شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية


الحلقة مفرغة

الفدية: هي ما يعوضه الإنسان عن عبادة قصر فيها من مال أو نحوه، ومثل ذلك: كفارة اليمين فقد تسمى فدية، وكفارة الصيام إذا واقع أهله في نهار رمضان، فهي تسمى فدية أو كفارة، وكذلك كفارة فعل المحظور حال الحج، مثل ما لو غطى رأسه، أو حلق رأسه، أو تطيب.. أو ما أشبه ذلك، أو واقع أهله، فإن هذه تسمى: فدية، وتسمى: كفارة، وقد يعبر عنها بعضهم بأنها البدل الذي يتخلص به المكلف من مكروه توجه إليه، يعني: من أمر مكروه، وليس المقصود أنه مكروه من الناحية الشرعية، لكن وقوعه في شيء مكروه توجه إليه، والأصل فيها قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فيما يتعلق بحلق الرأس.

والفدية في الحج على ضربين:

الضرب الأول: فدية على التخيير والتقدير، بمعنى: أن يكون للفدية عدة خصال، خصلتان أو ثلاث خصال، ويكون المكلف مخيراً بين هذه الأشياء، فتسمى فدية تخيير، وكذلك تسمى فدية تقدير؛ لأنه إذا انتقل من خصلة إلى التي بعدها تكون الخصلة الثانية مقدرة أيضاً وليست متروكة لاجتهاده، كمن يترك الصيام وينتقل إلى الصدقة؛ لأن الصدقة إطعام ستة مساكين، أو يترك الصدقة وينتقل إلى الصيام.. وهكذا، فإنها مقدرة في خصالها كلها.

النوع الثاني: فدية على الترتيب وليست على التخيير.

نأخذ النوع الأول المتعلق بالتخيير، والتخيير يكون بين الخصال الثلاث المذكورة في الآية الكريمة، في قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، حديث كعب بن عجرة ذكر تفسيراً لهذه الآية، ودل على أن الفدية من صيام، تكون بصيام ثلاثة أيام، أو صدقة تكون بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، فتكون الكفارة كلها ثلاثة آصع، يعني: صام عن كل صاع يوماً، فإن انتقل إلى الثالث النسك، فهو أن يذبح شاة، ينسك شاة، ومعروف أن الشاة المقصود بها هنا مما يجزئ في الأضحية، طيب هذه هي التي على التخيير، كما ذكرناها في الآية.

العذر في الفدية

هل يستوي أن يكون الإنسان معذوراً أو غير معذور في هذه الفدية؟ يعني: كعب بن عجرة رضي الله عنه آذاه هوام رأسه، كان عنده قمل وعنده مشكلة في رأسه احتاجت إلى أن يحلق، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بالحلق وشرع له الفدية.

لو إنسان حلق رأسه من باب الترفه، وليس في شعره شيء، ولا عنده أي دافع لذلك ولا له عذر، هل نقول: إنه مثل من حلق لعذر أو يختلف؟

الصواب أنه لا يختلف، وهناك روايتان، بعضهم يرى أنه يختلف حتى في الكفارة، لكن نقول: إحدى الروايتين أنه يختلف إذا كان غير معذور، فيقولون ذلك مثل كفارة اليمين، سواء كان الحنث جائزاً أو غير جائز.

والثاني: يقولون: لا يختلف الأمر، سواء كان محتاجاً أو غير محتاج، وإنما الاختلاف في كونه أثم بحلق رأسه بخلاف المعذور، فإنه ليس عليه إثم.

حكم إخراج الفدية بعد السبب وقبل فعل المحظور

هل يجوز له أن يخرج الفدية بعد وجود السبب وقبل فعل المحظور؟

يعني: لو آذاه رأسه، ونوى أن يحلق هل له أن يخرج الفدية؛ يذبح شاة ثم يحلق رأسه، أو نقول: لا يخرج الفدية إلا بعد حلق الرأس وارتكاب المحظور؟

الصواب أنه يجوز، مادام أنه وجد السبب، فإن له أن يخرج الفدية بعد أو قبل، مثله في ذلك مثل كفارة اليمين، يعني: لو أن إنساناً حلف أن لا يشرب هذا الماء، ثم نوى أن يشربه أليس يجوز له إخراج كفارة اليمين ثم يشرب؟

يجوز له أن يشرب، ثم يخرج الكفارة بعدما حنِث، كلا الوجهين جيد، لكن هل يجوز له أن يرتكب الكفارة قبل ما يحلف؟

هذه يُنتبه لها؛ لأنه لم يوجد الموجب أصلاً.

إذاً: يلحق بفدية الأذى؛ وفدية الأذى المقصود بها في الأصل: حلق الرأس، ويطلق عليها الفقهاء: فدية الأذى، ويلحقون بها فدية اللبس وفدية الطيب.

فدية من لبس محظوراً أو استعمل طيباً

إذا لبس محظوراً كما لو غطى رأسه بطاقية مثلاً أو عمامة أو غترة أو شماغ أو غيرها مما تغطى به الرءوس عادة، وهكذا فدية الطيب لو تطيب في بدنه وثيابه بعدما تلبس بالإحرام فهو قد ارتكب محظوراً، فالفقهاء يلحقون هذا بفدية الأذى ويوجبون عليه ما ورد في الآية الكريمة وفي حديث كعب بن عجرة .

وقد ذكرنا فيما سبق اعتراض الظاهرية وابن حزم والشوكاني على أصل المسألة، بحيث لا يوجبون فدية إلا فيما ورد النص فيه، وهو حلق الرأس، ولا يلحقون بها غيرها.

كذلك الحنفية يرون أنه ليس عليه فدية إذا لبس إلا إذا استدامها لمدة يوم كامل، فلو لبس شيئاً ثم تذكر فخلعه، أو لبسه بعض الوقت ثم خلعه، فلا يرون عليه فدية إلا إذا استدام لبسه نهاراً كاملاً، وهذه من ضروب التوسعة عند الفقهاء التي يمكن أن يلجأ إليها المفتي حتى لو كان يريد ألا يخرج عن أقوال المذاهب المتبوعة المشهورة.

حكم لبس المحرم السراويل مضطراً

كذلك من لبس السراويل مضطراً، لم يجد إزاراً يغطي به بدنه فلبس السراويل على صفتها وعلى ما هي عليه من باب الضرورة.

فالصحيح أنه ليس عليه شيء؛ لحديث ابن عباس قال: ( ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل )، وأما مالك وأبو حنيفة فقالوا: إن عليه في ذلك الفدية حتى لو كان مضطراً؛ لأنهم ألحقوها بفدية الأذى من حلق رأسه كما حصل لـكعب رضي الله عنه.

من تطيب عامداً فعليه الفدية عند جميع هؤلاء الأئمة، يرون أن عليه الفدية إلا من ذكرنا أنهم لا يرون الفدية أصلاً.

حكم الفدية لمن ترك واجباً

هل يلحق ترك الواجب بفعل المحظور؟

من ترك واجباً من واجبات الحج، مثلما لو ترك رمي الجمرات، أو ترك المبيت بمنى أو ترك المبيت بـمزدلفة عند من يقولون بوجوب هذه الأشياء، هل يلحق بمن فعل المحظور، أو لا؟

المصنف رحمه الله في بعض نسخ العمدة قال: [وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب]، فألحق ذلك بالمحظورات, وعلى هذا يجب بترك الواجب فدية.

هل هذه الفدية على التخيير أم على الترتيب؟

نص المؤلف رضي الله عنه ورحمه الله أنها على التخيير، مثلما ذكرنا في فدية الأذى ونحوه، وهذا قول الأكثرين، بل ذكره بعضهم رواية واحدة في مذهب الإمام أحمد، واستدل هؤلاء بالأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنه: (من ترك نسكاً فعليه دم).

المصنف أيضاً ذكر جزاء الصيد بعدما ذكر الواجبات التي على التخيير وهي فدية الأذى واللبس والطيب قال: [فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام, أو طعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين, أو ذبح شاة].

هل يستوي أن يكون الإنسان معذوراً أو غير معذور في هذه الفدية؟ يعني: كعب بن عجرة رضي الله عنه آذاه هوام رأسه، كان عنده قمل وعنده مشكلة في رأسه احتاجت إلى أن يحلق، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بالحلق وشرع له الفدية.

لو إنسان حلق رأسه من باب الترفه، وليس في شعره شيء، ولا عنده أي دافع لذلك ولا له عذر، هل نقول: إنه مثل من حلق لعذر أو يختلف؟

الصواب أنه لا يختلف، وهناك روايتان، بعضهم يرى أنه يختلف حتى في الكفارة، لكن نقول: إحدى الروايتين أنه يختلف إذا كان غير معذور، فيقولون ذلك مثل كفارة اليمين، سواء كان الحنث جائزاً أو غير جائز.

والثاني: يقولون: لا يختلف الأمر، سواء كان محتاجاً أو غير محتاج، وإنما الاختلاف في كونه أثم بحلق رأسه بخلاف المعذور، فإنه ليس عليه إثم.

هل يجوز له أن يخرج الفدية بعد وجود السبب وقبل فعل المحظور؟

يعني: لو آذاه رأسه، ونوى أن يحلق هل له أن يخرج الفدية؛ يذبح شاة ثم يحلق رأسه، أو نقول: لا يخرج الفدية إلا بعد حلق الرأس وارتكاب المحظور؟

الصواب أنه يجوز، مادام أنه وجد السبب، فإن له أن يخرج الفدية بعد أو قبل، مثله في ذلك مثل كفارة اليمين، يعني: لو أن إنساناً حلف أن لا يشرب هذا الماء، ثم نوى أن يشربه أليس يجوز له إخراج كفارة اليمين ثم يشرب؟

يجوز له أن يشرب، ثم يخرج الكفارة بعدما حنِث، كلا الوجهين جيد، لكن هل يجوز له أن يرتكب الكفارة قبل ما يحلف؟

هذه يُنتبه لها؛ لأنه لم يوجد الموجب أصلاً.

إذاً: يلحق بفدية الأذى؛ وفدية الأذى المقصود بها في الأصل: حلق الرأس، ويطلق عليها الفقهاء: فدية الأذى، ويلحقون بها فدية اللبس وفدية الطيب.

إذا لبس محظوراً كما لو غطى رأسه بطاقية مثلاً أو عمامة أو غترة أو شماغ أو غيرها مما تغطى به الرءوس عادة، وهكذا فدية الطيب لو تطيب في بدنه وثيابه بعدما تلبس بالإحرام فهو قد ارتكب محظوراً، فالفقهاء يلحقون هذا بفدية الأذى ويوجبون عليه ما ورد في الآية الكريمة وفي حديث كعب بن عجرة .

وقد ذكرنا فيما سبق اعتراض الظاهرية وابن حزم والشوكاني على أصل المسألة، بحيث لا يوجبون فدية إلا فيما ورد النص فيه، وهو حلق الرأس، ولا يلحقون بها غيرها.

كذلك الحنفية يرون أنه ليس عليه فدية إذا لبس إلا إذا استدامها لمدة يوم كامل، فلو لبس شيئاً ثم تذكر فخلعه، أو لبسه بعض الوقت ثم خلعه، فلا يرون عليه فدية إلا إذا استدام لبسه نهاراً كاملاً، وهذه من ضروب التوسعة عند الفقهاء التي يمكن أن يلجأ إليها المفتي حتى لو كان يريد ألا يخرج عن أقوال المذاهب المتبوعة المشهورة.

كذلك من لبس السراويل مضطراً، لم يجد إزاراً يغطي به بدنه فلبس السراويل على صفتها وعلى ما هي عليه من باب الضرورة.

فالصحيح أنه ليس عليه شيء؛ لحديث ابن عباس قال: ( ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل )، وأما مالك وأبو حنيفة فقالوا: إن عليه في ذلك الفدية حتى لو كان مضطراً؛ لأنهم ألحقوها بفدية الأذى من حلق رأسه كما حصل لـكعب رضي الله عنه.

من تطيب عامداً فعليه الفدية عند جميع هؤلاء الأئمة، يرون أن عليه الفدية إلا من ذكرنا أنهم لا يرون الفدية أصلاً.

هل يلحق ترك الواجب بفعل المحظور؟

من ترك واجباً من واجبات الحج، مثلما لو ترك رمي الجمرات، أو ترك المبيت بمنى أو ترك المبيت بـمزدلفة عند من يقولون بوجوب هذه الأشياء، هل يلحق بمن فعل المحظور، أو لا؟

المصنف رحمه الله في بعض نسخ العمدة قال: [وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب]، فألحق ذلك بالمحظورات, وعلى هذا يجب بترك الواجب فدية.

هل هذه الفدية على التخيير أم على الترتيب؟

نص المؤلف رضي الله عنه ورحمه الله أنها على التخيير، مثلما ذكرنا في فدية الأذى ونحوه، وهذا قول الأكثرين، بل ذكره بعضهم رواية واحدة في مذهب الإمام أحمد، واستدل هؤلاء بالأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنه: (من ترك نسكاً فعليه دم).

المصنف أيضاً ذكر جزاء الصيد بعدما ذكر الواجبات التي على التخيير وهي فدية الأذى واللبس والطيب قال: [فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام, أو طعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين, أو ذبح شاة].