خطب ومحاضرات
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة
الحلقة مفرغة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.
عندنا زكاة السائمة، وهي طويلة في بضع صفحات، ولذلك لا أجدني بحاجة إلى أن أقرأ ما كتبه المصنف فيها، وبإمكان الإخوة الذين يرغبون في المتابعة أن يقرءوه فيما بعد؛ ليجدوا أن كل ما ذكره المصنف قد تم شرحه فيما سوف أقوله إن شاء الله تعالى، بدون حاجة إلى أن نتوقف عند عباراته وألفاظه رحمه الله تعالى.
عندنا زكاة السائمة، والسائمة في لغة العرب مأخوذة من السوم، وهو الرعي، وقد جاء هذا المعنى في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النحل:10]، يعني: ترعون.
وكذلك قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آل عمران:14]، يجوز أن تكون المسومة بمعنى المرعية، ويجوز أن تكون المسومة بمعنى المُعَلَّمة، فالسوم يطلق على الرعي ويطلق على العلامة.
ومنه قولنا: السيما أو السيمياء وهي علامة الشيء، كما في قوله تعالى: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29]، وكما في قوله تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [الرحمن:41].
ويقول الشاعر العربي:
غلام رماه الله بالحسن يافعاً له سيمياء لا تشق على البصر
كأن الثريا علقت في جبينه وفي جيده الشعرى وفي خده القمر
إذاً: نلاحظ أن كلمة (سَوَمَ): السين والواو والميم لها معنيان:
المعنى الأول: يتعلق بالرعي، أو كما عبر ابن فارس في معجم مقاييس اللغة : السوم يطلق على معنى الطلب كالرعي؛ لأن البهائم تطلب المرعى، ومنه سوم البضاعة إذا سام هذه السلعة، يعني: طلب شراءها، ومنه أيضاً يقولون: فلان يسوم فلاناً خسفاً، هذا معروف في لغة العرب، ومعروفة كلمة عمر يقول: يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم أو خطة خسف أن يقول: لا، بملء فيه. يعني: طلب منه شيء يدل على ضيمه أو ازدرائه.
فالمادة الأولى هي مادة الطلب، السوم بمعنى الطلب.
المعنى الثاني الذي ذكره أهل اللغة ومنهم ابن فارس : السوم بمعنى العلامة كما ذكرنا مواضعه في القرآن الكريم.
والأقرب أن يكون الأمر كله راجعاً إلى المعنى الثاني وليس الأول، فنقول: (السوم) مأخوذ من التعليم من الإعلام من وضع العلامة، فالإبل أو البقر أو الغنم نسميها سائمة إذا رعت؛ لأنها تعلم المرعى من خلال رعيها، تعلمه وتضع فيه علامات وآثاراً تدل على رعيها، وهكذا بقية المعاني.
من يسومك خسفاً أو ضيماً يريد أن يسمك بميسم الذل والهوان
وهكذا بقية المعاني.
إذاً: كلمة (سَوَمَ) أصل واحد في لغة العرب فيما ظهر لي، يدل على العلامة أو وضع العلامة أو على التعليم أو الإعلام، هذه نقطة.
في القرآن الكريم موضع في سورة آل عمران: بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:125]، هذه الآية أي المعنيين يجوز فيها؟
الأقرب أنه ينبغي أن يكون معنى الآية الثاني: أي: معلمين، فهناك علامة للملائكة، إما فيما يفعلونه بالكفار كما ورد أنهم كانوا يعرفون قتيل الملائكة ببنانه، وهذا أحد الوجوه .. أو غير ذلك، لكن المقصود أنهم مسومون، فهي من التسويم الذي هو العلامة، وليست من السوم الذي هو الرعي .
الأصمعي رحمه الله من أئمة اللغة فسر السائمة التي يتكلم عنها الفقهاء: بأن السائمة هي كل إبل ترسل للرعي ولا تعلف في الدور، فهذه هي السائمة، هذه هي النقطة الأولى عندنا في جلسة هذا اليوم.
ننتقل بعدها إلى المسألة الثانية: وهي اشتراط السوم أو الرعي في بهيمة الأنعام، فقد اختلف الأئمة: هل يشترط أن تكون بهيمة الأنعام راعية حتى توجب فيها الزكاة، أو توجب الزكاة حتى في غير الراعية، وفي هذا قولان مشهوران:
القول الأول: (لا تجب الزكاة إلا في سائمة الأنعام)
إذاً: هو قول أربعة من الصحابة، وخلق من التابعين والسلف: كـعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري، وطاوس، وهو رواية عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، حتى إن سفيان الثوري قال: لا زكاة في غير السائمة من الإبل والبقر والغنم، فقال له قائل: إن مالكاً رحمه الله يوجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم ولو كانت غير سائمة، فتعجب سفيان وقال: ما ظننت أن أحداً يقول بهذا القول.
أعتقد أن سفيان ليس مقصوده الإنكار على مالك رحمه الله، فإن مالكاً إمام وجبل، وتفرد مالك بمثل هذا وغيره وأعظم منه ليس بكثير على سعة علمه وفقهه، وإنما سفيان ربما يشير إلى أنه لم يسمع بهذا القول من قبل، فهذا علم جديد أضيف إلى علمه أن هناك من يقول بأن الزكاة واجبة في غير السائمة.
أدلة القائلين بوجوب الزكاة في السائمة من الأنعام فقط
أهم وأصح حججهم ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه في كتابه المشهور: ( هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ) .. إلى آخر الحديث، وفيه ذكر أنصباء الصدقة في الإبل وفي الغنم .. وفي غيرها، ولكن في هذا الحديث قوله: ( وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين شاة شاة ).. إلى آخر الحديث.
فقالوا: إن قوله: ( في صدقة الغنم في سائمتها )، دليل على أن السائمة تجب فيها الزكاة، وهذا يسميه علماء الأصول: المنطوق، فمنطوق حديث أبي بكر : أن السائمة من الغنم -يعني: الراعية- فيها الزكاة، هذا منصوص أو منطوق الحديث.
أما مفهوم الحديث، مفهوم الصفة فهو أن غير السائمة ليس فيها زكاة، وهذا يسميه علماء الأصول: مفهوم الصفة، وهو أولى المفاهيم بالاعتبار، وهو حجة عند جمهور الأصوليين فإن السائمة هنا صفة للغنم، فمعنى الحديث: أن الغنم قسمان: سائمة، وغير سائمة، الحديث نص على أن سائمتها فيها الزكاة، فدل بمفهومه على أن غير السائمة ليس فيها زكاة . هذا دليل.
الدليل الثاني عندهم: ما ثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم -كما أسلفت-، منهم ذكرنا علياً ومعاذاً وجابراً وعمر أنهم يرون أن ليس فيها زكاة، يعني: غير السائمة، قالوا: ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان هذا إجماعاً، وهذا أحسن أحواله أن يكون إجماعاً سكوتياً كما يسميه علماء الأصول، وفي الاحتجاج به نظر، زد على ذلك أن المنقول عن جمع من السلف والتابعين القول بأن في غير السائمة زكاة يعكر على دعوى الإجماع هذه، وكثيراً ما يحتج ابن قدامة رحمه الله في المغني بمثل هذا، أنه نقل عن فلان من الصحابة واشتهر ولم يعرف له مخالف فكان إجماعاً، وفي هذا نوع من النظر، وإن كان يستأنس بهذا، لا يستدل به ويحتج به، لكنه يستأنس به، ويقوي جانب الأدلة الأخرى.
الدليل الثالث: ما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( في كل إبل سائمة، في كل أربعين بنت لبون ).. إلى آخر الحديث، فقوله: ( في كل إبل سائمة )، مثله مثل حديث أبي بكر الأول يدل على أن الزكاة تجب في السائمة من الإبل والبقر والغنم، ولا تجب في غير السائمة.
حديث بهز بن حكيم رواه أهل السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ورواه أحمد .. وغيرهم، وصححه جماعة أو حسنوه، ممن حسنه الترمذي والحاكم، وفيه خلاف؛ بسبب الخلاف المشهور في رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
والدليل الرابع: النظر والتأمل، فإنهم يقولون: إن العلة في وجوب الزكاة هي النماء، والسائمة يظهر فيها النماء، فإنها ترعى من أجل السمن، ومن أجل الدر واللبن ومن أجل النتاج وتتكاثر، ولذلك ناسب أن تجب فيها الزكاة زيادة على توفر مئونتها، من توفير العلف والطعام .. ونحو ذلك إذا رعت في المرعى المباح كالصحراء .. ونحوها، ولا تحتاج إلى عناء، فهذا يناسب أن تجب في السائمة زكاة وألا تجب في غيرها، وهو معنى جيد.
هذا هو القول الأول.
القول الثاني: أن الزكاة تجب في السائمة وفي غيرها
أدلة القائلين بوجوب الزكاة في السائمة وغيرها من الأنعام
والذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن قول الجمهور أرجح وأدلتهم أقوى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الغنم في سائمتها دليل على أن القيد احترازي وليس أغلبياً؛ إضافة إلى أنه هو المنقول عن الصحابة كما ذكرت، زيادة على أن تعضيد النظر لهذا الاتجاه يعززه ويقويه، كما نلاحظ تفاوت الزكاة مثلاً في الخارج من الأرض، بين ما يتعب ويسقى بمئونة وغير ذلك كما سوف يأتي تفصيله، فهذا المعنى معتبر في الزكاة. هذه هي المسألة الثانية.
الأول: قول الجمهور: وهو مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد ؛ أنه لا تجب الزكاة في بهيمة الأنعام إلا إذا كانت سائمة، يعني: ترعى في المرعى أو الكلأ المباح، وهذا القول أيضاً منسوب إلى جماعة من الصحابة، فقد نقل عن أربعة من الصحابة أنهم يقولون ذلك، منهم: عمر وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، فإنهما كانا يقولان: (ليس في العوامل صدقة). وكذلك نقل عن جابر رضي الله عنه وعمر بن الخطاب أنهم لا يرون الزكاة إلا في السائمة.
إذاً: هو قول أربعة من الصحابة، وخلق من التابعين والسلف: كـعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري، وطاوس، وهو رواية عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، حتى إن سفيان الثوري قال: لا زكاة في غير السائمة من الإبل والبقر والغنم، فقال له قائل: إن مالكاً رحمه الله يوجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم ولو كانت غير سائمة، فتعجب سفيان وقال: ما ظننت أن أحداً يقول بهذا القول.
أعتقد أن سفيان ليس مقصوده الإنكار على مالك رحمه الله، فإن مالكاً إمام وجبل، وتفرد مالك بمثل هذا وغيره وأعظم منه ليس بكثير على سعة علمه وفقهه، وإنما سفيان ربما يشير إلى أنه لم يسمع بهذا القول من قبل، فهذا علم جديد أضيف إلى علمه أن هناك من يقول بأن الزكاة واجبة في غير السائمة.
ما هي حجة الذين يقولون بذلك؟
أهم وأصح حججهم ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه في كتابه المشهور: ( هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ) .. إلى آخر الحديث، وفيه ذكر أنصباء الصدقة في الإبل وفي الغنم .. وفي غيرها، ولكن في هذا الحديث قوله: ( وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين شاة شاة ).. إلى آخر الحديث.
فقالوا: إن قوله: ( في صدقة الغنم في سائمتها )، دليل على أن السائمة تجب فيها الزكاة، وهذا يسميه علماء الأصول: المنطوق، فمنطوق حديث أبي بكر : أن السائمة من الغنم -يعني: الراعية- فيها الزكاة، هذا منصوص أو منطوق الحديث.
أما مفهوم الحديث، مفهوم الصفة فهو أن غير السائمة ليس فيها زكاة، وهذا يسميه علماء الأصول: مفهوم الصفة، وهو أولى المفاهيم بالاعتبار، وهو حجة عند جمهور الأصوليين فإن السائمة هنا صفة للغنم، فمعنى الحديث: أن الغنم قسمان: سائمة، وغير سائمة، الحديث نص على أن سائمتها فيها الزكاة، فدل بمفهومه على أن غير السائمة ليس فيها زكاة . هذا دليل.
الدليل الثاني عندهم: ما ثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم -كما أسلفت-، منهم ذكرنا علياً ومعاذاً وجابراً وعمر أنهم يرون أن ليس فيها زكاة، يعني: غير السائمة، قالوا: ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان هذا إجماعاً، وهذا أحسن أحواله أن يكون إجماعاً سكوتياً كما يسميه علماء الأصول، وفي الاحتجاج به نظر، زد على ذلك أن المنقول عن جمع من السلف والتابعين القول بأن في غير السائمة زكاة يعكر على دعوى الإجماع هذه، وكثيراً ما يحتج ابن قدامة رحمه الله في المغني بمثل هذا، أنه نقل عن فلان من الصحابة واشتهر ولم يعرف له مخالف فكان إجماعاً، وفي هذا نوع من النظر، وإن كان يستأنس بهذا، لا يستدل به ويحتج به، لكنه يستأنس به، ويقوي جانب الأدلة الأخرى.
الدليل الثالث: ما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( في كل إبل سائمة، في كل أربعين بنت لبون ).. إلى آخر الحديث، فقوله: ( في كل إبل سائمة )، مثله مثل حديث أبي بكر الأول يدل على أن الزكاة تجب في السائمة من الإبل والبقر والغنم، ولا تجب في غير السائمة.
حديث بهز بن حكيم رواه أهل السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ورواه أحمد .. وغيرهم، وصححه جماعة أو حسنوه، ممن حسنه الترمذي والحاكم، وفيه خلاف؛ بسبب الخلاف المشهور في رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
والدليل الرابع: النظر والتأمل، فإنهم يقولون: إن العلة في وجوب الزكاة هي النماء، والسائمة يظهر فيها النماء، فإنها ترعى من أجل السمن، ومن أجل الدر واللبن ومن أجل النتاج وتتكاثر، ولذلك ناسب أن تجب فيها الزكاة زيادة على توفر مئونتها، من توفير العلف والطعام .. ونحو ذلك إذا رعت في المرعى المباح كالصحراء .. ونحوها، ولا تحتاج إلى عناء، فهذا يناسب أن تجب في السائمة زكاة وألا تجب في غيرها، وهو معنى جيد.
هذا هو القول الأول.
القول الثاني: مذهب الإمام مالك كما أصبح ظاهراً لكم: أن الزكاة واجبة في السائمة، كما هي واجبة أيضاً في المعلوفة مثلاً وفي العوامل وفي غيرها، وهذا المذهب مروي عن ربيعة والليث وهما من فقهاء المدينة، وهو أحد القولين عن عمر بن عبد العزيز، وهو قول قتادة وحماد بن أبي سليمان وغيرهم، واختاره الإمام ابن حزم في كتاب المحلى، كما ذكر صاحب الإنصاف من الحنابلة أنه قول الإمام ابن عقيل الحنبلي أن الزكاة تجب في السائمة وفي غيرها.
حجتهم: أولاً حديث أبي بكر السابق نفسه، فإن فيه: ( في خمس من الإبل شاة )، ولم يذكر صفة الإبل أن تكون سائمة أو غير سائمة، فقالوا: هذا دليل على وجوب الزكاة في كل بهيمة الإنعام سائمة كانت أو غير سائمة، وقالوا: إن القيد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( في سائمتها ) في شأن الغنم قالوا: إن هذا القيد أغلبي، وليس قيداً احترازياً، قالوا: لأن الغالب على أهل الحجاز أنهم كانوا يرعون إبلهم وشاءهم ونعمهم في المرعى، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم سائمة باعتبار الأعم الأغلب لا باعتبار أن هذا قيد واحتراز يخرج السائمة ويعطيها حكماً، وغير السائمة ويعطيها حكماً آخر.
والذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن قول الجمهور أرجح وأدلتهم أقوى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الغنم في سائمتها دليل على أن القيد احترازي وليس أغلبياً؛ إضافة إلى أنه هو المنقول عن الصحابة كما ذكرت، زيادة على أن تعضيد النظر لهذا الاتجاه يعززه ويقويه، كما نلاحظ تفاوت الزكاة مثلاً في الخارج من الأرض، بين ما يتعب ويسقى بمئونة وغير ذلك كما سوف يأتي تفصيله، فهذا المعنى معتبر في الزكاة. هذه هي المسألة الثانية.
المسألة الثالثة: السوم الذي هو الرعي، والذي بموجبه تكون الزكاة في بهيمة الأنعام لابد له من ثلاثة أمور إذا اختل واحد منها فلا اعتبار بالسوم:
الشرط الأول: أن تكون المسومة من بهيمة الأنعام
وما هي بهيمة الأنعام؟ الإبل والبقر. وقلنا: يدخل فيها الجواميس بالإجماع كما ذكره ابن المنذر وغيره. إذاً: الإبل والبقر ومنها الجواميس، والغنم، والغنم تشمل: المعز والضأن.
إذاً: هذه الأصناف إن شئت فهي ثلاثة وإن شئت فهي خمسة، يعني: تستطيع أن تقول: الإبل، والبقر، والجواميس، والضأن، والمعز. هذه هي بهيمة الأنعام، وهي التي امتن الله تبارك وتعالى علينا بها في القرآن الكريم، عددت وأنا قادم إليكم عدد المواضع في القرآن الكريم التي ذكرت فيها الأنعام أو النَعم، فوجدتها تقريباً -إن لم أكن أخطأت في العدد والعهدة على المعجم المفهرس - ثلاثاً وثلاثين موضعاً، في سورة آل عمران، في سورة الأنعام، في سورة النحل، في سورة (يس)، في الحج.. وغيرها من المواضع، ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى سماها: الأنعام، كما في سورة الأنعام المخصصة لهذا، وكثير من الأحكام مذكورة فيها، وفي سورة النحل الله سبحانه وتعالى امتن بها علينا كثيراً فقال: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:5-7]، ثم قال بعد ذلك كله لما انتهى أمر الأنعام، قال: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8].
إذاً: انتهينا من بهيمة الأنعام انتقلنا بعد ذلك إلى الخيل والبغال والحمير، هل هذه من بهيمة الأنعام؟ لا، وانتهى الأمر منها، قال: وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، فامتن الله تعالى علينا بأكله.
وكذلك قال الله سبحانه وتعالى في سورة (يس): أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ [يس:71-72]، وهكذا في سورة المؤمنون أيضاً.
هذه المسماة ببهيمة الأنعام لماذا خصت بهذا الحكم؟
الأقرب والله تبارك وتعالى أعلم أنها خصت بهذا الحكم؛ لأنها غالب ما يستخدمه الناس، خصوصاً المسلمون الذين تجب في أموالهم الزكاة، وهكذا تجد من عهد الرسالة إلى اليوم أكثر ما يتملكه المسلمون هو هذه الأصناف الثلاثة، وما كان في حكمها.
وقد بحثت عن إحصائية للبلاد الإسلامية، فوجدت بعض الكتب التي تقدم معلومات وأعطيتكم نموذجاً منها في عدد ما، يوجد في السعودية وفي السودان كنموذجين وإفريقيا غالبها على هذه الوتيرة، فعام: (1993م) -لم يتوفر عندي رقم التاريخ الهجري- يوجد في السعودية أربعمائة وعشرون ألف رأس من الإبل، وسبعة ملايين ومائة ألف من الغنم، ومائتان وعشرة آلاف من البقر، وثلاثة ملايين وأربعمائة ألف من المعز، بينما في السودان مثلاً من البقر -بنفس التاريخ- واحد وعشرون مليون وستمائة ألف، لاحظ الرقم! اثنان وعشرون مليون وخمسمائة ألف من الغنم، اثنان وعشرون مليون ومائتا ألف من المعز، مليونان وثمانمائة وخمسون ألفاً من الإبل.
إذاً: هذه الأصناف الثلاثة هي ذات الرقم القياسي والاستخدام الكبير والتملك الكبير والعناية بها؛ ولذلك وجب فيها ما لم يجب في غيرها، لا في الخيل ولا في الوحوش ولا في سواها. هذا جانب.
إذاً: قلنا: إنه لابد أن تكون السائمة من بهيمة الأنعام.
هل في هذا الكلام خلاف؟ نعم، فيه خلاف لا بأس من الإشارة إليه، وهو أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله ذهب إلى وجوب الزكاة في سائمة الخيل، ووافقه زفر من الحنفية.
وخالفه في ذلك الجمهور، بل خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني فلم يريا في سائمة الخيل زكاة ووافقا على ذلك الجمهور، وقد ذكرت لكم الإشارة من القرآن الكريم في الخيل والبغال والحمير وأنها للركوب، فدل ذلك على أنها تتخذ للقنية، للزينة، للاستخدام، للعمل، وما كان كذلك فإن الظاهر والإشارة تدل على عدم وجوب الزكاة فيه، لكن لو أعدت الخيل مثلاً للتجارة كما يقع الآن، كثير من الناس يتملكون أعداداً كبيرة من الخيول، وعندهم لها أنساب، وعندهم لها سلالات، وتباع أحياناً بمبالغ طائلة، فهل في مثل هذا اللون من إخراج زكاة؟ نعم. ما هي زكاتها؟ زكاة عروض التجارة، وهو باب آخر غير باب السائمة.
الشرط الثاني: أن يكون السوم للنماء
مسألة كونها تستخدم للركوب وللتنقل ولغير ذلك وللعمل هذا يصدق على الجمال، والبقر، وأما الغنم فلا، الغنم جنبها ضعيف ما تستخدم لهذا، ولذلك الكلام هذا أو القيد هذا خاص بالإبل والبقر، فهي تستخدم عوامل للحرث مثلاً وللسني .. وغير ذلك من الأعمال.
الشرط الثالث: أن ترعى البهيمة أكثر الحول
الأقرب والذي عليه الجمهور: أن المقصود أن تكون سائمة راعية أكثر الحول، فالعبرة حينئذ بالأغلب، والأكثر له حكم الكل، وهذا قول الحنابلة والأحناف، والشافعية لهم تفصيل، ذكر النووي في المجموع لهم في المسألة خمسة أوجه: أحدها هو ما ذكرت.
الأمر الأول: أن تكون المسومة أو أن تكون المرعية من بهيمة الأنعام.
وما هي بهيمة الأنعام؟ الإبل والبقر. وقلنا: يدخل فيها الجواميس بالإجماع كما ذكره ابن المنذر وغيره. إذاً: الإبل والبقر ومنها الجواميس، والغنم، والغنم تشمل: المعز والضأن.
إذاً: هذه الأصناف إن شئت فهي ثلاثة وإن شئت فهي خمسة، يعني: تستطيع أن تقول: الإبل، والبقر، والجواميس، والضأن، والمعز. هذه هي بهيمة الأنعام، وهي التي امتن الله تبارك وتعالى علينا بها في القرآن الكريم، عددت وأنا قادم إليكم عدد المواضع في القرآن الكريم التي ذكرت فيها الأنعام أو النَعم، فوجدتها تقريباً -إن لم أكن أخطأت في العدد والعهدة على المعجم المفهرس - ثلاثاً وثلاثين موضعاً، في سورة آل عمران، في سورة الأنعام، في سورة النحل، في سورة (يس)، في الحج.. وغيرها من المواضع، ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى سماها: الأنعام، كما في سورة الأنعام المخصصة لهذا، وكثير من الأحكام مذكورة فيها، وفي سورة النحل الله سبحانه وتعالى امتن بها علينا كثيراً فقال: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:5-7]، ثم قال بعد ذلك كله لما انتهى أمر الأنعام، قال: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8].
إذاً: انتهينا من بهيمة الأنعام انتقلنا بعد ذلك إلى الخيل والبغال والحمير، هل هذه من بهيمة الأنعام؟ لا، وانتهى الأمر منها، قال: وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، فامتن الله تعالى علينا بأكله.
وكذلك قال الله سبحانه وتعالى في سورة (يس): أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ [يس:71-72]، وهكذا في سورة المؤمنون أيضاً.
هذه المسماة ببهيمة الأنعام لماذا خصت بهذا الحكم؟
الأقرب والله تبارك وتعالى أعلم أنها خصت بهذا الحكم؛ لأنها غالب ما يستخدمه الناس، خصوصاً المسلمون الذين تجب في أموالهم الزكاة، وهكذا تجد من عهد الرسالة إلى اليوم أكثر ما يتملكه المسلمون هو هذه الأصناف الثلاثة، وما كان في حكمها.
وقد بحثت عن إحصائية للبلاد الإسلامية، فوجدت بعض الكتب التي تقدم معلومات وأعطيتكم نموذجاً منها في عدد ما، يوجد في السعودية وفي السودان كنموذجين وإفريقيا غالبها على هذه الوتيرة، فعام: (1993م) -لم يتوفر عندي رقم التاريخ الهجري- يوجد في السعودية أربعمائة وعشرون ألف رأس من الإبل، وسبعة ملايين ومائة ألف من الغنم، ومائتان وعشرة آلاف من البقر، وثلاثة ملايين وأربعمائة ألف من المعز، بينما في السودان مثلاً من البقر -بنفس التاريخ- واحد وعشرون مليون وستمائة ألف، لاحظ الرقم! اثنان وعشرون مليون وخمسمائة ألف من الغنم، اثنان وعشرون مليون ومائتا ألف من المعز، مليونان وثمانمائة وخمسون ألفاً من الإبل.
إذاً: هذه الأصناف الثلاثة هي ذات الرقم القياسي والاستخدام الكبير والتملك الكبير والعناية بها؛ ولذلك وجب فيها ما لم يجب في غيرها، لا في الخيل ولا في الوحوش ولا في سواها. هذا جانب.
إذاً: قلنا: إنه لابد أن تكون السائمة من بهيمة الأنعام.
هل في هذا الكلام خلاف؟ نعم، فيه خلاف لا بأس من الإشارة إليه، وهو أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله ذهب إلى وجوب الزكاة في سائمة الخيل، ووافقه زفر من الحنفية.
وخالفه في ذلك الجمهور، بل خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني فلم يريا في سائمة الخيل زكاة ووافقا على ذلك الجمهور، وقد ذكرت لكم الإشارة من القرآن الكريم في الخيل والبغال والحمير وأنها للركوب، فدل ذلك على أنها تتخذ للقنية، للزينة، للاستخدام، للعمل، وما كان كذلك فإن الظاهر والإشارة تدل على عدم وجوب الزكاة فيه، لكن لو أعدت الخيل مثلاً للتجارة كما يقع الآن، كثير من الناس يتملكون أعداداً كبيرة من الخيول، وعندهم لها أنساب، وعندهم لها سلالات، وتباع أحياناً بمبالغ طائلة، فهل في مثل هذا اللون من إخراج زكاة؟ نعم. ما هي زكاتها؟ زكاة عروض التجارة، وهو باب آخر غير باب السائمة.
الشرط الثاني: أن يكون السوم للنماء. يعني: أن ترعى من أجل الدر، من أجل اللبن، من أجل السمن، من أجل النتاج والأولاد، وقد سبق أن ذكرت سابقاً أن المال النامي هو المال الذي تجب فيه الزكاة، أما لو كان يسيمها ويرعاها للعمل، للانتقال من مكان إلى آخر، أو لغير ذلك، أو للركوب، فإن هذه السائمة ليس فيها زكاة، ولو كانت ترعى إذا لم تكن أعدت للنماء، وهذا مذهب الجمهور؛ لأنها في هذه الحالة تصبح من العوامل، مثل: الأثاث والثياب والمقتنيات التي لا زكاة فيها.
مسألة كونها تستخدم للركوب وللتنقل ولغير ذلك وللعمل هذا يصدق على الجمال، والبقر، وأما الغنم فلا، الغنم جنبها ضعيف ما تستخدم لهذا، ولذلك الكلام هذا أو القيد هذا خاص بالإبل والبقر، فهي تستخدم عوامل للحرث مثلاً وللسني .. وغير ذلك من الأعمال.
الشرط الثالث أو الأمر الثالث في موضوع السوم: أن ترعى معظم الحول أو أكثر الحول. يعني: لابد أن يمر عليها الحول وهي سائمة، فالحول شرط لوجوب الزكاة، لكن هل معنى ذلك أنه لو تركت الرعي يوماً أو أسبوعاً أو نحو ذلك ينقطع حولها ولا تجب فيها الزكاة؟
الأقرب والذي عليه الجمهور: أن المقصود أن تكون سائمة راعية أكثر الحول، فالعبرة حينئذ بالأغلب، والأكثر له حكم الكل، وهذا قول الحنابلة والأحناف، والشافعية لهم تفصيل، ذكر النووي في المجموع لهم في المسألة خمسة أوجه: أحدها هو ما ذكرت.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية | 3986 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 | 3925 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض | 3845 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين | 3671 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 | 3624 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض | 3614 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع | 3552 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج | 3516 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها | 3444 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب الوضوء -1 | 3388 استماع |