Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

منكرات التمثيل


الحلقة مفرغة

الغيبة بالقول والإشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول صلى الله عليه وسلم: (حسبك من صفية أنها كذا وكذا -تعني: قصيرة-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته! قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا) رواه أبي داود والترمذي ، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه الألباني .

قول عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم: (حسبك من صفية) أي: يكفيك من عيوبها البدنية أنها قصيرة، ولعلها قالت بلسانها: إنها قصيرة، وأشارت بيدها إلى كونها قصيرة، فأرادت التأكيد بالجمع بين القول والفعل، فقالت بلسانها وحكت أيضاً بيدها أنها قصيرة.

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (لقد قلت كلمة) أي: كلمة طويلة عريضة مرة ومنتنة عند أرباب الحواس الكاملة (لو مزجت بماء البحر) أي: لو خلط بها على فرض أن الكلمة كأنها تجسدت وأصبحت سائلاً مائعاً بحيث تختلط بماء البحر، والمزج هو الخلط بين المادتين، فينتقل من المعنى إلى الحس (لمزجته) أي: لغلبت عليه وغيرته.

والمعنى أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمال قذرة قد خلطت بها هذه الغيبة؟!

وفي هذا الحديث إشارة لطيفة إلى أن هذه الكلمة منك ولو كانت صغيرة وقليلة عندك فهي عند الله كبيرة وكثيرة بحيث لو أن هذه الكلمة مزجت بكل البحار بأجناسها وأصنافها وأنواعها من طولها وعرضها وعمقها لغلبتها ولغيرتها وعكرتها! فهذا من البلاغة في غاية مبلغها، وفي البليغ من الزجر نهاية حده ومنتهاه.

الغيبة بالمحاكاة

قالت عائشة رضي الله عنها: (وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا). فقوله: (ما أحب) يعني: ما أود (أني حكيت إنساناً) أي: فعلت مثل فعل أحد. يعني: ما أحب أن أتحدث بعيب أحد سواء أكان هذا الحديث قولياً أم فعلياً.

وقولها: (وحكيت له إنساناً) بمعنى: حاكيت. أي: فعلت مثل فعله. أي: قلدته فمثلت بشخصه، وفعلت نفس حركته أو مشيته أو كلامه. يقال: حكاه، وحاكاه.

وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح، ولو حملنا قوله: (ما أحب أني حكيت إنساناً) على المعنى الحسن -أي: المحاكاة الحسنة- فيكون هذا إشارة إلى المبالغة، أي: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم زجر في المحاكاة الحسنة وقال: (ما أحب أني حكيت إنساناً) فكيف بالمحاكاة في الأفعال القبيحة؟!

قوله: (وأن لي كذا وكذا) هذه جملة حالية، يعني: لا أحب أني أقلد إنساناً، أو أمثل بشخص فلان، أو أقلد حركاته (وأن لي كذا وكذا) أي: ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا. يعني: حتى لو وزن لي من المال أو من الدنيا الشيء العظيم حتى أقوم بفعل المحاكاة ما أحب ذلك، ولا أقبل ذلك.

قال الإمام النووي رحمه الله: من الغيبة المحرمة المحاكاة، بأن يمشي متعالياً أو مطأطئاً رأسه أو غير ذلك من الهيئات.

فالإنسان لا يقلد شخصاً فيحاكيه في حركاته أو في مشيته.

وقال -أيضاً- رحمه الله تعالى: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ. وما ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول صلى الله عليه وسلم: (حسبك من صفية أنها كذا وكذا -تعني: قصيرة-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته! قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا) رواه أبي داود والترمذي ، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه الألباني .

قول عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم: (حسبك من صفية) أي: يكفيك من عيوبها البدنية أنها قصيرة، ولعلها قالت بلسانها: إنها قصيرة، وأشارت بيدها إلى كونها قصيرة، فأرادت التأكيد بالجمع بين القول والفعل، فقالت بلسانها وحكت أيضاً بيدها أنها قصيرة.

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (لقد قلت كلمة) أي: كلمة طويلة عريضة مرة ومنتنة عند أرباب الحواس الكاملة (لو مزجت بماء البحر) أي: لو خلط بها على فرض أن الكلمة كأنها تجسدت وأصبحت سائلاً مائعاً بحيث تختلط بماء البحر، والمزج هو الخلط بين المادتين، فينتقل من المعنى إلى الحس (لمزجته) أي: لغلبت عليه وغيرته.

والمعنى أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمال قذرة قد خلطت بها هذه الغيبة؟!

وفي هذا الحديث إشارة لطيفة إلى أن هذه الكلمة منك ولو كانت صغيرة وقليلة عندك فهي عند الله كبيرة وكثيرة بحيث لو أن هذه الكلمة مزجت بكل البحار بأجناسها وأصنافها وأنواعها من طولها وعرضها وعمقها لغلبتها ولغيرتها وعكرتها! فهذا من البلاغة في غاية مبلغها، وفي البليغ من الزجر نهاية حده ومنتهاه.

قالت عائشة رضي الله عنها: (وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا). فقوله: (ما أحب) يعني: ما أود (أني حكيت إنساناً) أي: فعلت مثل فعل أحد. يعني: ما أحب أن أتحدث بعيب أحد سواء أكان هذا الحديث قولياً أم فعلياً.

وقولها: (وحكيت له إنساناً) بمعنى: حاكيت. أي: فعلت مثل فعله. أي: قلدته فمثلت بشخصه، وفعلت نفس حركته أو مشيته أو كلامه. يقال: حكاه، وحاكاه.

وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح، ولو حملنا قوله: (ما أحب أني حكيت إنساناً) على المعنى الحسن -أي: المحاكاة الحسنة- فيكون هذا إشارة إلى المبالغة، أي: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم زجر في المحاكاة الحسنة وقال: (ما أحب أني حكيت إنساناً) فكيف بالمحاكاة في الأفعال القبيحة؟!

قوله: (وأن لي كذا وكذا) هذه جملة حالية، يعني: لا أحب أني أقلد إنساناً، أو أمثل بشخص فلان، أو أقلد حركاته (وأن لي كذا وكذا) أي: ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا. يعني: حتى لو وزن لي من المال أو من الدنيا الشيء العظيم حتى أقوم بفعل المحاكاة ما أحب ذلك، ولا أقبل ذلك.

قال الإمام النووي رحمه الله: من الغيبة المحرمة المحاكاة، بأن يمشي متعالياً أو مطأطئاً رأسه أو غير ذلك من الهيئات.

فالإنسان لا يقلد شخصاً فيحاكيه في حركاته أو في مشيته.

وقال -أيضاً- رحمه الله تعالى: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ. وما ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

يقودنا الكلام في تفسير قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] إلى بيان معاني الهمز واللمز المقصودين في هذه الآية الكريمة، فالذم حاصل لكل من أتى بهما أو بأحدهما، يعني: ويل لكل هامز لامز يكثر منه الهمز واللمز للآخرين، وفي قراءة: (ويل لكل هُمْزَة لُمْزَة) يعني: الشخص الذي يهمز ويلمز، وهو المفعول، وذلك بأن يأتي بحركات سفيهة أو يمثل أو يفعل نحو هذه الأشياء بحيث يضحك الناس، فهذا المعنى يستفاد من قراءة: (ويل لكل هُمْزَة لُمْزَة) بتسكين الميم، فهي تعني المفعول، أو الشخص الذي يتعرض للناس ليهمزه ويضحكوا منه.

والآية تتناول أحد أنواع التمثيل على هذه القراءة، وهو التشخيص، والمعروف أن الممثلين كانوا معروفين منذ زمن بالحقارة والمذلة والهوان، وكانوا أحقر ناس، حتى كان القضاء الوضعي نفسه يرد شهادة الممثلين، ولا تقبل شهادتهم تفسيقاً لهم؛ لأنهم يتعاطون مهنة قبيحة وحرفة خبيثة، وبعض هؤلاء الممثلين كان يفخر بإنجازات بعض الرؤساء فقال: إن من ضمن إنجازات هذا الرئيس أنه جعل عيداً للفن، وأنه بعد أن كان القضاء يرد شهادتنا أصبحنا الآن الأبطال والقدوة، ويقال لأحدنا: المربي الكبير والأستاذ القدير... إلى آخر هذه الألقاب!

ومن الأنواع المذمومة من أنواع التمثيل التي تبلغ من القباحة غايتها ما يسمونه الكوميديا أو الضحك أو النكت أو ما شابه هذه الأشياء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له).

فالكلام على هذا النوع من الهمز واللمز يقود إلى بيان وعيد الذي يكذب في حديثه ليضحك به الناس.

والمراد هنا الكلام على سائر أنواع هذا التمثيل، لكن حينما نتكلم في هذا التمثيل فإننا نقصد به المعنى العرفي؛ إذ أصبح علماً على الفسق والفجور الذي نعرفه جميعاً ونعلمه ونسمع به.

إن التمثيل المقصود به النوع الشائع المعروف الذي يتفق على تحريمه العلماء والعقلاء وذوو الفطرة السليمة، ولا يدخل فيه النوع المختلف فيه الذي هو -كما نسميه- التمثيل الأخلاقي الذي يدعو إلى الفضيلة والحث على الجهاد ونحو ذلك، فهذا فيه خلاف شرعاً هل هو محرم لذاته أم لا، أما إن كان التمثيل يحتوي على الفواحش كالتبرج والفساد المعروف فهذا محرم للأدلة الكثيرة في ذلك، لكن التمثيل فيما يهدف إلى إبراز المقاصد الأخلاقية، الذي يعرى عن وجود النساء المتبرجات أو غير المتبرجات، ويدعو إلى الأخلاق والحث على الفضائل هل هو محرم لذاته؟

بعض العلماء يرى أنه محرم لذاته، لكن هذا لا يفيدنا كثيراً، فلا نحتاج إلى أن نتكلم عن التمثيل الأخلاقي بصحة أو خطأ؛ لأننا لسنا نقصده؛ لأنه لا يوجد الآن تمثيل أخلاقي أبداً، وليس هناك أحد يدعي ذلك، بل الذي يبدأ بالأخلاق ينتهي بما نعلم! فهو نادر أو معدوم.

ومن أنواع التمثيل المعروفة ما تجرأ عليه بعض الملاحدة وقاموا بتمثيل بعض الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، بل منهم من وصل به هذا الفجور والفسوق إلى تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا حرام أو كفر، كما يأتي بيانه إن شاء الله.

وكذلك في هذه الأوضاع المذمومة تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم.

أما التمثيل المعروف الآن بكل ملابساته فيقول أحد العلماء الذين ألفوا في هذا الموضوع: اعلم أنه لا يختلف اثنان ممن يعرف شيئاً عن دين الإسلام أن التمثيل من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر، ولا يشك في ذلك إلا من لا يعرف شيئاً عن دين الإسلام، أو كان من المنحلين المارقين الذين يدسون فيه الدسائس لمحو رسومه وإتلاف معالمه والقضاء عليه بتحليل محرماته وإسقاط واجباته، كما هو الواقع من الكثيرين، بل لا يشك عاقل ولا يمتري فاضل في أن التمثيل مناف للمروءة والعقل، منابذ للأخلاق والفضيلة، لا يرضاه ذو نفس شريفة، ولا همة أبية فضلاً عن ذي دين ومروءة، بل لا يرضاه لنفسه إلا دنس الأصل، وضيع النفس، ساقط المروءة، فاقد الشعور بالكرامة، خفيف العقل، قليل الدين أو ذاهبه بالكلية.

وهذا هو المشاهد من الممثلين، فإننا لا نرى في الممثلين ذا أهل وكرامة ودين ومروءة.

مكانة الصحابة رضي الله عنهم وحرمة تصويرهم

نقدم بين يدي الكلام في هذا الموضوع بعض التنبيهات:

اتفق العلماء على حرمة تصوير الصحابة رضي الله عنهم، وهناك اعتبارات لابد أن نراعيها قبل الكلام في موضوع التمثيل:

الأول: ما لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المكانة العليا في الإسلام بحكم معاصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامهم بواجب نصرته وموالاته، والتفاني في سبيل الله ببذل أموالهم وأولادهم ونفوسهم رضي الله عنهم، فقد اتفق أهل العلم على أنهم صفوة هذه الأمة وخيارها، وأن الله شرفهم وخصهم بصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهم في كتابه الكريم بقوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ... [الفتح:29] إلى آخر الآيات.

وجاءت الأحاديث الصحيحة بتسجيل فضلهم، وأن لهم قدم صدق عند الله، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم) ففي الجيل الثاني قال: (أفيكم من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) يعني أصحاب الصحابة، وفي المرة الثالثة: (أفيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم) فمدار الفضل على هذا الشرف الذي يلحق الصحابة ومن يصحبهم ومن يصحب من يصحبهم.

وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) أي: البدانة.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن بعض أصحابه رضوان الله عليهم: (ذروا لي أصحابي -أي: دعوني وأصحابي- فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رضي الله عنهم.

التمثيل وقضاؤه على الأوقات وشغلها باللهو والعبث

التنبيه الثاني: قبل الكلام في منكرات التمثيل تأتي النظرة العامة إلى مشاهدة التمثيل من أنه حال من أحوال اللهو والتسلية وشغل فراغ الوقت، فمشاهده في الغالب يذهب إلى السينما، أو يجلس أمام الأفلام ونحوها، ولا يريد أن يجلس ليتعظ، بل هو يريد أن يضيع وقته، ويحصل إشباع غرائزه بما يشرح النفس وينسي الهموم وينقل المرء من حال الجد إلى حال العبث والهزل؛ ولذلك يقول قائلهم: كم ساعة تريد أن تجلس فيها لضحك متواصل؟!

فهو هروب من الهموم، أو هروب من المسئوليات ولجوء إلى البطالة وإلى العبث، كما يلجأ الإنسان إلى أي شيء قبيح ومنكر مثل الخمور والمسكرات، وكذلك يلجأ طوائف من الناس إلى هذه المسارح والسينما وغيرها، ويقصدون بذلك الترويح على أنفسهم بهذا اللغط والعبث.

تردي أخلاق الممثلين

التنبيه الثالث: حال محترفي التمثيل من الناحية السلوكية، لو تأملنا في وضع التمثيل وحال محترفي هذا النوع من الفسق، فسنخرج بنتيجة واحدة هي: أن غالبهم سقط من الناس، ليس للصلاح ولا للتقوى مكان في حياتهم العامة، ولا للأخلاق الإسلامية محل في دائرة أخلاقهم، ولا للقيم النبيلة اعتبار عندهم، فإذا تقمص أحدهم شخصية امرئٍ صالح أو نبيل أو شهم أو عفيف أو جواد فذلك لأجل ما سيتقاضاه ثمناً لهذا الدور، وليس لأنه يعظم هذه المبادئ أو يحترم هذه القيم، لكن هذا الدور يفرض عليه أنه يتمثل برجل طيب أو صادق أو نبيل مقابل الثمن، ثم يعود إلى سيرته الأولى ضاحكاً لاهياً ساخراً معرضاً عن الجوانب المشرقة في حياة هؤلاء النبلاء!

بل إن منهم من فلمه المعروض يبين حال فسقة، ولا أعتقد أنهم يقدرون على رفع قضايا سب وشرف إلى المحكمة؛ لأن الفسق معروف عنهم تماماً الآن، بل هم أنفسهم يجهرون به، ولا يحتاج إلى اتهام، بل القضايا التي تنشر لهم بين وقت وآخر تدل على اتهامهم نساء ورجالاً بأقبح أنواع القبائح، نسأل الله العافية. وإننا لنتذكر كلمة قالها محمد الصباغ -حفظه الله- في بعض المناسبات في رمضان لما كان في مسجد الفتح، فكان يذكر حديث جريج العابد لما أتته أمه وهو يتعبد في صومعته فنادت عليه فقال: صلاتي أو أمي؟ فأقبل على صلاته ولم يجب أمه، وذلك ثلاث مرات، فدعت عليه أمه في المرة الثالثة بأنه لا يموت حتى يرى وجوه المومسات (الزانيات) فهذه الدعوة عقوبة دعت بها عليه أمه، وهي أن تقع عينه على هؤلاء النساء، فهذه عقوبة، فكيف -إذاً- بالمسلم الذي يتعمد النظر إلى الفاسقات! ويسعى إلى النظر إلى الفاسقات! فهذا أمر عظيم بلا شك؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـعلي : (لك الأولى وليست لك الآخرة) والأولى هي نظر الفجأة، فكيف بالنظر المتعمد؟!

فبعضهم يبذل ماله ووقته وعمره ليسعى إلى أماكن الفساد، ويبذل المال والوقت ويسعى إلى الفاسقات حتى يرى صورهن القبيحة، بل ويستلذ بهذه المعاصي ويستحسن ذلك ويفرح!

فهذا النوع من الفرح شؤم على صاحبه في الدنيا والآخرة.

حرص أرباب التمثيل على المكاسب المادية

التنبيه الرابع: أغراض التمثيل، فلا يختلف اثنان أن الهدف الأول لأرباب المسارح في إقامة التمثيل فيها هو المكاسب المادية، ومكاسبهم المادية لا تحصل إلا بمداعبة غرائز المشاهدين وشهواتهم، فإذا عرفنا أن غالب المشاهدين لا يقصدون من مشاهدتهم التمثيل إلا قضاء فراغ أوقاتهم بما فيه العبث واللهو والتسلية، وفهمنا أن الهدف الأول والأخير من التمثيل الكسب المادي؛ أدركنا أن القائمين على التمثيل سيحرصون على إنماء رصيد مشاهدي مسرحيتهم، بتحقيق رغبة المشاهد في إشباع غرائزه، وعرض ذلك على شاشة التمثيل وخشبات المسارح، ولو أدى ذلك إلى الإضرار بالأمة، وتحطيم طاقات شبابها، وإفساد أخلاقهم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا ضرر ولا ضرار) فالحديث يدل على تحريم كل أنواع الضرر، وأبلغ أنواع الضرر ما يثلم الأعراض ويقصم الأديان ويقضي عليها ويفسدها.

التساهل في تحقيق الوقائع التاريخية ومحاولة تشويه التاريخ الإسلامي

التنبيه الخامس: اعتماد كثير من المؤرخين في مؤلفاتهم التاريخية على التساهل في تحقيق الوقائع التاريخية، فإن مجموعة من ذوي الميول المنحرفة والأهواء المغرضة قد نفثوا سمومهم في التاريخ الإسلامي، حتى الأفلام التاريخية تجد فيها تشويهاً بشعاً لحقائق التاريخ الإسلامي، فيصورون لنا العهد العباسي أو العهد الأموي بأنه كان عهد في غاية الفساد والانحطاط، وأن هارون الرشيد كان إنساناً ما له شغل غير معاقرة الخمور ومجالسة الندامى والجواري! في حين أن ابن خلدون حينما تكلم على هذا الخليفة المظلوم قال: ما علمنا عليه من سوء، وكان هارون الرشيد يحج سنة ويغزو سنة، وكان على قدر من الصلاح والتقوى والورع والجهاد، وقد أدب أسلاف هؤلاء الذين يشوهون سيرته من أعداء الإسلام من الكفار اليهود والنصارى، فلذلك من الطبيعي أن يحقدوا على الخلفاء ويشوهوا صورتهم في نظر الأجيال، فهو الذي كتب الرسالة المعروفة لـنقفور وقال له فيها: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم.

وكان نقفور معروفاً بعدائه للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان المرتدون من حوله ينشئون له القصائد في سب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يطعن في الإسلام، فقال الرشيد لـنقفور : من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم: قد بلغني كتابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسار إليه بجيوشه وأدبه!

فهذا الرجل كان يحج سنة ويغزو سنة، والسنة التي كان لا يحج فيها يرسل ثلاثمائة من المسلمين على نفقته لحج بيت الله.

وصلاح الدين الأيوبي كم شوه تاريخه إلى ما ينقض المفاهيم الإسلامية، والأمثلة كثيرة جداً، فهي عبارة عن نشاطات مغرضة لاستغلالها كوسيلة من وسائل الأعلام في الانحراف بمفاهيم الإسلام والكذب على السلف الصالح.

ومن ذلك أنها تحرف مفاهيم الناس حول بعض القضايا الإسلامية مثل قضايا الطلاق وتعدد الزوجات.

وقد سمعنا عن فلم مُثِّل فيه الرسول عليه السلام للناس، وأظهروا أن الإسلام ثورة كأية ثورة لنصرة الفقراء والضعفاء، وكأي هدف من أهداف الثورات الهمجية في الأرض، وليس لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فيصورون أن الإسلام هدفه جزئي محض، وأنه نوع دعوة من دعوات العدل أو المساواة أو التحرير، ولا يذكرون حقيقة الدين الإسلامي!

فإذا ألقينا نظرة على هذه الاعتبارات قبل أن نخوض في منكرات التمثيل، وألقينا نظرة على واقعنا الذي نتألم منه، بل إذا خرجنا خارج مصر نجد أن المصريين يصورون في صورة مخزية جداً نتأسف لها كثيراً، فالإنسان الذي هو خارج مصر يرى المصريين في منتهى الفسق من خلال هؤلاء الفجرة المردة؛ لأنهم يصورون لنا أن هذا هو المجتمع المصري، والمصريون ما زال فيهم الخير، وما زال فيهم الإسلام والمساجد والصلاة، لكنهم يحاولون أن يخدعوا المجتمع بهذه الغاية في الفسق التي ليس بعدها فسق إرضاءً لأسيادهم من الأوروبيين وغيرهم.