعه؟ فهنا يأتي الجواب: أنه يستفاد منه؛ لأنه قد يستفاد منه بطريقة أخرى مثلاً، ما هو بالضروري أن يؤكل كما هو مثلاً، فيستفاد منه بحاله التي هو عليها، فهذا قول وجيه وجيد وإن كان لم يتعرض الحديث للنص عليه, ولكن واضح من العلة، والمقصد أنه جائز.

أيضاً لو باع الثمر قبل بدو الصلاح ولم يشترط القطع، نحن قلنا الآن: إنه إذا اشترط القطع جاز على القول الراجح.

طيب. افترض أنه باعه ولم يشترط القطع، بمعنى: أنه باعه وسكت، ما شرط القطع ولا شرط عدم القطع، فما حكم البيع حينئذ؟

طبعاً الجمهور يرون أن البيع محرم وباطل، ويحتجون بالأحاديث التي ذكرناها, كحديث أنس رضي الله عنه: ( نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي )، وحديث أبي هريرة : (لا تبيعوا الثمار حتى يبدو صلاحها)، فيرون أن البيع مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو لنهيه، فهو بيع محرم وباطل، وهذا قول الجمهور كما ذكرنا.

أما أبو حنيفة فيرى أن البيع صحيح، وإن كان خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما ذكرناه.

وأما مالك فله في المسألة قولان: الجواز وعدمه.

ويجيبون عن الحديث الوارد في النهي بأحد جوابين, القائلون بصحة البيع إما أن يقولوا: إن المقصود النهي عن بيع الثمار قبل أن توجد، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث (نهى عن بيع السنين)، وقالوا: بيع السنين أنك تبيع ثمرة هذا البستان سنتين أو ثلاثاً, يعني: قبل أن تخلق، وهذا يعتبر بيع معدوم, وفيه غرر واضح، فقد يكون هذا من المقاصد.

طبعاً: هذا ليس فيه قوة، ضعيف هذا المحمل.

المحمل الثاني -وهو أحسن من الأول-: أنهم قالوا: إن النهي ليس للتحريم، وإنما هو على سبيل التنزيه والأدب ورفع الخصومة بينهم, كما ورد قبل قليل في الحديث.

ولا شك أيضاً أن الذي يترجح في هذه المسألة هو مذهب الجمهور: أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بدو الصلاح، وأنه يكون فاسداً حينئذ. وأشد منه في الوضوح: لو باع الثمر قبل بدو الصلاح بشرط عدم القطع، بشرط التبقية، فهذا يكون أوضح في المنع أيضاً.

يدخل في هذه مسألة, وهي ما يسميه الفقهاء دائماً بوضع الجوائح.

الجوائح: جمع جائحة, وهي المصيبة أو النازلة العامة التي تجتاح، يعني: تأخذ -مثلاً- مال الإنسان، فهذا المقصود بوضع الجوائح، والمقصود بها: أن تنزل آفة سماوية فتصيب -مثلاً- هذا الزرع، مطر أو برد أو ريح عاصف: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم:19].

فهنا اختلف العلماء في وضع الجوائح، يعني: إذا باع الإنسان الثمرة وباعها أيضاً بعد بدو الصلاح بيعاً شرعياً صحيحاً عند كل العلماء، ولكن المشتري لم يقم بقطعها، والبائع خلى بين المشتري وبين الثمرة، يعني: اقطعها اليوم .. بكرة .. بعد أسبوع .. بالتدريج، ثم نزلت عليها آفة وتلفت قبل الجذاذ، فما الحكم حينئذ؟

هذه المسألة فيها قولان مشهوران، وربما ثلاثة أقوال:

الأول -وهو مذهب عمر بن عبد العزيز والمالكية وجماعة من أهل الحديث, وهو القديم من قولي الشافعي ومذهب الحنابلة والظاهرية وغيرهم- قالوا: إذا تلفت فهي من ضمان البائع، إذا تلفت بآفة سماوية جائحة فهي من ضمان البائع، يضمنها البائع وليس على المشتري فيها شيء، إلا إذا كان من المشتري تفريط، مثلاً: أخرها أو أهمل بما يعتبر عليه مسئولية، فهذا لا شك أنه يتحمل.

لكن لو لم يكن منه تفريط ثم نزل عليها برد أو شيء خارج عن الإرادة البشرية، فهم هنا يقولون: هي على البائع؛ لأن المشتري لم يأخذها بعد ولم يحزها إلى نفسه.

طبعاً: هم يستدلون -أولاً- بالحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضع الجوائح، حديث جابر عند أهل السنن -وهو صحيح-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح)، وفي مسلم قال: ( إن بعت من أخيك ثمراً فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئاً, بم يستحل أحدكم مال أخيه؟! )، فقالوا: إن هذا دليل على وضع الجوائح، وأنه إذا أصابه شيء فتلفه على البائع، المشتري هو ملكه لكن لم يقبضه ولم يحزه بعد، وهذا الدليل النبوي واضح على ما ذكرنا.

القول الثاني -وهو مذهب الشافعي الجديد والحنفية, وبعضهم نسبه للأكثرين -لأكثر أهل العلم- مثل الصنعاني في سبل السلام وغيره- قالوا: إنه يكون تلفه على المشتري؛ لأنه ملكه، ولا يرجع على البائع بشيء، وأما هذا الحديث فإما أن يحملوه على الاستحباب، أنه يستحب للبائع أنه يساعد المشتري أو يقف معه, ولكن لا يسعفهم نص الحديث؛ لأنه يقول: ( فلا يحل له أن يأخذ من مال أخيه شيئاً ), يعني: يحرم عليه، فظاهر هذا أنه ليس الأمر على الاستحباب كما زعموا.

وبعضهم قال: إن هذا محمول على ما إذا باع الثمرة قبل بدو الصلاح وليس بعد بدوها، وهذا أيضاً ليس بقوي؛ لأنه إذا باعها قبل بدو الصلاح فالراجح أن هذا البيع باطل، وأن المشتري ليس في ذمته شيء أي نعم.

ولذلك نقول: إن هذه التعليلات التي تعللوا بها ليست بقوية.

طبعاً: المالكية لهم قول آخر في المسألة, وهو: أنهم يفرقون بين ما كان الثلث فأقل، وهذه قاعدة في مذهب مالك كثيراً ما يعتمدون عليها؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( الثلث والثلث كثير )، وهذا وإن كان وارداً في مسألة الوصية إلا أن المالكية رحمهم الله اعتبروا هذه بمثابة القاعدة العامة في كثير من الأشياء, ففرقوا ما بين الثلث وغيره، مثلاً: موضوع الغبن، قالوا: إذا غبنه -مثلاً- بأقل من الثلث فهو قليل ومحتمل، أما إذا كان الثلث فأكثر فهو كثير، وهكذا قالوا هنا مثلاً: إذا ذهبت الجائحة بما دون ثلث الثمرة فهي على المشتري، لكن إن كان الثلث فأكثر فهي على البائع؛ لأنه كثير، واستدلوا بهذا الحديث الذي ذكرناه.

والذي نختاره أيضاً مذهب الجمهور في وضع الجوائح، وأن تلف الجائحة يكون على من؟ على البائع.

هذه بعض المسائل المتعلقة بموضوع الأصول والثمار.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3985 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3924 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3852 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3843 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3669 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3623 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3611 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3512 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3441 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب الوضوء -1 3386 استماع